ربما هي ساعات أو لحظات قليلة تفصل أهالي قطاع غزة عن سماع الإعلان الرسمي لاتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، برعاية مصرية وقطرية وأمريكية. هذا الاتفاق المرتقب قد يوقف آلة الحرب الإسرائيلية التي استمرت لأكثر من 460 يومًا، مخلفةً وراءها مأساة إنسانية ومجازر لم يشهد التاريخ مثيلًا لها، حيث طالت نيران الحرب الأطفال والنساء والشيوخ وكل فئات المجتمع الفلسطيني.
قلوب سكان القطاع تلهج بالدعاء لنجاح الجهود المبذولة عربيًا ودوليًا لتحقيق هذا الاتفاق. يأمل الجميع في أن يترافق وقف إطلاق النار مع صفقة تبادل قد تنهي حرب الإبادة الجماعية التي خلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وأحال مناطق بأكملها إلى ركام.
ترقب وأمل في المخيمات
في مدينة غزة، حيث تنتشر مخيمات النازحين الذين شردوا من مناطق شمال القطاع، تنبعث صيحات التهليل والتصفيق مع كل خبر جديد يشير إلى إحراز تقدم في المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة. وفي ملعب اليرموك، كتب على بوابة مخيم النازحين عبارة "هذا المخيم أقيم بجهود ذاتية وغير مكفول من أي جهة"، حيث تتكدس العائلات بين أمل العودة وخوف المستقبل.
ينتشر الأطفال والشباب أمام المخيم، وقد رسمت الحرب على وجوههم ملامح من الكهولة المبكرة. يقول مصعب، شاب نازح من بلدة بيت لاهيا: "قربت العودة إلى الشمال. الأخبار جيدة. سنسكن في خيام بجانب منازلنا المدمرة. المهم أن نعود، لكننا خائفون من أن تحمل الساعات القادمة مفاجآت مرعبة."
تحديات العودة إلى الشمال
رغم التدمير الكامل لمناطق شمال القطاع، لا يتخلى النازحون عن حلم العودة. في المناطق المدمرة مثل مخيم جباليا، وتل الزعتر، والفاخورة، وبلدة بيت حانون، وبيت لاهيا، يتساءل السكان عن كيفية إعادة بناء حياتهم وسط الخراب. يقول ياسر، الذي فقد منزله في مشروع بيت لاهيا: "أين سنقيم الخيام؟ هل ستتسع مساحة البيت المدمر لإيواء جميع سكان العمارة المدمرة؟" ويجيبه أحد النازحين على شاطئ البحر في مخيم الشاطئ: "ربما ستقام المخيمات في معسكرات جديدة. لا أحد يعلم حتى الآن."
حيرة وقلق بشأن المستقبل
أسئلة كثيرة تدور في أذهان سكان القطاع، ليس فقط حول إمكانية العودة، بل حول ما ينتظرهم بعدها. الكل يتساءل: كيف سنعيد بناء حياتنا؟ كيف سنوفر المياه والكهرباء والخدمات الأساسية في المخيمات؟ يقول أبو محمد، الذي فقد شقته في غزة: "الحياة في الخيام صعبة، لكنها ستكون أصعب عند العودة إلى مناطقنا المدمرة. الناس بحاجة إلى أكثر من خيام أو كرفانات؛ نحتاج إلى بنية تحتية، ماء، كهرباء، وحمامات. لا يمكن الاعتماد على المساعدات الغذائية فقط."
آمال الأمهات والطلبة
في أحد مخيمات النزوح، تنتظر سيدة حامل أن تضع مولودها. تقول بصوت مليء بالأمل: "يا رب، تحمل الساعات القادمة خبرًا سعيدًا يعجل بعودتنا إلى ديارنا مع طفلنا القادم." وبجانبها، يجلس أطفال وطلبة مدارس يترقبون استئناف العملية التعليمية بعد انقطاع دام أكثر من عام. تقول طالبة في الثانوية العامة: "الحرب حرمتنا من الاستعداد لامتحانات التوجيهي. كنا نتمنى أن نعيش ظروفًا أفضل مثل زملائنا في الضفة الغربية، لنحقق أحلامنا في التعليم الجامعي."
انتظار الإعلان بفارغ الصبر
يقول الشاب كرم، النازح من مخيم جباليا: "الأخبار تشير إلى أن الأمور تسير نحو إعلان هدنة. تعبنا من الحرب، ونريد أن نعرف كيف سندير حياتنا بعدها." هذا الشعور يتشاركه جميع سكان القطاع الذين يتمنون أن يكون الاتفاق المرتقب بداية لمرحلة جديدة تخفف من آلامهم.
لكن المخاوف تظل قائمة. يتحدث أبو محمد عن الآثار الاجتماعية الكارثية التي خلفتها الحرب، حيث سيعود أكثر من مليون ونصف المليون شخص إلى مناطقهم في الشمال ليجدوا أنفسهم بلا مأوى. يقول: "الحرب بعد الحرب أصعب. الناس بحاجة إلى حلول دائمة، وليس فقط مسكنًا مؤقتًا."
الأمل يتجدد
بينما يترقب الجميع لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار، لا تزال ملامح التعب والألم ظاهرة على وجوه الأطفال والكبار. الجميع يأمل أن يكون هذا الاتفاق خطوة نحو إنهاء معاناة السكان وإعادة بناء ما دمرته الحرب.