تقرير عودة صعبة ومرهقة للنازحين في قطاع غزة

عودة النازحين

حتى ساعة متأخرة من الليل، واصلت الجماهير الفلسطينية النازحة تدفقها من جنوب ووسط قطاع غزة إلى شماله في مشهد يمزح بين الفرح وبالبهجة بالألم، حيث بدت ملامح التعب والإرهاق واضحة على وجوه الجميع، من الشباب إلى الأطفال والنساء والشيوخ، في واحدة من أقسى مراحل النزوح الفلسطيني.

مشاهد مؤلمة على الطرقات

على طول الطرقات في مدينة غزة، كانت الأوجاع واضحة. سيدة مسنة تفترش الأرض للحصول على قسط من الراحة بعد رحلة طويلة من جنوب القطاع إلى شماله، بينما تُكمل سيدات أخريات السير بشق الأنفس. طفلة تحمل بين ذراعيها شقيقها الرضيع بعدما أنهك التعب والدتهما التي اضطرت للمشي على الأقدام لمسافات طويلة، في مشهد يعكس قسوة الأوضاع الإنسانية.

الاحتفالات على الطرقات

في هذه الأثناء، كانت المركبات والشاحنات والباصات تطلق المزامير العالية على طول شارع الرشيد غرب مدينة غزة، احتفالًا بعودة النازحين. لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعت حركة التنقل بالسيارات على الشارع ذاته، وسمحت فقط باستخدام شارع صلاح الدين المعروف بمحور "نيتساريم" شرق غزة، حيث تخضع المركبات للفحص الأمني الصارم من قبل شركات أمنية خاصة.

استقبال مهيب للنازحين العائدين

منذ ساعات الصباح الباكر، تدفق عشرات الآلاف من النازحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع. كان المشهد مليئًا باللحظات المؤثرة، حيث وقف المواطنون الذين أصروا على البقاء في منازلهم رغم العدوان الإسرائيلي في استقبال النازحين. العدوان الذي استمر خمسة عشر شهرًا خلف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ودمر مناطق سكنية بأكملها. عبارة "الحمد لله على السلامة" أصبحت عنوان اللقاء بين العائلات التي فرقتها الحرب، والكل يسأل عن أحوال الجنوب والشمال، في محاولة لتجاوز هذه المأساة.

"عمرنا ما بنعيدها" و"صمدنا عشان نرجعكم"

كانت ردود النازحين تحمل مزيجًا من الألم والأمل. "عمرنا ما بنعيدها"، هكذا عبر العائدون عن رفضهم لفكرة النزوح مرة أخرى، فيما أكد السكان الذين بقوا في الشمال أنهم صمدوا لاستقبال إخوانهم وإعادتهم إلى مناطقهم. وسط الضحكات والتحيات، كان العناق والقبلات تعبيرًا صادقًا عن لحظات اللقاء التي انتظرها الجميع بفارغ الصبر.

دعم إنساني ومبادرات عربية

شاركت جمعيات خيرية برعاية دول عربية شقيقة في توفير وسائل النقل لنقل النازحين إلى أماكن سكنهم أو ما تبقى من منازلهم التي لم تدمرها آلة الحرب الإسرائيلية. أعلام الجزائر ومصر زينت المركبات التي وزعت المياه على النازحين، ورافقتهم عبر الطرقات وسط ترديد الأغاني والأهازيج الفلسطينية، في مشهد يعكس روح التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني.

العودة مع كل ما تبقى

لم يترك النازحون أي شيء خلفهم، فقد اصطحبوا حتى طيورهم وحيواناتهم الأليفة. أحد الأطفال جلس في صندوق مركبة خلفي حاملًا قفصًا يحتوي على طيور الحمام، بينما كانت طفلة تمسك بسلسلة حديدية لكلبها الذي رافقها الطريق الطويل من الجنوب إلى الشمال. هذه التفاصيل الصغيرة كانت تعبيرًا عن رغبتهم في الحفاظ على ما تبقى من حياتهم الطبيعية رغم كل المآسي.

رغم سعادة الأهالي بالعودة إلى المناطق التي نزحوا عنها، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي تعمد تنغيص هذه الفرحة من خلال إجبارهم على السير لمسافات طويلة. الأطفال والنساء والشيوخ وحتى الشباب اضطروا لعبور طرقات مليئة بالحفر التي خلفتها الآليات العسكرية الإسرائيلية. ومع اقتراب فصل الشتاء، ازدادت المعاناة مع تجمع الوحل الذي أعاق حركتهم وأضفى المزيد من المشقة على عودتهم.

إرهاق يفوق فرحة العودة

بدا الإرهاق والتعب واضحين على وجوه النازحين العائدين أكثر من ملامح الفرح بالعودة. الاحتلال أراد لهذه العودة أن تكون مليئة بالصعوبات لتنغص على الفلسطينيين فرحتهم. ومع أن الأهالي عادوا إلى الشمال، إلا أن الأيام القادمة قد تحمل المزيد من المعاناة، حيث أن غالبية سكان شمال القطاع فقدوا منازلهم خلال أيام العدوان الأخيرة، ليبدأوا مرحلة جديدة من الكفاح لإعادة بناء حياتهم من جديد.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة