نساء غزة.. رحلة الألم في ظل الإبادة الجماعية والمجاعة والنزوح القسري

النساء في غزة.png

تعيش نساء قطاع غزة واحدة من أقسى التجارب الإنسانية التي شهدها التاريخ الحديث، حيث تواصل العدوان الإسرائيلي الوحشي لأكثر من 15 شهرًا، مخلفًا وراءه معاناة لا توصف تمزج بين فقدان الأحبة، النزوح، الجوع، والحرمان من أدنى مقومات الحياة.

حياة تحت الحصار.. النساء في مواجهة أسوأ الكوارث الإنسانية

أفادت المسؤولة الأممية ماريس غيمون في تقريرها الصادر بتاريخ 18 يوليو 2024 أن أكثر من مليون امرأة وفتاة فلسطينية في غزة يتحملن أسوأ أعباء الحرب الممتدة، مشيرة إلى أن النساء في القطاع يعشن في خوف دائم، جائعات، منهكات ومريضات، ويحاولن بصعوبة إبقاء أسرهن معًا رغم فقدانهن للأمان والاستقرار.

في ذات السياق، أطلق خبراء أمميون وحقوقيون مصطلح "الإبادة الجماعية للإناث" لوصف الجرائم التي تُرتكب بحق النساء والفتيات الفلسطينيات، وهو مصطلح أيدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات ريم السالم، مؤكدة أن استهداف النساء الفلسطينيات يأتي في إطار استراتيجية إبادة جماعية ممنهجة.

وقالت السالم إن "قتل النساء الفلسطينيات لمجرد كونهن نساء يعد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، مشيرة إلى أن استهداف الصحة الإنجابية والقتل المتعمد للنساء يستخدمان كأدوات ضمن الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة.

إحصائيات مروعة: آلاف النساء بين القتلى والنازحين

وفقًا لآخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد قتل جيش الاحتلال أكثر من 12,316 سيدة فلسطينية خلال العدوان المستمر، بينما فقدت 13,901 امرأة أزواجهن، ليجدن أنفسهن في مواجهة حياة بلا معيل، وسط كارثة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم.

نساء غزة.. معاناة النزوح وفقدان المعيل

منيرة شبات، سيدة فلسطينية من بلدة بيت حانون، تصف معاناتها خلال الحرب قائلة: "حياتي انقلبت رأسًا على عقب عندما فقدت زوجي، كان السند الوحيد لي، ومعيله الوحيد لطفليّ". استشهد زوجها في الشهر الثاني من الحرب، تاركًا لها مسؤولية إعالة طفلين في ظل ظروف معيشية كارثية.

تروي منيرة كيف اضطرت للعيش في مدرسة إيواء بعد تدمير منزلها، وتعاني يوميًا من الوقوف في طوابير طويلة للحصول على المياه والخبز، مؤكدة أنها بقيت أيامًا دون طعام، ولم يكن أمامها خيار سوى تحمل الجوع من أجل أطفالها.

أما إيمان الغزالي، التي تسكن حي التفاح شرق غزة، فوصفت تجربتها أثناء الحرب بـالكابوس الحقيقي. تقول بصوت يملؤه الحزن: "الأمومة في الحرب مأساة لا توصف، كنت عاجزة أمام أطفالي السبعة، لا أجد لهم طعامًا، ولا حتى مياه نظيفة".

وتضيف أن ابنتها الكبرى ريم وضعت مولودها الأول وسط المجاعة وانعدام الرعاية الصحية، مشيرة إلى أنها بالكاد كانت تستطيع تأمين وجبة واحدة في اليوم، بينما لم يكن هناك أي مستلزمات للأطفال من حفاضات أو حليب.

المعاناة في مخيمات النزوح.. النساء يتحملن العبء الأكبر

النازحة وفاء شلوف، التي لجأت إلى مدينة خان يونس جنوب القطاع، تحكي معاناتها في ظل النزوح القسري: "عشنا في ظروف لا إنسانية، كان إشعال النار للطهي تحديًا يوميًا، وكنا ننتظر ساعات في الطوابير فقط للحصول على وجبة صغيرة من التكايا".

وتشير إلى أن النساء كنّ يتحملن العبء الأكبر في المخيمات، فهن المسؤولات عن توفير المياه والطعام، والاعتناء بالأطفال، وتأمين الأساسيات للعائلة في ظل غياب الخصوصية وظروف العيش غير الملائمة.

"أم سميح"، امرأة أخرى تعيش النزوح منذ أكثر من 15 شهرًا، تصف ما تمر به بأنه "حياة لا تطاق"، مشيرة إلى أن انعدام الأمن الغذائي والمياه الصالحة للشرب جعلا من الحياة اليومية كابوسًا مستمرًا. تعاني أم سميح من رعاية زوجها المريض وتوفير الغذاء لأطفالها الخمسة، مؤكدة أنها تعتمد على وجبات التكايا الخيرية للبقاء على قيد الحياة.

تقول والدموع في عينيها: "البرد يقتلنا، لا نملك أي وسيلة للتدفئة سوى احتضان بعضنا البعض، لكن ذلك لا يكفي".

الآثار النفسية للحرب على النساء في غزة

لم تقتصر المعاناة على الجانب المعيشي فقط، بل امتدت إلى الجانب النفسي أيضًا، حيث أثرت الحرب ومشاهد الدمار والموت على الصحة النفسية للنساء في غزة.

الأخصائية النفسية روان شتات، أكدت أن النساء في غزة يتعرضن لضغوط نفسية هائلة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق بينهن.

تقول شتات: "الكثير من النساء يعانين من اضطرابات نفسية حادة، تغيرت بشرتهن بسبب سوء التغذية، والعديد منهن يعشن في حالة رعب مستمر خوفًا على أطفالهن".

وأشارت إلى أن الوصول إلى جلسات الدعم النفسي ليس بالأمر السهل، حيث أن النساء غير قادرات على مغادرة أماكن النزوح، بسبب انشغالهن بتأمين الغذاء والمياه لعائلاتهن، إلى جانب شح وسائل النقل بسبب نقص الوقود.

الخاتمة: المرأة الفلسطينية.. صمود رغم المأساة

في ظل الدمار الشامل الذي تشهده غزة، تبقى المرأة الفلسطينية عنوانًا للصمود والبقاء، رغم ما تواجهه من مجاعة، نزوح، فقدان المعيل، وانعدام أدنى مقومات الحياة.

تستمر النساء في غزة في لعب دور الأم، المعيلة، الحامية، متحملات أعباء الحرب والمآسي اليومية، وسط تجاهل دولي لمعاناتهن. ومع استمرار الاحتلال في انتهاكاته، تظل الحاجة ملحة لتحرك دولي عاجل لإنهاء هذه المأساة الإنسانية، وضمان الحياة الكريمة للنساء والأطفال في قطاع غزة.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة