تشهد تجمعات غرب يطا الواقعة في محافظة الخليل، تصعيدًا خطيرًا في الاعتداءات الإسرائيلية والممارسات الاستيطانية التي تهدف إلى تضييق الخناق على الفلسطينيين ودفعهم إلى النزوح القسري. تعاني هذه التجمعات من مصادرة الأراضي، هدم المنازل، إغلاق الطرق، وقطع المياه والكهرباء، في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى تهويد المنطقة وتوسيع المستوطنات غير الشرعية.
معاناة مستمرة في ظل الاحتلال
تُعتبر تجمعات غرب يطا من أكبر القرى جنوب الضفة الغربية، ويعتمد سكانها بشكل رئيسي على الزراعة والثروة الحيوانية كمصدر رئيسي للرزق. ومع ذلك، يواجه المزارعون تحديات هائلة، حيث تواصل قوات الاحتلال فرض قيود صارمة على تنقلهم، وتمنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، مما يهدد الأمن الغذائي لسكان المنطقة.
يُؤكد الناشط خالد العميري، أحد سكان المنطقة، أن الاحتلال يستخدم أساليب متعددة لخنق حياة الفلسطينيين في غرب يطا، موضحًا: "الاحتلال لا يكتفي بهدم المنازل وحرمان السكان من الخدمات الأساسية، بل يفرض إجراءات عقابية جماعية، مثل إغلاق الطرق الترابية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية والطبية، في محاولة لخلق بيئة طاردة تدفع الفلسطينيين إلى الرحيل قسرًا".
هجمات المستوطنين وتصعيد العنف
إلى جانب السياسات الرسمية لقوات الاحتلال، يشارك المستوطنون في تنفيذ اعتداءات ممنهجة ضد السكان الفلسطينيين، حيث يقومون بمهاجمة المزارعين، وتدمير المحاصيل، وقطع أشجار الزيتون، وسرقة المواشي. كما يشهد السكان حالات عنف متزايدة، تتضمن اعتداءات جسدية على الفلسطينيين، ومحاولات للاستيلاء على المنازل بالقوة.
وبحسب مصادر محلية، فإن الاحتلال يوفر الحماية الكاملة للمستوطنين، وبدلًا من معاقبتهم على الاعتداءات، يقوم بفرض المزيد من الإجراءات العقابية ضد الضحايا الفلسطينيين، مثل اعتقال النشطاء، وتضييق الخناق على القرى، وإصدار أوامر هدم إضافية.
تهميش متعمد وحرمان من الخدمات الأساسية
لا تقتصر معاناة أهالي غرب يطا على اعتداءات المستوطنين فحسب، بل تمتد لتشمل حرمانهم من أبسط الحقوق والخدمات الأساسية، إذ تمنع سلطات الاحتلال ربط القرى بشبكة المياه والكهرباء، مما يجبر السكان على استخدام آبار مياه بدائية، تعتمد على تجميع مياه الأمطار، ويؤدي ذلك إلى تفاقم الأوضاع المعيشية، خاصة في فترات الجفاف.
كما يعاني السكان من تدهور النظام الصحي والتعليم، حيث يمنع الاحتلال بناء المدارس والمراكز الصحية، مما يضطر الطلاب إلى السير لمسافات طويلة للوصول إلى أقرب مدرسة، في حين يضطر المرضى إلى السفر إلى مدن بعيدة لتلقي العلاج، مما يعرض حياتهم للخطر.
يقول أحد السكان المحليين، ويدعى أبو يوسف النواجعة:
"لا يوجد مركز صحي قريب يمكننا الذهاب إليه، وغالبًا ما تتعطل سيارات الإسعاف عند نقاط التفتيش الإسرائيلية، ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية للمرضى. الاحتلال لا يسمح لنا ببناء أي منشآت جديدة، ويحاول بكل الطرق جعل حياتنا مستحيلة".
محاولات تهجير قسرية: سياسة ممنهجة
تُشير التقارير الحقوقية إلى أن الاحتلال يعتمد سياسة "الترحيل القسري التدريجي" في مناطق الضفة الغربية، بما في ذلك غرب يطا، حيث يتم إجبار السكان على مغادرة أراضيهم من خلال ممارسات القمع والترهيب. وتشمل هذه الممارسات: إصدار أوامر هدم جماعية للمنازل والمنشآت الزراعية. منع الفلسطينيين من استصلاح أراضيهم الزراعية أو استخدامها للرعي. إغلاق الطرق الترابية لمنع التنقل بين القرى والتجمعات. فرض غرامات مالية على البناء، حتى لو كان ترميمًا لمنازل قائمة.
ويضيف الناشط الحقوقي أحمد عوض: "إسرائيل تسعى إلى فرض واقع جديد في المنطقة من خلال خلق بيئة طاردة للفلسطينيين، حيث تجعل الحياة اليومية شبه مستحيلة، ما يدفع العائلات إلى البحث عن أماكن أكثر استقرارًا، وبالتالي تفريغ الأرض من سكانها الأصليين".
الضغوط الدولية والتحركات الفلسطينية
مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية، تطالب المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية بتدخل المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات المستمرة ضد الفلسطينيين في غرب يطا. كما يتم تقديم ملفات قانونية إلى المحاكم الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق السكان.
بدوره، يؤكد نادي الأسير الفلسطيني أن هذه السياسات تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف التي تحظر التهجير القسري والاستيطان غير الشرعي، مشيرًا إلى ضرورة تصعيد الضغط الدبلوماسي على الاحتلال من خلال فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل.
مقاومة شعبية وصمود فلسطيني
على الرغم من كل المحاولات الإسرائيلية، يواصل أهالي غرب يطا الصمود في وجه الاحتلال، حيث يصرون على البقاء في أراضيهم وعدم الرضوخ لممارسات التهجير القسري. كما أطلق السكان مبادرات محلية لتعزيز الاستدامة والاعتماد على الذات، من خلال الزراعة المنزلية، وإنشاء آبار مياه مجتمعية، وتنظيم حملات دعم لإعادة بناء المنازل المهدمة.
يقول أحد سكان المنطقة، ويدعى محمد أبو عرام:
"مهما فعل الاحتلال، لن نرحل. هذه أرضنا ولن نتخلى عنها مهما كلفنا الأمر. سنواصل المقاومة بكل الوسائل الممكنة، وسنظل متشبثين بحقنا في العيش بكرامة على أرضنا".
دعوات للتحرك الدولي العاجل
تطالب الجهات الحقوقية بـ: إرسال بعثات أممية لتوثيق الجرائم الإسرائيلية في غرب يطا. فرض عقوبات على إسرائيل لوقف الاستيطان والتهجير القسري.تعزيز الدعم الدولي للفلسطينيين لمساعدتهم في الصمود على أرضهم.
تعكس الأحداث في غرب يطا السياسة الإسرائيلية المستمرة لفرض واقع استيطاني جديد، وإجبار الفلسطينيين على الرحيل عن أراضيهم. لكن أمام هذه التحديات، يواصل الأهالي صمودهم التاريخي في مواجهة الاحتلال، رافضين أي محاولات لاقتلاعهم من أرضهم.
جهاد القواسمي