العمال الفلسطينيون في إسرائيل: حصار الاحتلال يخنق لقمة العيش وصراع البقاء يشتد بين القيود الاقتصادية وأمل التمكين

عمال فلسطينيين على أحد الحواجز الاسرائيلية

في دراسة جديدة صادرة عن مركز رؤية للتنمية السياسية، قدمت الباحثة رغد عزام تحليلًا معمقًا حول تداعيات تقييد العمالة الفلسطينية في إسرائيل وتأثيرها على الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء.

تحولات هيكلية في سوق العمل الفلسطيني

غالبًا ما تخضع جميع مسارات التحول الهيكلي للاقتصاد الفلسطيني لمحددات تمليها متطلبات ومقتضيات البيروقراطية الاستعمارية، وهو ما أكدته الباحثة رغد عزام في دراستها، مشيرة إلى أن الاحتلال عمد إلى إعادة تشكيل الهيكل الاقتصادي الفلسطيني من خلال خلق ظروف اقتصادية تُحفّز الفلسطينيين على التخلي عن الزراعة والارتباط بالأرض. فقد تم تقديم فرص عمل داخل إسرائيل بعوائد مالية أعلى من الدخل الزراعي، ما أدى إلى تحويل العمالة الفلسطينية نحو القطاعات الإسرائيلية بدلاً من تعزيز الأنشطة الإنتاجية المحلية.

هذه السياسة، بحسب عزام، ترسخت على مدى عقود، حيث استند الاحتلال إلى مفهوم أن انشغال الفلسطينيين بالعمل يخفف من أعمال المقاومة، ويضمن السيطرة على شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني، عبر التحكم في مصدر رزقهم. ومنذ السابع من أكتوبر 2023، استخدم الاحتلال هذه الاستراتيجية بشكل ممنهج للضغط على العمال الفلسطينيين، مما ترتب عليه تداعيات اقتصادية واجتماعية على كلا الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي.

تداعيات اقتصادية واجتماعية على الاقتصاد الفلسطيني

تشير الدراسة إلى أن 17% من القوى العاملة الفلسطينية، التي كانت تعمل في إسرائيل والمستوطنات قبل اندلاع العدوان الأخير، تأثرت بشكل مباشر جراء القيود المفروضة على تصاريح العمل. ووفقًا للبيانات الواردة في الدراسة، فإن هذا الوضع أدى إلى تفاقم أزمة البطالة، حيث ارتفعت من 26% عام 2022 (14% في الضفة الغربية و45% في قطاع غزة) إلى 51% مع نهاية 2024 (35% في الضفة الغربية و80% في غزة).

انكماش سوق العمل الفلسطيني وارتفاع البطالة

تؤكد الباحثة عزام أن العديد من العمال الفلسطينيين واجهوا صعوبة في العثور على وظائف بديلة في السوق الفلسطينية، التي تعاني أصلًا من محدودية الفرص. ونتيجة لذلك، اضطر العديد من المنشآت إلى تقليص عدد ساعات العمل أو تسريح الموظفين. ووفق دراسة استقصائية لمنظمة العمل الدولية، تبيّن أن 73.4% من المنشآت خفّضت ساعات العمل، فيما تعرض 52.7% من العمال للتسريح المؤقت، بينما تم تسريح 39.9% منهم بشكل دائم.

تراجع الدخل وارتفاع معدلات الفقر

توضح الدراسة أن العمال الفلسطينيين الذين عملوا في إسرائيل كانوا يحصلون على أجور تفوق بكثير ما توفره السوق المحلية، مما ساعدهم في تحسين أوضاعهم المعيشية. لكن مع تقييد التصاريح، وجد العديد منهم أنفسهم مجبرين على استنزاف مدخراتهم أو بيع ممتلكاتهم لتغطية نفقاتهم الأساسية. هذا التحول المفاجئ أدى إلى تراجع مستوى المعيشة وزيادة معدلات الفقر، مما انعكس على أوضاع العائلات الفلسطينية، لا سيما فيما يتعلق بالتعليم والرعاية الصحية.

الضغط على المالية العامة الفلسطينية

بحسب عزام، فإن انخفاض تحويلات العمال الفلسطينيين أدى إلى تراجع الإيرادات العامة للسلطة الفلسطينية، حيث كانت تقدر بحوالي 50 مليون دولار سنويًا. هذا الوضع زاد من العجز المالي المزمن في الموازنة العامة، التي تعاني أصلًا من تراجع المساعدات الخارجية. كما أن ارتفاع نسبة البطالة زاد من الطلب على برامج المساعدات الاجتماعية، مما ضاعف من الضغوط على الميزانية الفلسطينية.

انخفاض السيولة وارتفاع معدلات الشيكات المرتجعة

تشير الدراسة إلى أن انخفاض دخول الأسر الفلسطينية أدى إلى تراجع السيولة النقدية في الأسواق، مما أثر بشكل مباشر على الاستثمار المحلي. وبحسب البيانات الواردة، وصلت قيمة الشيكات المرتجعة بسبب عدم كفاية الرصيد إلى 1.5 مليار دولار أمريكي حتى نهاية نوفمبر 2024، مما زاد من نسبة الشيكات المرتجعة إلى 8% مقارنة بـ5% و6% خلال 2022 و2023 على التوالي.

كيف تعامل الاقتصاد الإسرائيلي مع غياب العمالة الفلسطينية؟

وفقًا لتحليل الباحثة رغد عزام، فإن إسرائيل واجهت تحديات كبيرة نتيجة فقدان العمال الفلسطينيين، لا سيما في قطاعي البناء والزراعة. وأشارت إلى أن الاحتلال سعى إلى استبدال العمالة الفلسطينية بعمالة أجنبية، إلا أن هذا الخيار كان مكلفًا وأقل كفاءة، حيث شهد قطاع البناء، الذي يمثل 6% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، تعطلًا بنسبة 40% رغم محاولات الاحتلال لجذب عمالة أجنبية جديدة.

تراجع الإنتاج وارتفاع التكاليف

تشير الدراسة إلى أن إسرائيل اعتمدت سياسات جديدة لمواجهة نقص العمالة، من بينها رفع الحد الأقصى لتصاريح العمال المهاجرين واستقدام عمال من سريلانكا والهند. إلا أن هذه التدابير لم تكن كافية لتعويض النقص، مما تسبب في زيادة تكلفة البناء وتعطل مشاريع كبرى. كما أن نقص العمالة أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة المنتجات الزراعية، مما أسهم في تصاعد معدلات التضخم.

خاتمة

تخلص الباحثة رغد عزام إلى أن تقييد العمالة الفلسطينية في إسرائيل كان له تأثير مزدوج على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث أدى إلى تعميق الفجوة الاقتصادية داخل المجتمع الفلسطيني، وزيادة معدلات البطالة والفقر، بينما واجهت إسرائيل أزمة نقص حادة في العمالة، ما انعكس على قطاعي البناء والزراعة. وبحسب الدراسة، فإن معالجة هذه الأزمة تتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني وتقليل الاعتماد على السوق الإسرائيلية، عبر تعزيز الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية المحلية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لضمان استدامة النمو الاقتصادي في فلسطين.

 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القدس المحتلة