بين الدمار والتشريد.. سكان غزة يتمسكون بمنازلهم المتضررة رغم المخاطر

جباليا - مواطن يفتح بسطة لبيع بعض الحاجيات الاساسية

تحت سماء غزة الملبدة برائحة الدمار، يقف آلاف المواطنين أمام منازلهم المهدمة، في مشهد يعكس حالة من العجز والإصرار معاً. رغم أن بعض هذه المنازل آيلة للسقوط، إلا أن أصحابها يرفضون مغادرتها إلى الخيام والملاجئ المؤقتة، التي لا توفر لهم أي شعور بالأمان أو الكرامة.

البقاء في المنازل.. الخيار الأصعب لكنه الأكثر كرامة

وسط الركام، تخرج أم محمود، وهي سيدة في الستينيات من عمرها، كل صباح لتمسح الغبار عن جدران منزلها المحطم، محاولةً أن تعيد بعضًا من الحياة إلى المكان.

"لن أترك بيتي، لقد بنيته بعرق جبيني أنا وزوجي، لا يمكنني أن أعيش في خيمة تحت رحمة الطقس والناس"، تقول بحزن، بينما تنظر إلى سقف غرفتها الذي أصبح مكشوفًا تمامًا بعد أن سقط الجدار العلوي خلال القصف.

الحياة وسط الأنقاض ليست سهلة، لكنها أفضل من حياة المخيمات، حيث تفتقر العائلات هناك إلى الخصوصية، والكهرباء، والمياه النظيفة، إضافة إلى انتشار الحشرات والأمراض نتيجة انعدام البنية التحتية الصحية.

مخاطر تهدد حياة الأسر المقيمة في المنازل المدمرة

بين الجدران المتصدعة، يلعب الطفل سليم (7 أعوام)، غير مدرك للخطر الذي يحدق به. والدته، التي فقدت زوجها في القصف الأخير، تحاول كل ليلة طمأنته، رغم أنها هي نفسها تعيش في قلق دائم من أن ينهار المنزل عليهم في أي لحظة.

"في كل مرة تهب الرياح بقوة أو تهطل الأمطار، أشعر أن المنزل قد يسقط علينا"، تقول والدته بنبرة يائسة. وتضيف: "لكن إلى أين نذهب؟ الإيجارات مرتفعة جداً، والملاجئ مليئة بالبؤس، والبدائل غائبة."

وفقًا لتقديرات الجهات الهندسية المحلية، فإن عشرات المنازل التي يقطنها الناجون غير آمنة للسكن، لكنها تبقى الخيار الوحيد المتاح أمامهم في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات وتأخر إعادة الإعمار بسبب شُحّ مواد البناء وتعطيل الاحتلال لدخولها.

"المخيم ليس حلاً.. بل سجن آخر"

يرفض الكثير من النازحين فكرة العيش في الخيام، حيث يصفونها بأنها بيئة لا تصلح للإنسان، خاصة في ظل الشتاء القاسي والصيف الحارق.

يقول أبو خليل، وهو رب أسرة مكونة من سبعة أفراد، اضطر إلى الإقامة في خيمة بعد تدمير منزله بشكل كامل: "هذه ليست حياة. في الصيف، نشعر أننا نحترق، وفي الشتاء تغرق الخيام بالمياه. الأطفال يمرضون، ولا توجد دورة مياه مناسبة، ولا ماء نظيف، ولا أمان."

الخيام ليست فقط مأوىً مؤقتًا، بل فصل آخر من فصول المعاناة التي يعيشها سكان غزة منذ سنوات. فالخيام التي أقيمت للنازحين لا تفي باحتياجاتهم الأساسية، ولا توفر أي حياة كريمة لهم، مما دفع الكثيرين للعودة إلى منازلهم المتضررة، رغم خطورتها.

"الإعمار معطل.. والمواطن يدفع الثمن"

على الجانب الآخر، يستغل بعض التجار الأزمة، حيث ارتفعت أسعار مواد البناء بشكل جنوني، مما جعل إعادة الترميم حلمًا بعيد المنال لكثير من الأسر المنكوبة.

يؤكد المهندس سامح السالمي، وهو أحد المشرفين على مشاريع إعادة الإعمار، أن العملية تسير ببطء شديد بسبب القيود المفروضة على دخول الإسمنت والحديد، إلى جانب المضاربات في السوق.

"لا يوجد مبرر لهذا التأخير، الناس تموت ببطء تحت الأنقاض"، يقول السالمي بغضب. "إذا لم يتم تسريع إعادة الإعمار، ستزداد الأزمة تعقيدًا، وسيكون الشتاء القادم قاسيًا على آلاف الأسر المشردة."

دعوات لتوفير بدائل آمنة وسريعة

أمام هذه الأزمة، يدعو المواطنون الجهات المختصة والمؤسسات الدولية إلى إيجاد حلول مستدامة، مثل بناء مساكن مؤقتة صالحة للسكن بدلاً من الخيام غير الإنسانية، إضافةً إلى تسريع عملية إعادة الإعمار وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها دون عراقيل.

يقول الناشط المجتمعي عادل ابراهيم "هناك تأخير غير مبرر في إعادة الإعمار، والعائلات تعيش مأساة حقيقية. يجب أن يكون هناك تحرك دولي لإنهاء هذه المعاناة."

 انتظارٌ في العراء

في غزة، لم يعد الناجون من القصف ينتظرون فقط بناء منازلهم، بل ينتظرون عودة الحياة إلى طبيعتها، ينتظرون حلاً يضع حدًا للمعاناة التي لم تتوقف، ويأملون أن يأتي يومٌ يكون فيه السكن ليس مجرد جدران مهدمة أو خيمة مهترئة، بل بيتًا يحفظ الكرامة ويوفر الأمان.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة