للعام الثاني على التوالي، يحل شهر رمضان المبارك على سكان قطاع غزة وسط ظروف استثنائية قاسية، حيث يعيش الأهالي في ظل آثار الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023، والتي خلفت دمارًا واسعًا وأزمة إنسانية خانقة. ومع بداية الشهر الفضيل، تلوح في الأفق مخاوف تجدد العدوان، خاصة بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي استمر 42 يومًا، وسط مخاوف من توقف تدفق المساعدات الإنسانية وارتفاع الأسعار بشكل يفوق قدرة السكان المنهكين.
وفي الوقت الذي يخشى فيه كثيرون من عودة القصف الإسرائيلي، يترقب آخرون جهود الوسطاء لتمديد وقف إطلاق النار، على الأقل خلال شهر رمضان وحتى عيد الفطر، مما قد يتيح فرصة جزئية لاستعادة بعض مظاهر الحياة الطبيعية، رغم الظروف الاقتصادية والأمنية المتدهورة.
بين الأنقاض وعلى أنقاض الوجع، يجتمع شباب فلسطينيون في مخيم خان يونس جنوب غزة ليتسحروا وسط ركام منازلهم المدمرة بفعل الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
— وكالة قدس نت للأنباء (@qudsnet) March 1, 2025
💔 رغم الدمار، يبقى الصمود عنوانًا... ورغم الحصار، يبقى الأمل حاضرًا. pic.twitter.com/AgnP9TTokH
رمضان تحت الحصار: مشاهد من حياة الغزيين
نادر حرب (49 عامًا)، أحد سكان حي الشيخ رضوان شمال غزة، يصف شهر رمضان الحالي بالمختلف تمامًا عن العام الماضي، مشيرًا إلى أنه عاش رمضان السابق في خيام النزوح في مواصي خان يونس، بعد أن اضطر لمغادرة منزله المدمر في شمال القطاع. يقول نادر "رغم أن منزلي تضرر جزئيًا، إلا أنني الآن أشعر أنني استعدت جزءًا من حياتي السابقة... لكن الخوف لا يزال يرافقنا كل يوم، فالحرب لم تنتهِ بعد."
أما محمد حرب (32 عامًا)، الذي لم ينزح من شمال غزة، فيصف رمضان الماضي بـ"الكارثي"، حيث عانى من تبقى في المناطق الشمالية من مجاعة حقيقية نتيجة الحصار الإسرائيلي، في حين كان الوضع أقل قسوة نسبيًا في جنوب القطاع، بسبب استمرار تدفق المساعدات حينها.
الأسواق في غزة: محاولات لإنعاش الحياة رغم الأزمة
على الرغم من الظروف الصعبة، شهدت أسواق غزة بعض التحسن النسبي مع حلول رمضان، حيث توافرت اللحوم المجمدة والخضار، إضافة إلى الأطعمة التقليدية مثل المخللات والقطايف، رغم أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير بسبب شح المواد الأساسية والقيود الإسرائيلية الصارمة على الواردات.
يقول أيمن محيسن، وهو صاحب بسطة صغيرة لبيع القطايف، إن سعر الكيلو الواحد وصل إلى 20 شيقلًا (حوالي 6 دولارات)، مقارنة بـ 6 شواقل فقط قبل الحرب، مشيرًا إلى أن ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين جعل الإقبال ضعيفًا حتى الآن.
أما سماهر سالم، وهي إحدى سكان غزة، فتعبّر عن فرحتها بقدوم رمضان رغم كل شيء، قائلة: "مهما اشتدت الظروف، رمضان له نكهته الخاصة... والقطايف من أساسيات الشهر المبارك."
رمضان بين الدمار والصمود: محاولات لاستعادة البهجة
على الرغم من مرارة الفقد والتدمير الواسع الذي طال البنية التحتية والمنازل، يسعى سكان غزة لإضفاء روح رمضان على حياتهم، حيث قام شبان من مخيم خان يونس بوضع زينة رمضانية بسيطة، وكتبوا شعارات على الجدران المهدمة، مثل: "رمضان بين الدمار" و "كل عام وأنتم بخير رغم الجراح"، في رسالة تعبّر عن إصرارهم على الحياة رغم العدوان.
تقول فهيمة البردويل (69 عامًا)، وهي من سكان المخيم: "نحن شعب يحب الحياة، ورغم كل شيء سنحتفل برمضان، وسنفرح بعد العيد بزفاف اثنين من أحفادي، فالحياة يجب أن تستمر."
مبادرات تضامنية: من الفطور الجماعي إلى دعم النازحين
مع حلول رمضان، شهدت غزة عدة مبادرات مجتمعية، حيث نظمت مجموعات شبابية سحورًا جماعيًا في بعض المناطق، فيما أُطلقت دعوات لإقامة إفطارات جماعية للأهالي النازحين الذين يعيشون في الخيام ومراكز الإيواء.
وفي الوقت ذاته، تجول المسحراتية في أحياء غزة، حاملين شعارات وطنية تذكّر الأهالي بأوقات السحور والإفطار، فيما حاول أصحاب المحلات التجارية إعادة الحياة للأسواق رغم الصعوبات الاقتصادية.
مستقبل غامض: هل يستمر وقف إطلاق النار؟
مع استمرار القلق من إمكانية تجدد العدوان الإسرائيلي، ينتظر سكان غزة نتائج جهود الوسطاء الدوليين لتمديد وقف إطلاق النار، وسط مطالبات فلسطينية بفتح المعابر بشكل دائم والسماح بإدخال المساعدات دون قيود.
لكن في ظل غياب أي ضمانات دولية، يخشى الفلسطينيون أن يكون رمضان هذا العام مجرد هدنة مؤقتة، في انتظار تصعيد جديد يعيدهم إلى دائرة الحرب والمعاناة.