عبير اشتيوي: "فقدت الأحباب ولم يبقَ لنا أحد"

صورة تعبيرية.webp

في وجهها المرهق وابتسامتها الحزينة، تختزن عبير وائل توفيق اشتيوي (28 عامًا)، أم لثلاث طفلات من سكان مدينة غزة، ألم الفقدان والشتات بعد أن فقدت زوجها وأفراد عائلتها في قصف إسرائيلي خلال الحرب الأخيرة. تروي لنا حكاية الألم والمعاناة التي عاشتها منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023 وحتى اليوم، حيث أصبحت هي ووالدتها وأختها أرامل بلا مأوى، يكافحن من أجل البقاء في مركز إيواء للنازحين.

"الحرب سرقت مني كل شيء"

بصوت خافت لكنه يحمل قوة الناجين، تسترجع عبير اللحظات الأولى من الحرب قائلة: "في صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023، كنت أُجهّز طفلتي الوسطى (ربا) لحفلة في الروضة عن يوم التراث الفلسطيني، بينما كان زوجي رياض يستعد للذهاب إلى عمله في البناء. فجأة، سمعنا انفجارات عنيفة ومتتالية، ارتعدت طفلتاي من الخوف، وأنا كنت في الشهر الثامن من الحمل بطفلتي الثالثة."

تضيف بأسى: "عندما أدركنا أن الحرب قادمة، قررنا تجميع العائلة في منزلنا بحي الزيتون، ظنًّا منا أنه سيكون أكثر أمانًا. في 21 أكتوبر، لجأت إلينا والدتي ووالدي وإخوتي وأقاربنا، وكنا نحو 30 شخصًا، النساء والأطفال في الطابق الأول، والرجال في الطابق الأرضي. لكن الأمان لم يكن سوى وهم، ففي شهر نوفمبر بدأت قوات الاحتلال تتوغل وقصفت منازل الجيران، ما دفع بعض أقاربي للجوء إلى المدارس، إلا أنهم عادوا إلينا خوفًا من استهدافهم أثناء التنقل."

"أنجبت طفلتي وسط الحرب"

بينما كان العدوان مستمرًا، شعرت عبير بآلام المخاض في 7 نوفمبر 2023، وكان الوصول إلى المستشفى مهمة شاقة بسبب الدمار وصعوبة التنقل. تروي تلك اللحظات قائلة: "تواصلت مع طبيب عبر الهاتف، ونصحني بالتوجه إلى مستشفى الحلو الدولي. خرجنا من الحي بصعوبة، ثم تنقلنا بين المستشفيات بسبب نقص الإمكانيات والتكاليف الباهظة. لم أتمكن من إجراء عملية قيصرية في المستشفى الأول بسبب التكلفة (1000 شيكل)، فانتقلت لمستشفى آخر لكنه لم يكن مجهزًا. في النهاية، وصلت إلى مستشفى الصحابة مشيًا على الأقدام رغم الألم الشديد، وهناك خضعت لعملية قيصرية وأنجبت طفلتي (ندا) يوم 8 نوفمبر 2023."

"نجوتُ من تحت الأنقاض.. لكن فقدتُ الجميع"

تستذكر عبير أكثر اللحظات رعبًا وألمًا في حياتها، ليلة 20 نوفمبر 2023، عندما استهدف الاحتلال منزلها بقصف مباشر: "استيقظنا فجأة على صوت انفجار ضخم، هرعنا جميعًا إلى الصالون، لكن قبل أن أتمكن من فهم ما يحدث، شعرت بعتمة خانقة، كانت طفلتي بين يدي، وجسدي مُثقل بالركام. سمعت أمي تناديني، حاولت الرد لكنها لم تسمعني. جاء شقيق زوجي صقر، وأزال الأنقاض عني وأخرجني."

وتتابع وهي تحاول حبس دموعها: "رأيت أمي تحتضن شقيقتي (ضحى، 16 عامًا) التي كانت تنزف، اعتقدت أن طفلتي ندا قد استشهدت، لكن جدتي أنعشتها، فأعادتها إليّ. عندها، طلب مني صقر مغادرة المنزل بسرعة، خرجت وأنا أبكي، لم أكن أعرف مصير زوجي وبناتي."

لكن الصدمة الكبرى كانت عندما اقتربت من جنود الاحتلال، وطلبت منهم العودة لإنقاذ بناتها، فأشاروا إليها بالسير تحت تهديد السلاح: "سرتُ دون أن أعرف إلى أين، طرقت أبواب المدارس بحثًا عن مأوى. في فجر اليوم التالي، جاء أحد الأقارب حاملاً طفلتيّ لما وربا، ثم جاء خالي، كان يبكي بشدة، علمت حينها أنني فقدت الأحباب."

"13 فردًا من عائلتي استشهدوا.. ولم يبقَ لنا أحد"

بعد لحظات من الصمت، تضيف عبير بصوت متهدج: "استشهد زوجي رياض، ووالدي، وإخوتي الذكور أحمد ومحمد، وشقيقتي ضحى، وأشقائي من عائلة زوجي، وزوج أختي وأفراد من عائلته. 13 فردًا من عائلتي قُتلوا في لحظة واحدة، ولم يبقَ لنا أحد."

"التشرد والمأساة مستمرة"

بعد استهداف منزلهم، لم يبقَ لعائلة عبير أي مأوى، فانتقلوا إلى مدرسة المنطار بالشجاعية، حيث وجدت والدتها وشقيقاتها. لكن المعاناة لم تنتهِ، حيث كانت الحياة بلا مأوى أشد قسوة من القصف"بقينا هناك نبكي حتى انهمرت دموعنا على الأرض، لم يبقَ لنا أحد، أصبحنا أرامل بلا معيل، وعانينا من الجوع والبرد، كنا نبحث عن الطعام ونشعل الحطب للطهي. بعد وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، لجأنا إلى مديرية التربية والتعليم في غزة، التي أصبحت مركزًا للنازحين، لأن الاحتلال دمر منزلنا بالكامل."

"مستقبل مجهول.. ولكننا سنواصل الحياة"

في نهاية حديثها، تنظر عبير إلى طفلتيها بحنان ممزوج بالخوف، ثم تقول: "الحياة أصبحت أكثر قسوة، لا بيت، لا معيل، لا أمان. لكنني سأواصل الكفاح من أجل بناتي. الحرب سلبتنا الأحباب، لكنها لن تسلب إرادتنا في البقاء."

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة