تجار غزة يستغلون الأزمة: الأسعار تزداد والرقابة غائبة

ارتقاع الاسعار (2).jpg

تقرير - أحمد زقوت مع تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، شددت إسرائيل حصارها بإغلاق المعابر وقطع الإمدادات الحيوية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، إذ شهدت الأسواق ارتفاعًا حادًا في أسعار السلع الأساسية، مما زاد من معاناة المواطنين، خاصة مع دخول شهر رمضان.

ورغم التحذيرات والبيانات الرسمية المتكررة من الجهات المعنية حول ضرورة ضبط الأسعار ومنع الاحتكار، لا يلمس المواطن أي تحسن، حيث تبقى الأسعار مرتفعة، وهنا يبرز التساؤل: هل هذه التحذيرات مجرد صدى لا يُسمع، أم أن هناك أسبابًا أعمق تعيق فرض رقابة فعلية على الأسواق؟

التجار يحاربون المواطنين في لقمة عيشهم

تجولت "قدس نت" في أسواق غزة ولاحظت ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السلع الأساسية، مما يشكل عبئاً إضافياً على العائلات التي تكافح لتأمين احتياجاتها، ويتساءل المواطنون عن أسباب هذه الزيادة وسبل تجاوزها وسط ارتفاع تكاليف المعيشة.

وفي غضون ذلك، يقول المواطن أمجد سالم أثناء تسوقه في سوق الصحابة بالمدينة لـ "قدس نت"، إنّ "الحرب تجددت ولكن بشكل مختلف، فبدلاً من القنابل، نحارب في لقمة العيش مع ارتفاع الأسعار الجنوني التي تفوق قدرتي الشرائية"، مضيفاً أنّ "الأسواق كانت ممتلئة بالبضائع خلال الهدنة، لكن مع إغلاق الاحتلال للمعابر، اختفت السلع وارتفعت الأسعار".

ويؤكد سالم، أنّ "بعض التجار استغلوا الظروف السياسية والأمنية برفع الأسعار عمداً، رغم تخزينهم كميات كبيرة من السلع الأساسية، مثل الخضار والفواكه والسكر والزيت والأرز واللحوم والدقيق"، موضحاً أنّ "البعض تعمد تقليل المعروض في الأسواق لتحقيق أرباح مضاعفة، بينما لجأ آخرون إلى احتكار السلع الضرورية، مما زاد من معاناتنا خصوصاً في هذا الشهر الفضيل".

أما المواطنة غادة الطنة، فتبين لـ "قدس نت"، أنّ "الأوضاع الاقتصادية في غزة باتت لا تحتمل، نعيش في معاناة مستمرة بسبب غلاء الأسعار وندرة السلع بسبب احتكار التجار، الذين استغلوا إغلاق المعابر لتحقيق مكاسب فاحشة على حسابنا، وهذا يعكس قلة ضميرهم تجاهنا"، مشيرةً إلى أنّ "السلع الأساسية التي كانت متاحة سابقاً أصبحت شبه مستحيلة المنال بسبب ارتفاع أسعارها غير المنطقي".

وتلفت الطنة، إلى أنّ الأسواق التي كان يفترض أن تكون ممتلئة بالسلع بأسعار معقولة، أصبحت تشهد غلاءً فاحشاً، مما أجبرها على اتباع سياسة التقشف، مؤكدةً أنّ المواطنين يواجهون تهديداً يومياً بسبب تقلب الأسعار وغياب الرقابة، في ظل عجز الجهات المعنية عن ضبط الأسواق التي يتحكم بها المحتكرون.

التجار يبررون رفع الأسعار

ويبرر التجار ارتفاع الأسعار في أسواق غزة بإغلاق المعابر وارتفاع تكاليف الاستيراد، ومع استمرار الحصار زادت تكاليف النقل والتوريد مقارنة بما قبل الحرب، لكن ذلك لا يبرر استغلال الوضع ورفع الأسعار بشكل مبالغ فيه.

من ناحيته، يقول التاجر أدهم نصار لـ "قدس نت" أنّ نقص المواد الأساسية يشكل تحدياً كبيراً في تجديد المخزون بشكل منتظم، مضيفاً أن ارتفاع تكاليف الاستيراد الناتج عن ظروف الحرب يجبرهم على رفع الأسعار لتغطية الخسائر المتزايدة.

ويوضح نصار، أنّ هذا الضغط يؤثر سلباً على الجميع، سواء التجار أو المستهلكين، خاصة مع تدهور الإنتاج المحلي وانتشار السوق السوداء في ظل غياب الرقابة، لافتاً إلى أنّه "إذا كنا نشتري البضائع بأسعار مرتفعة، فلا يمكننا بيعها بأقل من تكلفتها، وفي النهاية يتحمل المواطن العبء الأكبر، مما يزيد من معاناته في ظل غلاء المعيشة".

ويشير التاجر، إلى أنّ "الحل يكمن في فتح المعابر، وتخفيض الرسوم الجمركية، وتسهيل إجراءات الاستيراد، مما يساهم في خفض أسعار السلع، كما أنّ تعويض التجار عن خسائرهم خلال الحرب سيساعد في استقرار الأسعار وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

دعوات لفتح المعابر وتسهيل المساعدات

وفي ظل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة في غزة، يؤكد المسؤولون والممثلون المحليون أنّ إغلاق المعابر وارتفاع الأسعار يزيدان من معاناة المواطنين، بدوره، يبين عضو لجنة الطوارئ في وزارة التنمية الاجتماعية بالقطاع، مصطفى مقداد، لـ "قدس نت"، أنّ "إغلاق المعابر جعل المتضرر الأول من هذه الإجراءات هو المواطن البسيط، الذي يعتمد بشكل أساسي على المساعدات لتلبية احتياجاته اليومية".

ويتابع مقداد حديثه: "الوزارة وضعت خطة طارئة لتوزيع المخزون المتبقي خلال أقل من 48 ساعة خوفاً من سرقتها أو قصفها، لذلك بعد مرور يوم واحد، لن يكون في استطاعتنا تقديم أي مساعدات للمواطنين".

ويشير مقداد، إلى أنّ الاحتلال لم يسمح بدخول شاحنات المساعدات والبضائع الضرورية إلى القطاع، مما سيؤدي حتماً إلى رفع الأسعار من قبل التجار المحتكرين والمستغلين للوضع، ما الكارثة الإنسانية للأهالي، داعياً المسؤولين إلى الضغط على الاحتلال لفتح المعابر وتيسير دخول المساعدات لإنقاذ الوضع قبل فوات الآوان.

من جهته، يتفق ممثل جمعية أصدقاء بلا حدود في شمال غزة صهيب المقيد، مع مقداد، مبيناً أن الجمعية كانت توزع يوميًا حوالي 2000 طرد للمواطنين المتضررين، لكن مع إغلاق المعابر توقفت عملية التوزيع تمامًا وأصبحت المخازن فارغة.

ويلفت المقيد خلال مقابلته مع "قدس نت"، إلى أنّ هذا الوضع لا يؤثر فقط على قدرة الجمعية في تأمين المساعدات، بل يعكس أيضاً عمق الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها القطاع، فالأسعار المرتفعة تجعل من الصعب على الجمعية تأمين السلع الضرورية لتلبية احتياجات المواطنين، مما يؤدي إلى تقليص عدد الطرود التي يمكن توزيعها يومياً على المحتاجين.

ويشير المقيد، إلى أنّ "الاحتكار والتلاعب بالأسعار من قبل بعض التجار يمثلان عقبة كبيرة أمام أي محاولات لتحسين الوضع الغذائي والصحي للأسر"، مطالباً الجهات المحلية والدولية إلى التدخل العاجل لتخفيف الضغوط على المواطنين وفتح قنوات جديدة لاستيراد السلع بأسعار معقولة، بما يسهم في تخفيف معاناة الأسر وتحقيق استقرار في الأسواق المحلية.

احتكار السلع وغياب الرقابة يفاقمان معاناة المواطنين

وفي السياق، تحدث المحلل الاقتصادي نائل موسى مع "قدس نت"، عن أسباب الأزمة، وتأثير احتكار السلع وغياب الرقابة على حياة المواطنين، والسبل الممكنة للخروج من هذا الوضع الصعب.

ويقول موسى لـ "قدس نت" إنّ ارتفاع الأسعار يعود إلى عدة عوامل، أبرزها الحصار الإسرائيلي المستمر الذي يسبب نقص السلع، إضافة إلى ارتفاع أسعار الاستيراد عالميًا، كما أن ضعف الرقابة الحكومية سمح لبعض التجار باحتكار السلع ورفع الأسعار بشكل غير مبرر، وهو ما يعد جريمة بحق الإنسانية، لافتاً إلى أنّ استغلال بعض التجار للأزمة من خلال تخزين السلع وطرحها بكميات محدودة لرفع الأسعار.

وعن تأثير ذلك على المواطنين، يوضح موسى أنّ "غالبية سكان غزة يعانون من ضعف القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الفقر والبطالة، ومع زيادة أسعار المواد الأساسية مثل الطحين والزيت والسكر، تصبح حياة المواطن أكثر صعوبة، مما يدفعه للاستغناء عن بعض الضروريات أو اللجوء إلى الديون، مما يزيد الأعباء المالية على الأسر ويعزز التوتر الاجتماعي".

وحول مدى تأثير غياب الرقابة الحكومية على تفاقم الأزمة، يشير المحلل الاقتصادي، إلى أنّ غياب الرقابة الحكومية يفاقم الأزمة، حيث يسمح للتجار بفرض أسعار غير عادلة، ويعزو ذلك إلى ضعف الإمكانيات لدى الجهات المختصة بسبب تدمير مقراتها واستشهاد بعض أفرادها، مما يمنعها من التدخل الفعّال في الأسواق، كما أنّ غياب القوانين التي تحدد هامش ربح معقول يسهل حدوث هذه الممارسات.

وبشأن جهد المؤسسات الإنسانية والجهات المحلية في مواجهة هذه الأزمة، يرى موسى أنّ دعم المؤسسات يساهم في تخفيف الأزمة على المواطنين، لكنّه لا يحلها بشكل كامل، لأنّ الحل بيد الاحتلال المسؤول عن تفاقم المعاناة، مؤكداً أنّ الحل يكمن في إعادة فتح المعابر للسماح بدخول البضائع والمساعدات، داعياً التجار إلى التعامل مع الأزمة بضميرهم والالتزام بأسعارها الطبيعية.

تتفاقم معاناة المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار واحتكار السلع، في غياب الرقابة الحكومية، ورغم تبريرات التجار، فإنّ استغلال الوضع لتحقيق مكاسب فاحشة يزيد من تعقيد الأزمة، ما يستدعي تحركاً عاجلاً من الجهات المحلية والدولية لفتح المعابر، وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وفرض رقابة فعالة على الأسواق لضمان استقرار اقتصادي وتحقيق العدالة في أسعار السلع.
 

ارتقاع الاسعار (5).jpg

 

ارتقاع الاسعار (4).jpg

 

ارتقاع الاسعار (3).jpg

 

ارتقاع الاسعار (2).jpg

 

ارتقاع الاسعار (1).jpg


 

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة