المدينة التي لا تموت رغم الخراب

نكبة رفح المتجددة: شهادات من قلب المدينة المنكوبة تحت الاحتلال الإسرائيلي

مدينة رفح.jpg

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتحول رفح، المدينة الجنوبية التي كانت ملاذًا لمئات الآلاف من النازحين، إلى أطلال شاهدة على جرائم الاحتلال. فعلى الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير 2025، لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية التي حوّلت المدينة إلى بيئة غير صالحة للحياة البشرية، حيث تم تدمير المنازل، وحرمان السكان من أبسط مقومات العيش، مع استمرار القتل العشوائي واستهداف العائدين إلى منازلهم.

مدنيون تحت نيران الاحتلال: لا أمان حتى في منازلهم

هناء الغوطي.. استُهدفت في مطبخ منزلها

لم تكن هناء توفيق سليمان حسنين (47 عامًا)، المعلمة في إحدى مدارس الأونروا، تعلم أن وقوفها في مطبخ منزلها في الحي الإداري برفح سيكون آخر لحظات حياتها. ففي 21 فبراير 2025، وبينما كانت تعد الطعام لأسرتها، سقطت فجأةً، مصابة برصاصة قناص إسرائيلي أطلقت من موقع عسكري على بعد مئات الأمتار.

يروي زوجها، رأفت الغوطي، حكيم في مستشفى غزة الأوروبي، تفاصيل تلك اللحظة المأساوية: "كنت في الغرفة المجاورة عندما سمعت صوت ارتطام مفاجئ، هرعت إلى المطبخ لأجد زوجتي ممددة على الأرض، بلا حراك. حاولت إنعاشها، لكنها لم تستجب. حملتها إلى الشارع، ونقلتها إلى المستشفى، لكن الأطباء أكدوا أن الرصاصة اخترقت قلبها وتسببت في نزيف داخلي حاد أدى إلى استشهادها".

طفل يُقتل أثناء محاولته إصلاح خزان المياه

لم يكن محمود مدحت أبو حرب (17 عامًا) مقاتلًا أو حتى ناشطًا سياسيًا، كان مجرد طفل يحاول صيانة خزان المياه فوق سطح منزله في 2 مارس 2025، حين استهدفته طائرة مسيّرة إسرائيلية وأطلقت عليه رصاصة قاتلة في بطنه، ليفارق الحياة على الفور.

عمه، ممدوح أبو حرب، يروي تفاصيل الحادثة: "بعد وقف إطلاق النار، عدنا إلى المنزل وحاولنا إصلاح الأضرار. في ذلك اليوم، كان محمود برفقة أحد أقاربنا وسباك يعملون على إصلاح الخزان، عندما حلّقت طائرة مسيّرة إسرائيلية فوقهم وأطلقت النار عليهم دون سبب. استشهد محمود على الفور، وأصيب الآخران بجروح بالغة".

طفلة تفقد القدرة على الحركة جراء قصف طائرة مسيّرة

تالا حمادة أبو شاويش (13 عامًا)، لم تكن تعلم أن مجرد اللعب أمام منزلها في مخيم الشابورة سيكلفها قدرتها على الحركة. ففي 26 فبراير 2025، قصفت طائرة مسيّرة إسرائيلية المنطقة، مما أدى إلى إصابتها بشلل نصفي دائم بعد أن أصابتها شظايا في الرأس والقدم.

والدها، حمادة أبو شاويش، يصف المشهد: "كنت فوق سطح المنزل أعبئ المياه، بينما كانت تالا تلعب مع الأطفال. فجأةً، وقع انفجار ضخم، ورأيت ابنتي مضرجة بدمائها. حملتها وركضت بها إلى الإسعاف، لكن الأطباء أخبروني أنها فقدت القدرة على تحريك نصف جسدها. لم أكن أتصور أن مجرد اللعب قد يكون سببًا في إصابتها بعاهة دائمة".

الحياة في رفح.. مدينة بلا بنية تحتية ولا خدمات

تدمير واسع للبنية التحتية والمرافق الحيوية

لم تسلم البنية التحتية في رفح من الهجوم الإسرائيلي، حيث دمرت قوات الاحتلال: 52 ألف وحدة سكنية بين تدمير كلي وجزئي. 70% من شبكات المياه والصرف الصحي، ما أدى إلى أزمة مياه خانقة.انقطاع الكهرباء والاتصالات بشكل كاملتدمير السوق المركزي، ما أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء منع إدخال المساعدات الإنسانية والوقود، مما تسبب في توقف المستشفيات والمخابز عن العمل.

المرافق الصحية.. انهيار كامل للمنظومة الطبية

تعاني رفح من كارثة صحية غير مسبوقة، حيث لم يتبق سوى أربعة مراكز صحية صغيرة تعمل بطاقة محدودة جدًا، فيما تم تدمير المستشفيات الأساسية، ومنها مستشفى أبو يوسف النجار (تعرض لتدمير شبه كامل). مستشفى الهلال الإماراتي (تعرض للحرق والتخريب) مستشفى الكويت التخصصي (تمت تسويته بالأرض بالكامل).

مخيمات الإيواء.. حياة غير إنسانية في خيام مؤقتة

بعد تدمير منازلهم، لجأ عشرات الآلاف من سكان رفح إلى مخيمات إيواء مؤقتة أقيمت شمال المدينة، حيث تواجه العائلات النازحة ظروفًا قاسية للغاية، منها عدم توفر مياه شرب نظيفة غياب خدمات الصرف الصحي والكهرباء انتشار الأمراض المعدية بسبب الاكتظاظ وسوء الأوضاع الصحية.

سهيل الكردي، أحد القائمين على مخيم العودة، يوضح حجم المأساة: "المخيمات غير مجهزة للعيش الآدمي، العائلات تنام على الأرض، وتواجه نقصًا حادًا في المياه والطعام، ومع ارتفاع درجات الحرارة، تصبح الحياة هنا جحيمًا حقيقيًا".

المجتمع الدولي مطالب بالتدخل الفوري

في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يطالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بـ: التدخل الفوري لوقف الجرائم المستمرة في رفح، الضغط على الاحتلال لإدخال المساعدات الإنسانية، محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب والإبادة الجماعية، توفير الحماية الدولية للمدنيين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

ختامًا: رفح تنزف.. فمن ينقذها؟

لا تزال رفح تعيش نكبة متجددة، حيث لا تتوقف الجرائم والانتهاكات بحق سكانها حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار. ومع استمرار القتل والتدمير والحرمان، يبقى السؤال معلقًا: متى يتوقف العالم عن الصمت أمام هذه الإبادة الجماعية؟

رفح تنادي.. أنقذوها قبل فوات الأوان.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة