أعلنت إسرائيل فرض قواعد جديدة تستهدف المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية، في خطوة تهدف إلى تقييد عمليات الإغاثة وتقويض جهود المساعدات في الضفة الغربية وقطاع غزة. تشمل هذه القواعد إجراءات مشددة لتأشيرات العاملين في الإغاثة والتسجيل والرقابة، ما يعرّض الموظفين الدوليين والمحليين للخطر ويزيد من تعقيد عمليات الإغاثة الإنسانية.
قيود مشددة على عمل المنظمات الإنسانية
بموجب الإجراءات التي أُعلن عنها هذا الأسبوع، ستتمتع السلطات الإسرائيلية بسلطة واسعة لرفض تسجيل المنظمات غير الحكومية التي تقدم مساعدات للفلسطينيين. وتشمل المعايير الجديدة لرفض التسجيل ما يلي: إذا كان للمنظمة أو موظفيها سجل سابق بدعم مقاطعة إسرائيل إذا تم اعتبارها مناهضة "ليهودية وديمقراطية" الدولة الإسرائيلية إذا دعمت أو روجت لملاحقات قانونية ضد جنود ومسؤولين إسرائيليين أمام محاكم دولية
إضافة إلى ذلك، تُلزم القوانين الجديدة المنظمات الإنسانية بتقديم أسماء وتفاصيل الاتصال وأرقام هويات الموظفين الفلسطينيين، وهو ما اعتبرته المنظمات إجراءً خطيرًا يعرض موظفيها للخطر، خصوصًا في ظل العدوان المستمر على غزة.
أوضحت منظمة إغاثة مقرها القدس، عبر مسؤول طلب عدم ذكر اسمه، أن تقديم بيانات الموظفين الفلسطينيين لأحد أطراف النزاع يشكّل تهديدًا مباشرًا على أمنهم. وأضاف: "بعد مقتل أكثر من 300 عامل إغاثة معظمهم فلسطينيون في العدوان الأخير، فإن هذا الطلب مرفوض أخلاقيًا وأمنيًا".
إسرائيل تقيّد عمل المنظمات الإنسانية بحجة "المصالح الوطنية"
أعلنت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT)، التابعة لوزارة الدفاع، أن القواعد الجديدة ستضمن أن يتم تنفيذ أعمال الإغاثة "بما يتماشى مع المصالح الوطنية لإسرائيل".
ورغم أن إسرائيل تدعي أن التعديلات الجديدة ستُسهل إجراءات تسجيل المنظمات الإنسانية التي تعطلت سابقًا بسبب الحرب والجائحة، إلا أن منظمات حقوقية أكدت أن الهدف الحقيقي هو فرض قيود غير مسبوقة على عمل المنظمات الإنسانية في فلسطين.
اتهامات إسرائيلية لمنظمات الإغاثة وتحكم بالمساعدات
كررت إسرائيل اتهاماتها القديمة لمنظمات الإغاثة الدولية، دون تقديم دليل، زاعمة أن المساعدات الموجهة إلى غزة يتم تحويلها إلى حركة حماس. ونشر مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق منشورًا على موقع X، اتهم فيه منظمات الإغاثة "بنشر روايات كاذبة وتحميل إسرائيل مسؤولية نقص المساعدات في غزة".
يأتي هذا في وقت أصدر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرارًا بوقف إدخال المواد الغذائية والوقود والمساعدات إلى غزة، بحجة الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
محكمة العدل الدولية تدين سياسات الاحتلال
رغم أن محكمة العدل الدولية أمرت إسرائيل في يناير 2024 باتخاذ "تدابير فورية وفعالة" لحماية الفلسطينيين في غزة من خطر الإبادة الجماعية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية واصلت فرض العقوبات الجماعية ومنع المساعدات، في انتهاك واضح للقوانين الدولية.
وفي يوليو 2024، أكدت المحكمة أن إسرائيل ملزمة قانونيًا بتسهيل وصول الإغاثة الإنسانية وضمان إمدادات كافية من الغذاء والمياه للسكان في غزة، لكن الاحتلال لا يزال يتجاهل هذه الالتزامات الدولية.
ضغوط متزايدة على المنظمات غير الحكومية
أعلنت وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية أن المنظمات غير الحكومية المسجلة في إسرائيل، والتي يبلغ عددها 170 منظمة، أمامها ستة أشهر فقط لإعادة التسجيل وفق القواعد الجديدة، أو سيتم إلغاء تسجيلها نهائيًا، مع إعطائها سبعة أيام فقط للاستئناف في حال رفض طلباتها.
يأتي هذا بعد أن رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية طعنًا قانونيًا تقدمت به رابطة وكالات التنمية الدولية (AIDA)، والتي تضم أكثر من 80 منظمة غير حكومية تعمل في الأراضي الفلسطينية.
بعد الحكم، نشرت وزارة شؤون الشتات قائمة جديدة بالوثائق المطلوبة للتسجيل، تشمل: معلومات تفصيلية عن الموظفين الأجانب وأسرهم بيانات كاملة عن مصادر التمويل والجهات المانحة سجلات لجميع الشراكات مع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة
وصف أحد كبار موظفي الإغاثة في المنطقة الإجراءات بأنها "مخيفة وغير مسبوقة"، مضيفًا: "هذه واحدة من أكثر اللحظات خطورة في تاريخ العمل الإنساني في فلسطين".
قلق دولي من تأثير القوانين الإسرائيلية على المساعدات الإنسانية
قال شون كارول، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أنيرا، التي تعمل في الضفة الغربية وغزة والأردن ولبنان، إن هذه الإجراءات قد تجبر العديد من المنظمات الدولية على وقف عملياتها، مؤكدًا أن "هذه القواعد قد تؤدي إلى انسحاب العديد من الجهات الفاعلة في العمل الإنساني من فلسطين".
وأضاف كارول: "نحن نعمل منذ عقود في هذه المنطقة، وإذا قررت إسرائيل أن تغير قواعد اللعبة، فهذا يعني كارثة إنسانية للملايين".
منظمات حقوقية تحذر: إسرائيل تفرض رقابة غير مسبوقة
تتزايد المخاوف من أن التوجيهات الإسرائيلية الجديدة تستهدف معاقبة المنظمات التي تنتقد الاحتلال. وأكدت أليجرا باتشيكو، رئيسة تحالف حماية الضفة الغربية، أن التعديلات الجديدة ستجعل أي منظمة تدافع عن حقوق الفلسطينيين تُعتبر معادية لإسرائيل.
وقالت باتشيكو: "إذا كنت تدعو لتطبيق القانون الدولي في فلسطين، فقد تُعتبر معاديًا لإسرائيل بموجب القوانين الجديدة".
إدانات دولية وتحذيرات من كارثة إنسانية في غزة
وصفت منظمة أوكسفام قرار إسرائيل بمنع المساعدات عن غزة بأنه "إجراء عقابي جماعي محظور بموجب القانون الدولي"، فيما أكدت منظمة أنقذوا الأطفال أن هذه الخطوة "حكم بالإعدام على أطفال غزة".
أما منظمة أطباء بلا حدود، فقد اتهمت الاحتلال الإسرائيلي باستخدام المساعدات الإنسانية كورقة ضغط سياسية، مشيرة إلى أن غزة تشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر.
المستقبل المجهول للعمل الإنساني في فلسطين
قال مسؤول في إحدى المنظمات الإغاثية الدولية: "لا نعلم ما إذا كنا سنبقى قادرين على العمل في فلسطين بعد ستة أشهر". وأشار إلى أن المنظمات الإنسانية تواجه اختبارًا قاسيًا بين الاستمرار في تقديم المساعدات أو التمسك بمبادئها ورفض القيود الإسرائيلية.
مع استمرار الاحتلال في فرض سياسات الحصار وتجويع الفلسطينيين، تتزايد الضغوط الدولية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية ضد منظمات الإغاثة والسكان المدنيين في غزة.