ملاك الصبرة.. طفلة ناجية من المجزرة تواجه مصيرًا مجهولًا

ملاك الصبرة.. طفلة ناجية من المجزرة تواجه مصيرًا مجهولًا.jpeg

في أروقة المستشفى الإماراتي بمدينة رفح، بدأت قصة الطفلة "ملاك الصبرة"، الناجية الوحيدة من مجزرة مروعة قضت على عائلتها بالكامل، بعد أن ألقت بها نيران الاحتلال فوق شجرة في حي الصبرة بمدينة غزة. لم تكن تملك سوى بقايا حياة وشهادة ميلادها غير المكتوبة، قبل أن تتلقفها الأيدي الرحيمة وسط أهوال الحرب.

انفجارات الفجر وتحول رفح إلى ملاذ أخير

أمل إسماعيل الختلة، 35 عامًا، حكيمة في مستشفى الإماراتي، كانت تتجهز لمغادرة منزلها صباح 7 أكتوبر 2023، عندما دوى دوي الانفجارات في الأرجاء. في البداية، بدا الأمر وكأنه تصعيد اعتيادي، لكنه سرعان ما تحول إلى حرب شاملة. اتخذت أمل قرارها بالالتحاق فورًا بعملها ضمن طاقم الطوارئ في المستشفى، حيث كانت الإصابات تتوافد بوتيرة تفوق قدرة المرافق الصحية على الاستيعاب.

مع مرور الأيام، تحولت رفح إلى وجهة أخيرة للنازحين، ومع تزايد الضغط على المرافق الطبية، كان لا بد من تعزيز القدرات الاستيعابية للمستشفيات. في 19 نوفمبر 2023، تلقت أمل بلاغًا بوصول 30 طفلًا من مستشفى الشفاء، الذي حاصرته قوات الاحتلال وأخرجته عن الخدمة. وسط الفوضى، لفت انتباهها طفلة حديثة الولادة، لم يكن لها اسم، فقط عبارة مكتوبة على يدها: "طفلة مجهولة الهوية ناجية من مجزرة في منطقة الصبرة".

الطفلة التي سقطت من السماء

كان الأطباء يروون بحزن مأساة هذه الطفلة؛ قصفت طائرات الاحتلال مربعًا سكنيًا كاملًا في حي الصبرة، وأُلقيت هذه الصغيرة بفعل الانفجار فوق شجرة، فيما دفنت عائلتها تحت الركام. لم يعرف أحد إلى أي بيت تعود، ولا من هم ذووها، فقط هذه الحقيقة المفجعة: هي الناجية الوحيدة من المجزرة.

مع مرور الأيام، ازداد تعلق أمل بالطفلة، وأطلقت عليها اسم "ملاك الصبرة" على أمل أن يسهل هذا في العثور على أقاربها. ورغم تقدم العديد من العائلات لاحتضانها، رفضت وزارة الصحة تسليمها لأحد، وأكدت أنها ستظل تحت رعاية المستشفى حتى يتم العثور على أحد أفراد عائلتها أو اتخاذ قرار رسمي بشأنها.

من حضانة المستشفى إلى حضن العائلة

مع تفاقم الوضع الأمني في رفح، وبدء التهديدات باجتياحها بريًا، كان لا بد من اتخاذ قرار بشأن الأطفال مجهولي الهوية داخل المستشفى. في 24 يناير 2024، وبعد رؤية تعلق أمل الشديد بملاك، قرر وكيل وزارة الصحة السماح لها بأخذها إلى منزلها في تل السلطان، على أن تبقى تحت رعايتها حتى العثور على أقاربها.

تحولت أمل إلى أم بديلة لملاك، تعتني بها كما لو كانت طفلتها الحقيقية، توفر لها الحليب والفيتامينات والمكملات الغذائية لتعويض النقص الذي أصاب جسدها الهزيل. كان الجميع في المنزل يعاملونها كأحد أفراد العائلة، وبدأت تتفاعل مع أطفال أختها وكأنهم إخوتها. ومع مرور الأيام، بدأت تنادي أمل بكلمة "ماما"، وكأنها ولدت من جديد وسط هذا الحطام.

ملاك في انتظار المصير

بعد وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، عادت أمل إلى رفح مع عائلتها، لكن منزلها لم يعد موجودًا، فاستأجرت بيتًا جديدًا حيث استمرت في رعاية ملاك. ومع استقرار وضع الطفلة، بدأت أمل بمحاولات حثيثة للتواصل مع الجهات المعنية، أملاً في العثور على أي قريب قد يكون نجا من المجزرة، لكن كل المؤشرات تؤكد أن ملاك فقدت عائلتها بالكامل.

ورغم تعلقها الشديد بها، تدرك أمل أن هناك مستقبلًا مجهولًا ينتظر هذه الطفلة، سواء في دور الرعاية أو مع أسرة جديدة. لكن حتى ذلك اليوم، تبقى ملاك الصبرة ابنة للحياة، ونجمة وُلدت من بين الأنقاض، تبحث عن مصيرها وسط عالم لا يزال يعاني من جراح الحرب. شهادات المركز الفلسطيني لحقوق الانسان

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة