عيد الفطر في غزة.. موسم اقتصادي محطّم تحت نيران الحرب

بين ركام البيوت والمحالّ، يبحث الغزيون عن رمق حياة لا عن بهجة عيد

اطفال غزة (3).jpg

في الوقت الذي تستعد فيه المجتمعات العربية والإسلامية لعيد الفطر المبارك، تمرّ غزة هذه السنة بظرف استثنائي لا يشبه أي عيد مضى. العدوان الإسرائيلي المتجدد، والإغلاق المشدد للمعابر، والانهيار شبه الكامل في المنظومة الاقتصادية، جعل من موسم العيد مناسبة غائبة عن الوعي الجمعي، لا تشبه الفرح ولا تُشبه المناسبات.

غزة لا تستقبل العيد هذه السنة، بل تستقبل مزيدًا من الخسارات: خسارة البُنى التحتية، خسارة مصادر الرزق، وخسارة القدرة على حتى التخيل بأن العيد يمكن أن يحمل شيئًا من الأمل.

سوق العيد: من موسم ذهبي إلى مساحات فارغة

يُعدّ عيد الفطر من أكثر المواسم التجارية انتعاشًا في غزة، وكان يُعوَّل عليه لتعويض أشهر طويلة من الركود. يبدأ التجار استعداداتهم عادة في منتصف شهر رمضان، وتكتظ الشوارع بالمارة والمتسوقين في العشر الأواخر. لكن كل ذلك اختفى هذا العام.

المحالّ التجارية التي لم تُدمَّر بالكامل تعاني من نقص حاد في البضائع بسبب إغلاق المعابر ومنع التوريد. أما الباعة الصغار، فإما أغلقوا بسطاتهم أو يعملون تحت تهديد الغارات والقصف.

يقول خليل سكيك، بائع ملابس في سوق الصحابة بمدينة غزة: "أعمل على بسطة لأن المحل تدمر. لم يعد في الأفق أي أمل بعودة الحركة. الناس تمرّ من هنا لكنها لا تشتري شيئًا، لأنهم بالكاد يملكون ما يكفي لشراء الخبز."

الإغلاق والمعابر: اقتصاد غزة في حالة خنق

منذ 2 مارس/آذار، تم تشديد الحصار على القطاع بشكل غير مسبوق. أغُلقت المعابر بالكامل، ومنع دخول البضائع حتى الأساسية منها، ما رفع الأسعار إلى مستويات قياسية. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن بعض أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفعت بأكثر من 100 ضعف.

المحالّ التي كانت تجهز لموسم العيد لم تعد تجد ما تبيع، والتجار الذين استوردوا بضائع قبل التصعيد عاجزون عن تصريفها، لأن الطلب شبه معدوم، والقدرة الشرائية منهارة.

ويؤكد التاجر مصطفى الرملاوي أن العيد لم يأتِ هذا العام: "الزبائن مشغولون بالخوف، لا بالشراء. حتى من لديه القليل من المال، يوفّره لما هو أهم من ملابس أو حلوى."

زينة غائبة.. وبيوت لا تصلها الفرحة

في غزة، لم تخرج الزينة هذا العام من صناديقها. لا أضواء تلمع في الشوارع، ولا ألعاب أطفال، ولا أصوات موسيقى العيد. المحالّ التي كانت تُزيَّن لاستقبال الأطفال، تحوّلت إلى مراكز طوارئ أو تضررت بفعل القصف.

حتى داخل البيوت المدمرة وخيام النزوح، الأمهات لا يخبزن الكعك، ولا يشترين الزينة، لأن الأطفال أنفسهم لم يعودوا يتوقعون العيد. الكل منشغل بتأمين الطعام، أو البحث عن مأوى، أو تلقي أخبار من فقدوا بيوتهم أو أقاربهم.

تقول سامية أحمد، وهي نازحة من حي الشجاعية: "ما في طقوس ولا تجهيزات. كل اللي بنفكر فيه: كيف نأكل؟ وين ننام؟ الأطفال ما بيسألوني عن ملابس العيد، بس بيسألوني إمتى القصف رح يوقف."

مشهد نفسي هشّ: غزة في العيد بلا أمان ولا استقرار

الوضع النفسي للناس في غزة معقّد ومشحون. العدوان الذي بدأ منذ أكتوبر 2023 لم يتوقف، ولم يسمح للناس بالتقاط أنفاسهم. الشعور بالخوف مستمر، والصدمة متراكمة. القلق، الانفجارات، المشاهد اليومية للموت، كل ذلك جعل من مجرد التفكير في مناسبة احتفالية أمرًا ثقيلًا وغير واقعي.

الأطفال الذين كانوا ينتظرون العيد بفارغ الصبر، باتوا اليوم يتحدثون عن الملاجئ، وعن الأصوات التي "تخيفهم في الليل". لا ملابس جديدة، لا فسح، لا هدايا.

وفي السياق، يؤكد سعدي أبو الهدى، موظف فقد عمله مؤخرًا، أن العيد غائب منذ شهور:
"نعيش بين الفقد والانتظار. فقدنا ناس، فقدنا بيوت، وفقدنا المناسبات كلها. صرنا ننتظر وقف إطلاق النار، مش العيد."

التأثير الاجتماعي: عزلة ومقاطعة للفرح

العيد ليس فقط طعامًا وهدايا، بل أيضًا تزاور وتواصل اجتماعي، وهذا ما أصبح مستحيلًا في غزة. القيود على الحركة، الخوف من الاستهداف، وتدمير شبكات الطرق والبنية التحتية، كلها عوامل تجعل من زيارة الأقارب مغامرة لا يجرؤ عليها الكثيرون.

حتى المناسبات العائلية البسيطة أُلغيت. لا "عيديات"، لا تجمعات، ولا ملامح لطقوس العيد. غزة تبدو وكأنها تعيش في عزلة مزدوجة: خارجية بسبب الحصار، وداخلية بسبب الألم.

عيد الفطر 2025 في غزة: عنوانه "البقاء" لا "الاحتفال"

رغم القسوة، لا تزال بعض العائلات تحاول الحفاظ على الحد الأدنى من الطقوس، فقط لإبقاء الأمل حيًا. قليل من الحلوى، أو وجبة متواضعة، أو دعاء جماعي عند الإفطار. لكن الملامح الكبرى للعيد اختفت بالكامل.

غزة، في هذا العيد، لا تحتفل، بل تصمد. الأطفال لا يسألون عن الألعاب، بل عن القصف. التجار لا ينتظرون الأرباح، بل النجاة. العائلات لا تزيّن بيوتها، بل تحاول حمايتها. وفي هذه الظروف، يصبح البقاء نفسه شكلًا من أشكال المقاومة.
اطفال غزة (1).jpg
اطفال غزة (6).jpg
اطفال غزة (5).jpg
اطفال غزة (4).jpg
اطفال غزة (2).jpg
اطفال غزة (3).jpg
 

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة