أعرب مركز الميزان لحقوق الإنسان عن استنكاره الشديد لما وصفه بـ"سياسة ممنهجة" تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي تقوم على استخدام التجويع والتعطيش كسلاح ضد سكان قطاع غزة، محذرًا من كارثة إنسانية غير مسبوقة تهدد حياة أكثر من مليوني فلسطيني، في ظل استمرار الحرب الشاملة والإغلاق الكامل للمعابر.
انهيار الأمن الغذائي نتيجة الحصار
منذ الثاني من مارس 2025، تواصل إسرائيل إغلاق معابر غزة بشكل كامل، ما تسبب في منع دخول المواد الغذائية والإغاثية، وانعكس بشكل مباشر على الأسواق المحلية التي فقدت العديد من السلع الأساسية، بما في ذلك السكر، زيت الطهي، الأرز، واللحوم بأنواعها.
وسجّل التقرير ارتفاعًا حادًا في الأسعار، حيث ارتفع سعر الدقيق بنسبة 450%، وبلغت زيادة أسعار غاز الطهي 4000% مقارنة بما كانت عليه قبل الإغلاق، مما أدى إلى توقف جميع المخابز الـ25 المدعومة من برنامج الأغذية العالمي، وتوقف إنتاج الخبز الذي كان يُعدّ مصدر الغذاء اليومي الأساسي لعشرات آلاف الأسر.
أزمة مياه خانقة بسبب تدمير البنية التحتية
وأشار التقرير إلى تفاقم أزمة المياه في غزة بعد استهداف الاحتلال لخطوط المياه والكهرباء المغذية لمحطات التحلية، خاصة بتاريخ 10 مارس 2025، حيث تم قطع خط مياه "ميكروت" عبر حي الشجاعية، الذي كان يوفر نحو 70% من احتياجات القطاع من المياه، مما أجبر السكان على اللجوء إلى المياه الجوفية المالحة والملوثة للشرب، في غياب أي إمكانيات للمعالجة.
استهداف مباشر لمصادر الغذاء والتكيات
تواصل قوات الاحتلال قصف نقاط توزيع الطعام والمساعدات، بما في ذلك التكيات الخيرية في خان يونس، النصيرات، والشجاعية، كما قامت بتجريف الأراضي الزراعية ومنعت المزارعين من الوصول إليها. وباتت نحو 65% من أراضي القطاع مناطق محظورة لا يمكن الوصول إليها، مما أدى إلى تعطيل سلاسل الإمداد بشكل كامل، خاصة في محافظة رفح، التي كانت تمثل سلة الغذاء الأخيرة لسكان غزة.
أزمة تغذية حادة لدى الأطفال
بحسب تقرير صادر عن اليونيسف، فإن أكثر من مليون طفل في غزة محرومون من المساعدات المنقذة للحياة، بينما يواجه 350 طفلًا خطر سوء التغذية الحاد نتيجة إغلاق 21 مركزًا صحيًا، يمثلون 15% من إجمالي العيادات الخارجية. كما أشارت البيانات إلى أن 10 آلاف رضيع تحت سن 6 أشهر بحاجة ماسة إلى تغذية تكميلية.
الدكتورة وصال أبو لبن، رئيس قسم الأطفال في مستشفى العودة بالنصيرات، صرّحت بأن المستشفى سجل زيادة كبيرة في حالات سوء التغذية الحاد، التي ارتفعت مع انقطاع الأغذية الأساسية، رغم تحسنها المؤقت خلال فترات التهدئة السابقة.
قصص إنسانية مؤلمة
نقل مركز الميزان شهادة من المواطن محمد عساف من جباليا، الذي فقد ابنه الصغير بسبب الجوع، ويواجه الآن خطر فقدان ابنته "نور" التي تعاني من مضاعفات سوء التغذية في ظل غياب أي مصدر غذائي، بعد توقف التكيات والمؤسسات الإغاثية عن العمل بسبب انقطاع الإمدادات.
دعوة للمجتمع الدولي: أوقفوا الجريمة
حذّر مركز الميزان من أن سياسة التجويع والعطش الممنهجة تُمثل جريمة حرب ووجه آخر لجريمة الإبادة الجماعية، مطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون قيود.
وأكد المركز على ضرورة تفعيل آليات المساءلة الدولية ضد المسؤولين عن هذه الجرائم، وإنهاء سياسة العقاب الجماعي التي تستهدف المدنيين، خاصة النساء والأطفال وكبار السن.