البيطار: فلسطين تواجه انهيارًا اقتصاديًا بفعل حرب مالية إسرائيلية ممنهجة... ونعمل على ترشيد النفقات، وإعادة الإعمار مشروطة بتمكين السلطة وبدعم عربي فعّال

وزير المالية الفلسطيني.jpeg

قال وزير المالية الفلسطيني الدكتور عمر البيطار إن الوضع المالي في فلسطين يمرّ بأصعب مراحله منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، محذرًا من انهيار اقتصادي وشيك في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والحصار المالي المفروض من قبل الاحتلال.

وفي تصريحات خاصة لصحيفة الرأي الكويتية، تنشرها "قدس نت" بالتزامن، أوضح البيطار أن الأزمة الحالية ليست محلية فقط، بل تأتي ضمن سياق إقليمي شديد التعقيد، إذ تمر معظم الدول العربية بأزمات اقتصادية خانقة، وصفها بـ"حرب تجارية"، ما يضاعف من صعوبة الموقف الفلسطيني.

أموال محتجزة وتضييقات ممنهجة

وكشف البيطار أن الاحتلال الإسرائيلي يحتجز نحو ملياري دولار من أموال الضرائب الفلسطينية، ويواصل فرض خصومات تعسفية وغير قانونية، مشيرًا إلى أن هذه الأموال تمثل عصب الحياة للموازنة الفلسطينية.

وأوضح أن قانونًا إسرائيليًا جديدًا أقره الكنيست يسمح لأي مواطن إسرائيلي بمقاضاة السلطة الفلسطينية للمطالبة بتعويضات، حتى لو لم يقع الحادث داخل إسرائيل، ما قد يفرض على السلطة التزامات مالية تصل إلى 5 مليارات دولار، تشمل تعويضات قد تبلغ 3 ملايين دولار لكل قتيل، ومليون ونصف لكل جريح، وهو ما يُنذر بانهيار مالي شامل.

المقاصة أداة ابتزاز سياسي

أشار الوزير إلى أن إسرائيل تستخدم أموال المقاصة كورقة ضغط ضد السلطة، من خلال اقتطاع مستحقات الكهرباء والمياه بطريقة أحادية، دون تنسيق أو تسوية مع الشركات المعنية، مما يفاقم العجز المالي ويعيق قدرة الحكومة على الالتزام بمسؤولياتها.

ترشيد وإنعاش الاقتصاد المحلي

أكد البيطار أن الوزارة تتبنى خطة صارمة لترشيد النفقات إلى الحد الأدنى، والتركيز على الأولويات فقط، خاصة في ظل اعتماد فلسطين بنسبة 90% على إسرائيل في قطاع الكهرباء، و100% في قطاع البترول.

وأضاف أن هناك جهودًا حقيقية لتقليل هذا الاعتماد عبر الاستثمار في البنية التحتية للطاقة، رغم محدودية الإمكانيات، مشيرًا إلى ضرورة بناء القدرات الذاتية لتقليل التبعية الاقتصادية للاحتلال.

إصلاحات هيكلية واسعة

وفي ما يخص الإدارة المالية، تحدث الوزير عن تغييرات كبيرة في الهيكل الإداري داخل وزارة المالية، لا سيما في أقسام التحصيل والضرائب، بهدف بناء نظام أكثر كفاءة وشفافية، مؤكدًا أن الحكومة الحالية تعمل بمنهج تكنوقراطي بعيد عن التجاذبات السياسية.

كما استعرض البيطار خطط إصلاح قطاع الرواتب، وتسوية صافي الإقراض مع البلديات، إلى جانب إعادة هيكلة قطاع الصحة، الذي كان يعاني من نزيف مالي، مؤكدًا أن إصلاح هذا القطاع أولوية لضمان استدامة الخدمة العامة.

إعادة إعمار غزة... بانتظار التمكين

وتطرق البيطار إلى ملف إعادة إعمار غزة، موضحًا أن الجهود جارية بالتعاون مع البنك الدولي لإعداد خطة شاملة تبدأ بالإغاثة والتعافي المبكر، وتمتد إلى سنوات مقبلة.

وأشار إلى أن تنفيذ هذه الخطة مرهون بتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع، موضحًا وجود تفاهمات أولية مع حركة حماس بهذا الشأن، إلا أن العراقيل الإسرائيلية ما تزال تشكل العقبة الأكبر.

نزوح داخلي يفاقم الأعباء

وحذر الوزير من تدهور الأوضاع في الضفة الغربية أيضًا، حيث تواجه الحكومة أزمة نزوح داخلي متصاعدة، خاصة من مناطق طولكرم وجنين، موضحًا أن أكثر من 50 ألف نازح داخلي يحتاجون إلى تدخل حكومي مباشر، ما يزيد الضغط على الموارد والخدمات.

الدعم العربي والكويتي حاضر رغم الأزمات

أشاد البيطار بالدور الداعم الذي تقدمه الدول العربية، لا سيما السعودية والكويت، في دعم القطاعات الفلسطينية الحيوية من خلال صناديق تمويل قائمة منذ سنوات، تسهم في التخفيف من العجز المالي.

وخصّ الوزير دولة الكويت بالشكر، مؤكدًا أن الدعم الرسمي والشعبي الكويتي، خاصة في القدس والخليل، له أثر بالغ في تعزيز صمود الفلسطينيين ومواجهة سياسات الاحتلال والاستيطان.

تعزيز العلاقات الاقتصادية العربية

وشدد البيطار على أهمية مشاركة فلسطين في الاجتماعات المشتركة للهيئات المالية العربية، والتي استضافتها الكويت، مؤكدًا أن الهدف منها هو توطيد العلاقات الاقتصادية مع الأشقاء العرب، وتوسيع آفاق التعاون بعيدًا عن التجاذبات السياسية.

ختامًا

أكد وزير المالية أن المخرج من الأزمة الحالية لا يكون إلا من خلال الاستقلال الاقتصادي التدريجي، وبناء مؤسسات فلسطينية قوية قادرة على تحمّل الصدمات، داعيًا المجتمع الدولي إلى الضغط على الاحتلال لوقف استغلال الموارد المالية الفلسطينية كأداة ضغط سياسي.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله