غزة كمختبر قتالي: كيف تستخدم إسرائيل الحرب لاختبار الأسلحة وتشكيل عقيدتها القتالية؟

بقلم: رامي خريس

الجيش الاسرائيلي داخل قطاع غزة

في الحرب، لا تكون المعارك وحدها محلاً للرهانات. ففي الوقت الذي يتابع فيه العالم التطورات العسكرية في غزة، تنشغل تل أبيب بما هو أبعد من العمليات الميدانية. هناك، تُدار معركة أخرى – معركة تطوير الأسلحة وتقييم أدائها تحت ضغط القتال الفعلي.

رغم أن فكرة "الحرب كمختبر للأسلحة" لم تعد جديدة في السياق الإسرائيلي، خاصة مع تعاقب الحروب على غزة خلال العقدين الأخيرين، فإن الحرب الجارية منذ أكتوبر 2023 أعادت تسليط الضوء على هذه الزاوية، لكن بأبعاد أكثر تعقيداً وتأثيراً. فما يجري اليوم لم يعد مجرد اختبار لأدوات قتل، بل عملية تفاعلية متشابكة بين ساحة المعركة، والصناعة العسكرية، والاستراتيجية الاقتصادية.

من اختبار فعالية السلاح... إلى إعادة تشكيله

العمليات العسكرية المكثفة والمنتشرة جغرافيًا في الحرب الحالية مكّنت الجيش الإسرائيلي من اختبار نطاق واسع من الأسلحة، من الذخائر التقليدية إلى تقنيات متقدمة في الرصد والاستهداف والدفاع الجوي. هذا الاستخدام الواسع لا يهدف فقط للتجريب، بل بات يملي على الصناعات العسكرية الإسرائيلية تعديل تصاميم الأسلحة الحالية، بل وابتكار أدوات جديدة تتلاءم مع خصائص الميدان وظروفه المتغيرة.

بحسب مصادر أمنية وتقارير تقنية، فإن طبيعة المعركة تُسهم في صياغة مواصفات الجيل القادم من السلاح الإسرائيلي: خفيف، دقيق، منخفض التكلفة، وفعال في بيئات حضرية. فالحرب، من هذا المنظور، أصبحت عنصراً فعّالاً في تطوير العقيدة القتالية نفسها، لا فقط في اختبار أدواتها.

منظومات اعتراض ليزرية... واستثمارات في الذخائر التقليدية

أحد أبرز التأثيرات العاجلة تمثّل في تسريع الاستثمار بمنظومات الدفاع الجوي المعتمدة على الليزر. فالاستخدام الواسع لصواريخ "القبة الحديدية" والضغوط الناتجة عن كلفة كل اعتراض (تُقدّر بآلاف الدولارات للصاروخ الواحد)، دفع المؤسسة العسكرية لتوجيه الموارد نحو مشاريع اعتراض أقل كلفة وأكثر استدامة.

بالمقابل، فإن الكثافة النارية العالية التي استخدمتها إسرائيل دفعت الصناعات العسكرية لتوسيع خطوط إنتاج الذخائر المدفعية، وزيادة الاعتماد على المواد الأولية المحلية، مثل المواد الكيميائية المستخدمة في المتفجرات، لتقليل التبعية الخارجية وتعزيز "الاكتفاء الذاتي الحربي".

ضغط الطلبات وتأثيرات خارج الجبهة

هذه الطفرة في الإنتاج والاستهلاك الداخلي أثّرت بشكل مباشر على علاقات إسرائيل مع زبائنها الخارجيين في سوق السلاح. فقد تأخرت شركات تصنيع الأسلحة الإسرائيلية في تسليم طلبيات سبق التعاقد عليها مع دول أجنبية. مما يُظهر أن "مختبر غزة" لا يقتصر تأثيره على الجغرافيا المحلية أو الاقتصادية فقط، بل يترك أثراً مباشراً على موقع إسرائيل كلاعب في السوق العسكرية العالمية.

الاقتصاد الحربي: بين التصنيع والتغذية الراجعة

في الجوهر، يبدو أن الحرب قد تحولت إلى آلية اقتصادية قائمة بحد ذاتها. فاختبار الأسلحة وتطويرها بناء على ملاحظات الجنود والتجارب الحيّة لا يُعتبر إجراءً عسكرياً بحتاً، بل هو عملية استثمار وتعديل مستمرة تفرض تغييرات في البنية الصناعية وسلاسل الإمداد وأولويات الإنفاق الدفاعي.

خلاصة

ما تشهده غزة ليس فقط حربًا، بل مختبرًا ديناميكيًا تتقاطع فيه التكنولوجيا العسكرية مع الحاجة الميدانية، ويؤثر بدوره على العقائد القتالية، وسوق السلاح العالمي، والتوجهات الاقتصادية في إسرائيل. إنه نموذج حيّ لكيف يمكن أن تتحوّل المعركة إلى سياسة صناعية واستثمارية، يُعاد فيها تشكيل مستقبل الحروب... من قلب الحرب ذاتها.
 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة