مع استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة وتزايد الضغوط السياسية والأمنية، تقف إسرائيل أمام مفترق طرق استراتيجي. أربع سيناريوهات مطروحة على طاولة صانعي القرار، لكن الجيش الإسرائيلي يفضل خيارًا محددًا: تصعيد تدريجي ضمن الإطار الحالي دون التوجه نحو اجتياح شامل أو وقف كامل للقتال.
هذا التوجه يعكس توازنًا دقيقًا بين أهداف ميدانية قصيرة المدى، ومخاطر سياسية وأمنية على المدى الطويل، وسط معادلة معقدة يتحكم فيها الرهائن، والمساعدات الإنسانية، والضغط الشعبي داخل القطاع.
أربعة سيناريوهات مركزية: التباين بين السياسي والعسكري
وقف شامل لإطلاق النار
يمثل هذا الخيار استجابة مباشرة لمطالب حركة حماس مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن. إلا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى فيه خطرًا استراتيجيًا كبيرًا، كونه يمنح حماس انتصارًا رمزيًا ويثبت جدوى "استراتيجية الاختطاف"، ما قد يشجع على تكرار سيناريوهات مشابهة في المستقبل من قبل حماس أو أطراف أخرى في "محور المقاومة".
هدنة متقطعة وإطلاق تدريجي للرهائن
يُعد هذا المسار الأكثر قبولًا داخل المؤسسة السياسية، لكنه لا يحظى بثقة حماس، التي تعتبر أن الزمن لا يخدمها. مؤشرات من داخل القطاع تُظهر توترًا متصاعدًا بين السكان وحماس، وهو ما تراهن عليه إسرائيل كعامل ضغط غير مباشر.
اجتياح بري شامل
هذا السيناريو يتطلب تعبئة عشرات الآلاف من قوات الاحتياط، وشن هجوم واسع يتيح السيطرة الكاملة على القطاع. رغم أنه يضعف حماس ميدانيًا، إلا أن كلفته البشرية والسياسية عالية. فخطر مقتل رهائن، والانخراط في حرب عصابات داخل الأحياء والأنفاق، واحتمالات الاتهام بارتكاب جرائم إنسانية، تجعل منه خيارًا غير مفضل حاليًا.
التصعيد التدريجي تحت الإطار الحالي (الخيار المفضل)
يعتمد هذا السيناريو على تكثيف العمليات البرية والجوية بوتيرة مدروسة، مع الحد من دخول المساعدات الإنسانية إلا في الحد الأدنى الضروري لمنع الكوارث الصحية. يراهن الجيش الإسرائيلي على أن هذا النهج سيؤدي إلى ضغط داخلي على حماس، وربما إطلاق الرهائن نتيجة تآكل السيطرة الشعبية للحركة.
معركة المساعدات: ورقة الضغط غير العسكرية
ترى القيادة العسكرية أن المساعدات الإنسانية باتت أداة بيد حماس، تُستخدم لتجنيد مقاتلين، وتثبيت السيطرة الاقتصادية، وتحييد السخط الشعبي. المسؤولون العسكريون يؤكدون أن "شاحنة مساعدات واحدة قد تُمكّن حماس من تشكيل لواء كامل". لذلك، فإن تشديد الرقابة على دخول وتوزيع المساعدات يمثل جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية العسكرية.
الجيش لا يفضل توزيع المساعدات بنفسه، لكنه مستعد لذلك عند الضرورة، شريطة أن يتم ذلك في نقاط مغلقة ومحروسة، مع الحد من الاحتكاك المباشر مع المدنيين، تفاديًا لهجمات محتملة من مسلحي حماس أو انتحاريين.
من يحكم غزة "في اليوم التالي"؟
من أبرز التحديات التي لم تُحسم بعد مسألة "اليوم التالي"، أي شكل الحكم والسيطرة على القطاع بعد انتهاء العمليات. بينما يطالب بعض السياسيين بفرض إدارة عسكرية دائمة، يرفض الجيش الإسرائيلي التورط في هذا الجدل السياسي، معتبرًا أن دوره يجب أن يبقى أمنيًا ومؤقتًا حتى تتبلور رؤية سياسية بديلة بدعم دولي أو إقليمي.
هل تنجح الضغوط الداخلية في كسر قبضة حماس؟
تعتمد الرؤية الإسرائيلية على معادلة بسيطة: كلما زاد الضغط على حماس – عسكريًا وإنسانيًا – زاد احتمال أن تزيد التوترات الداخلية في قطاع غزة. لكن هذا الرهان محفوف بالمخاطر، فليس هناك ضمان بأن هذا الغضب الشعبي سيتحول إلى تمرد منظم. ومع ذلك، ترى إسرائيل أن الوقت يعمل لصالحها في هذا المسار، بشرط الصبر السياسي والعسكري.
خلاصة الموقف
في ظل معادلة معقدة تجمع بين رهائن لم يُحرروا بعد، وسكان يعانون، وضغوط دولية متزايدة، يبدو أن إسرائيل حسمت خيارها في المدى القريب: استمرار التصعيد المدروس، دون انهيار إنساني شامل، ودون اجتياح شامل مكلف، مع إبقاء الأبواب مفتوحة أمام تطورات ميدانية أو سياسية تفرض واقعًا جديدًا.