من غزة إلى فرنسا: سفر النخب العلمية يثير جدلًا بين "الإجلاء الإنساني" و"التهجير المنهجي"

نازحين في غزة.webp

في وقتٍ يئن فيه قطاع غزة تحت وطأة حرب مستمرة منذ أكثر من عام ونصف، تحوّلت أخبار سفر عدد من الفلسطينيين إلى الخارج – وخاصة من النخب الأكاديمية – إلى أحداث شخصية توازي في وقعها لحظة نجاة من كارثة. تغريدات منشورة على منصات التواصل الاجتماعي، شاركها غزيون بعد وصولهم إلى الأردن، سرعان ما تحوّلت إلى محور نقاش واسع، وسط تهانٍ ممزوجة بقلق وأسئلة ملحّة: كيف خرجوا؟ وهل هم جزء من خطة تهجير؟

سفر فردي يتحول إلى حدث جماعي

عبّر كثير من الناشطين عن شعور مزدوج، مزيج من الفرح والخسارة، عند سماعهم بأن صديقًا أو قريبًا قد غادر غزة بسلام. "سفر شخص واحد بات أهم من كل الأخبار الأخرى"، علّق أحد المستخدمين. هذا الانطباع يعكس عمق المأساة التي يعيشها السكان: قهر، وجوع، وانهيار خدمات، وتخلي العالم عنهم، حيث تحوّلت مغادرة القطاع إلى شبه معجزة فردية في جحيم جماعي.

بين المنحة الأكاديمية واتهامات بالتهجير

مصدر الجدل يرتبط بخروج ما يزيد عن 100 من الأكاديميين، الفنانين، والباحثين وعائلاتهم من القطاع نحو فرنسا، ضمن منحة "Scholars at Risk"، وهي مبادرة دولية معروفة تُمنح للكوادر العلمية في مناطق النزاع والاضطهاد. بعض المستفيدين أوضحوا أن هذه الفرص ليست حصرية لأبناء غزة، بل متاحة عالميًا، وأن الحرب وظروفها دفعت المنظمات لتسريع إجلاء الحالات المستوفية للمعايير.

وأكد بعض المسافرين أنهم يخططون للعودة إلى غزة بمجرد استقرار الأوضاع، رافضين أي توصيف لخروجهم كجزء من "عملية تهجير".

في السياق ذاته، قالت الكاتبة والصحفية الفلسطينية دنيا الأمل إسماعيل عبر صفحتها على فيسبوك: "خرجنا من غزة برًا عبر معبر كرم أبو سالم إلى الأردن، ومنها إلى فرنسا. لا صحة لما يُشاع عن نقل سري عبر معبر رامون. كل شيء تم بطريقة رسمية وعبر قنوات معلنة."

الرواية المقابلة: مخاوف من تفريغ غزة من نخبها

في المقابل، أعربت مصادر فلسطينية عن مخاوف جدية من أن تكون هذه الخطوات جزءًا من مخطط إسرائيلي ممنهج لتفريغ القطاع من نخبه العلمية والثقافية. ووفق تصريحات أدلى بها المركز الاورومتوسطي، فإن "العملية تجري بسرية تامة، وبحماية مباشرة من الجيش الإسرائيلي"، مع مزاعم بوجود وحدة حكومية إسرائيلية متخصصة في إدارة هذا التهجير، بدعم من أطراف دولية، بينها فرنسا.

 وأشار المركز إلى أن "الترحيل يبدأ فجرا، حيث تُجمع الأسماء في وسط القطاع، وتنقل تحت غطاء جوي إلى معبر رامون، أو إلى الأردن عبر جسر الملك حسين"، محذرًا من أن هذه العمليات تمثل خرقًا للقانون الدولي وتضع فرنسا في مواجهة مسؤولية أخلاقية وقانونية.

تصريحات متضاربة وصمت رسمي

لم تصدر القنصلية الفرنسية في القدس أو الحكومة الفرنسية أي تعليق رسمي حتى لحظة إعداد هذا التقرير، ما زاد من ضبابية الموقف. وفي الوقت نفسه، رفضت الكاتبة والصحفية الفلسطينية دنيا الأمل إسماعيل عبر صفحتها على فيسبوك اتهامات التهجير، ووصفت الحديث عن خروج كفاءات سرًا عبر معبر رامون بأنه "كذب وافتراء مقصود وممنهج"، مشددة على أن رحلتها تمت عبر معبر كرم أبو سالم نحو الأردن ومنها إلى فرنسا، ضمن إجراءات معروفة ومعلنة.

وزارة الداخلية تحذر من محاولات الاحتلال خداع المواطنين

وفي سياق متصل، حذرت وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة من محاولات تقوم بها أجهزة مخابرات الاحتلال لاستغلال حاجة السكان للسفر، من خلال رسائل نصية ومكالمات هاتفية تستدرج المواطنين بزعم تسهيل خروجهم من القطاع. وأكدت الوزارة أن هذه المحاولات تهدف إلى الضغط النفسي والتضليل، ودعت المواطنين إلى عدم التفاعل مع أي رسائل أو اتصالات تصدر عن جهات مشبوهة، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات قانونية بحق أي شخص يثبت تجاوبه مع تلك المحاولات.

وشددت الوزارة في بيانها على أن حرية السفر والتنقل حق مكفول لكل فلسطيني، محمّلة الاحتلال المسؤولية عن القيود المفروضة على سكان القطاع، والحصار المطبق الذي يفاقم من معاناة المرضى والجرحى. كما دعت إلى فتح معبر رفح بشكل دائم ومنتظم، وتمكين المواطنين من السفر وإدخال المساعدات الإنسانية المتكدسة على الجانب المصري.

رحلة إلى فرنسا: تعليمات ملزمة للمسافرين عبر الأردن

 أصدرت جهة مختصة تعليمات إلزامية للمسافرين المتجهين إلى فرنسا عبر الأردن، توضح فيها تفاصيل سير الرحلة والخطوات المطلوبة من المسافرين.

وبحسب المنشور، سيتوجه المسافرون في حافلة إلى الأردن، في رحلة طويلة تمتد لعدة ساعات دون توقف حتى الوصول إلى الأراضي الأردنية. وعند الوصول إلى جسر الملك حسين، سيُجرى تفتيش أمني، يتطلب من المسافرين إبراز وثيقة الهوية التي تحمل نفس الاسم الموجود في الوثائق الرسمية الخاصة بهم.

سيُقيم المسافرون في فندق في عمّان قبل موعد المغادرة إلى فرنسا بالطائرة، ولن تُفرض عليهم أي تكاليف إضافية. كما شددت التعليمات على أهمية الاحتفاظ بجوازات السفر ووثائق السفر في جميع الأوقات، بما في ذلك بعد الوصول إلى فرنسا.

وتم تخصيص رقم هاتف للطوارئ لتلقي الاتصالات في حال حدوث أي مشكلة: +972 54-959-6148 (لغير المكالمات فقط).

493311669_122130149744700202_1847249248789563966_n (1).jpg

أزمة مفتوحة… وأسئلة بلا أجوبة

في ظل الانهيار الكامل للبنية التحتية في غزة، وتدهور القطاع الصحي، وغياب الأفق السياسي، تبقى الأسئلة حول مصير من تبقوا داخل القطاع، وخياراتهم المحدودة، مطروحة بقوة. وبين من يرى في الخروج فرصة نجاة مؤقتة، ومن يخشى أن يكون ذلك تدشينًا لهجرة طويلة الأمد تغيّر ديمغرافيا غزة، تبقى الحقيقة مغيّبة في ضباب الحرب والتأويلات السياسية.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة