بقلم ألاء أحمد : خرجنا من بيتها الكبير الجميل مسرعين، أحمل حقيبتي المدرسية، وكيساً تملؤه أحذية اخوتي الصغار، وسرنا في الشارع نبحث عن عربة يجرها حصان، او حتى حمار، حتى تنقلنا لمكان أكثر أماناً، لكننا لم نجد.
مشينا على اقدامنا أكثر من ساعة، نحن ومئات العائلات التي كانت تسكن جوار بيت صديقة امي قبل ان تداهم الدبابة المكان.
كان بيتهم جميلاً ونظيفًا، به حمام، وماء، ومطبخ مثل بيتنا القديم الذي كان يحوي كل ذكرياتنا قبل أن يقصفه الاحتلال ليحول ذكرياتنا كلها لرماد وكومة حجار.
أكملنا المسير ولم نصل وجهتنا بعد، جلست أمي لترتاح قليلا على ناصية الطريق، كانت تبكي حالنا، وحال ما حل بنا، ولمحت الدمعة في عين أبي، وضعت كيس الأحذية بجانب أمي، وبقيت الحقيبة المليئة بالكتب على ظهري، وتجاهلت دموعها ونظرات أبي المشفقة علينا..
تابعنا طريقنا وسرنا فيه لنصل للمكان الذي نجهله وللوجه التي لم نعرف أين هي بعد..
سالت أبي الي أين سنذهب، فبكى بكاءً شديداً ولم يجب، تابع يوسف على بيت لاهيا، على بيتنا الجميل، على غرفة ألعابي، سمعت نحيب أبي يعلو، وأمي تحاول الاتصال بإحدى صديقاتها فتأوينا عندهم قليلاً، حتى نجد مكاناً يأوينا، فكل البيوت ضاعت، وكل الملاجئ هُدمت..
وصلنا بيت صديقة أمي، وجلسنا عندهم، قدموا لنا شاي بلا سكر وبعض الخبز، اكلت أنا ويوسف واختي الصغيرة، أذكر أنها شربت كل الشاي المصبوب في الكؤوس …
بقينا عندهم في الوقت الذي كان أبي يبحث فيه عن مكان لنا، حتى هاتف امي وأخبرها أنه صنع لنا خيمة في مستشفى حكومي في مكان ليس ببعيدٍ عن هنا،
"هيا تعالي أنت والصغار وتعالي الى هنا" قال أبي..
حملت حقيبتي وكيس الأحذية وسرنا على اقدامنا حتى وجدنا عربة يجرها حمار، صعدنا وذهبنا حيث أبي.
وصلنا أخيرا لما تسمى خيمتنا، نظفت أمي المكان، وعلقت حقيبتي على مسمار بخشبة يسند الخيمة، ووضعت كيس الأحذية في باب الخيمة المصنوع من النايلون، وارتدت ثوب الصلاة، ثم جلست تحاول استيعاب ما يحدث بصمت بدون أن تجيب عن تساؤلات يوسف حول الخيمة وهل سننام فوق هذا الرمل.
كانت أمي أقوى شخصٍ عرفته في حياتي، لكن يومها هي لم تكن، كانت الأضعف، بلا حولٍ ولا حيلة، كانت تعاني بصمتٍ وحدها، في رقبتها ثلاث عيالٍ وزوج، وفي فكرها بيتٌ قديم دافئ، يملؤوه الأمان والذكريات، لم ينجُ منه سوى حقيبة كتب، وكيس من الأحذية.