ترامب - نتنياهو .. خلاف حقيقي أم تكرار الخديعة؟

بقلم: أكرم عطا الله

أكرم عطاللة.jpg

مرة أخرى بعد أربعة أشهر من خلاف مصطنع، تثير وسائل الإعلام خلافاً آخر بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبين رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وقد بلغ غضب ترامب على نتنياهو أن وصل الخلاف إلى درجة أن يقطع الرئيس الأميركي الاتصال مع الأخير وبدأت اسرائيل تتحدث عن مقدمات لهذا الخلاف وأن الرئيس ترامب يلقي بإسرائيل تحت عجلات الحافلة.

يستند الذين يراقبون طبيعة الخلاف ويتحدثون عنه بجدية لعدد من الأحداث التي شكلت برأيهم مقدمات لهذا الخلاف، فترامب يتصرف بشكل غير مفهوم سوى إعلاء المصالح الأميركية حتى على حساب أقرب الحلفاء، فقد فاجأ نتنياهو بفتح مفاوضات مع إيران دون علم اسرائيل حين استدعاه في السابع من نيسان ليطلعه على الأمر وقبلها كان قد أرسل مبعوثه لشؤون الأسرى آدم بوهلر للتفاوض مع حركة حماس من خلف ظهر اسرائيل، وتعزز الأمر عندما أعلن عن اتفاق وقف إطلاق نار مع الحوثيين في البحر الأحمر دون أن يشمل ذلك تل أبيب، كل هذه كانت تشكل بنظر المراقبين مؤشرات جدية على تدهور العلاقة.

لكن علاقة التوأمة المعروفة بين الرجلين وعلاقة التبني الكامل من قبل الولايات المتحدة لإسرائيل ربما تجعلان من الضروري التدقيق بما تنشره وسائل الإعلام، والتردد بأخذ ما يخص الخلافات حد القطيعة على محمل الجد. وهناك تجارب لا يمكن تجاهلها تمكن خلالها رجل السوق ترامب من صناعة مناخات معينة لم يتورع فيها عن ممارسة سياسة التاجر للحصول على مبتغاه لم تخلُ من أدوار تمثيلية لتمرير هدف ما كما يفعل كل التجار، فما بالنا برجل يدير السياسة بمنطق السوق؟

قبل حوالى أربعة أشهر، كان ترامب يتحضر لتسلم مفاتيح البيت الأبيض، وكانت المفاوضات بين حركة حماس واسرائيل تشهد تعثراً بين الحركة التي تطالب بوقف تام للحرب واسرائيل التي ترفض تماماً وقف الحرب ليعلن بشكل مفاجئ عن مواقف حادة من الرئيس ترامب ضد نتنياهو ببعض التصريحات في وسائل الإعلام وبلغت ذروتها في الثالث عشر من كانون الثاني الماضي بقيام ترامب بنشر مقطع فيديو على موقعه «تروث سوشيال» للبروفيسور الأميركي جيفري ساكس يهاجم فيه نتنياهو واسرائيل، ثم أرسل مبعوثه ستيف ويتكوف للقاء نتنياهو الذي لا يعمل يوم السبت ليقول له ويتكوف بصرامة: «الموعد، السبت، الحادية عشرة صباحاً» وما أثير حينها عن ضغوطات يمارسها ترامب على نتنياهو التي لم تترك له مجالاً للتملص ليرغمه على قبول الصفقة المطروحة.

هدد ترامب الأطراف وتم توقيع الصفقة المرحلية بغير إرادة حركة حماس التي كانت ترفض مرحلة الاتفاق، وبعد أيام، اختفت صرامة ترامب وحين سألوه عن الاتفاق قال: «ربما لا يصمد» وفعلاً، تنصل نتنياهو بعد المرحلة الأولى التي مكنته من تسلم عدد من الأسرى الأحياء والأموات، بل قال ترامب بعدها: «ليفعل نتنياهو ما يريد وأنا أدعمه»، ليتضح أن كل الخلاف لم يكن أكثر من مسرحية لابتلاع «حماس» الطعم. وما أثير من أجواء حينها جعل الكثير من المراقبين والمحللين يذهبون بعيداً في تفسير سياسة ترامب المضادة لنتنياهو وأن ترامب لم ينسَ لنتنياهو تهنئته لبايدن. ونفخت الصحافة الإسرائيلية بالأمر إلى الدرجة التي تمنت بقاء بايدن وأولهم حركة حماس التي صدقت الأمر وذهبت تحت تأثير تلك الأجواء لطلب لقاء مع الرئيس الأميركي قبل أن تتضح الخديعة.

لمن يعرف طبيعة العلاقة بين الدولتين ومن يعرف أكثر طبيعة العلاقة بين الرجلين ليس من السهل أن يصدق أنهما سيختلفان. ومن تابع مسرحية تهدئة كانون الثاني تفرض عليه الحقائق ألا يتعاطى بسرعة مع تلك التسريبات، فبعد خلاف كانون الثاني كان ترامب يفرج عن الأسلحة المعلقة ويستقبل صديقه الحميم نتنياهو كأول زعيم يزور البيت الأبيض بعد تسلم الرئيس مهامه بسبعة عشر يوماً، وتلك في العرف الدبلوماسي الأميركي تعني أن أول زعيم خارجي يستقبله الرئيس هو الأقرب لقلبه وعقله ليتأكد ذلك من خلال مشروع اسرائيل بتهجير سكان القطاع الذي أعلن عنه ترامب والذي يمثل ذروة امتثال ترامب للمشروع الإسرائيلي.

يبدو أن الأمر يتكرر هذه المرة. فالرئيس يريد صفقة تمرر زيارته دون أن يخطف منه أحد الأضواء كما صفقة التنصيب وإن لم يتحقق ذلك فهو يقوم بزيارة تاريخية للمنطقة العربية حيث يتكدس فيها رأس المال العربي، وهو رئيس لم يتحدث منذ وصوله سوى عن المال وكيفية جعل أميركا غنية، ويعرف أن زعماء المنطقة التي يزورها يكرهون نتنياهو فمن غير المنطقي لرئيس يريد أن يضرب ضربته الكبرى أن يجامل نتنياهو بل تفترض سياسات السوق أن يُصعّد ضده لسببين، الأول، إرضاء للعرب والثاني للقول: إنه الزعيم الأقوى وإن نتنياهو مجرد صبي صغير يهينه ويلكمه متى شاء وتلك لها مدلولاتها في توازنات القوى في الاجتماعات التي ستعقد.

ولأن المؤمن لا يلدغ من ترامب - نتنياهو مرتين فمن غير المعقول لرئيس اختار كل مساعديه المحيطين على يمين نتنياهو ورئيس مدعوم من الطائفة الإنجيلية القريبة لإسرائيل التوراتية أو حتى رئيس يعتبر أن الملونين الأميركيين ليسوا بأميركيين فكيف يرانا نحن، الملونين العرب؟.

هل نبدو أمام حيلة جديدة؟ ربما .. هكذا تقول القراءة الهادئة للتاريخ التي يبدو فيها المشترك الأميركي الإسرائيلي في التكوين والثقافة والتاريخ والنصوص المقدسة والمصالح المشتركة أكبر من أن نأخذ تلك التسريبات دون التدقيق فيها، خاصة أن ترامب يتعامل مع كل العرب بمن فيهم «حماس» أنهم مجموعة من البسطاء السذج.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت