من بيت حانون إلى الشارع: أرملة فلسطينية تكافح الحياة مع أبنائها من ذوي الإعاقة بعد فقدان الزوج والابن بالقصف الإسرائيلي

العدوان على غزة.jpeg

في خيمة مهترئة على قارعة الطريق بحي النصر في مدينة غزة، تعيش فاطمة المصري، أرملة فلسطينية وأم لستة أبناء، بينهم ثلاثة من ذوي الإعاقة، تفاصيل مأساة طويلة بدأت مع اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، ولم تنتهِ حتى اليوم.

فاطمة (47 عامًا)، التي كانت تسكن في شارع المصري ببلدة بيت حانون الحدودية، وجدت نفسها بين لهيب القصف وفقدان المأوى، بعدما فقدت زوجها تيسير المصري (48 عامًا) الذي كان يعمل مراسلًا بالرقابة المالية، وابنها البكر عيسى (23 عامًا)، إثر قصف مباشر نفذته قوات الاحتلال على منزل كانا بداخله في حي الصفطاوي شمال غزة.

نزوح متكرر ومعاناة مضاعفة

تقول فاطمة: "منذ اليوم الأول للعدوان، عشنا الرعب لحظة بلحظة. نزحنا من بيت حانون إلى جباليا، ثم إلى الشيخ زايد، ثم إلى مدرسة فيصل، ثم إلى حي الصفطاوي، وفي كل مرة كنا نواجه القصف والموت، لكن كان نزوحنا مع أطفال من ذوي الإعاقة يجعل الأمر أكثر صعوبة من أي تصور".

ثلاثة من أبنائها – عبيدة (21 عامًا)، نور (14 عامًا)، ومحمد (10 أعوام) – يعانون من ضمور في الدماغ، ويحتاجون إلى رعاية صحية يومية، ما جعل قرار النزوح يمثل تحديًا قاسيًا للأسرة. ومع كل تحرك، كانت فاطمة تحمل واحدًا وتُمسك بآخر، فيما يساعد الأبناء الأصحاء في قيادة إخوتهم، وسط مشاهد الخراب، وانعدام المأوى، والجوع الذي أنهك أجسادهم.

جريمة القصف: فقدان الركيزة والابن

في 9 أكتوبر 2024، خرج زوجها وابنها مع عدد من الجيران لاستكشاف الأوضاع بعد اشتداد القصف على حي الصفطاوي، رغم محاولتها منعهم. "ناديت عليهم من الطابق العلوي: القصف شديد! ارجعوا!"، تقول فاطمة، لكن الرد جاء على هيئة انفجار عنيف دمّر المنطقة، وأسفر عن استشهاد زوجها تيسير، وابنها عيسى، وثلاثة آخرين من الجيران، في جريمة وُثقت شواهدها على الأرض.

تروي فاطمة اللحظة التي اكتشفت فيها جثامينهم: "كان المكان مليئًا بالغبار والدخان، لم أرَ شيئًا في البداية. ثم رأيت أشلاء زوجي، وابني مسجى بلا حراك.. جمّعنا جثث الشهداء ووضعنا عليها الأغطية، خشية أن تنهشها الكلاب الضالة".

اقتحام، إذلال، وجوع

لم تكتفِ قوات الاحتلال بذلك، بل اقتحمت المنزل بعد أربعة أيام، وأجبرت من تبقى من النساء والأطفال على المغادرة، تاركين خلفهم أحد الجرحى، لعدم قدرتهم على حمله بسبب إصابته البالغة.

وفي الطريق نحو مدرسة الشاطئ، التي كانت ملاذهم الجديد، أوقفت فاطمة إحدى الدوريات الإسرائيلية، وتعرضت للضرب من جندي إسرائيلي على ظهرها بسلاحه، بعدما سقطت من التعب والجوع. تقول: "سألني عن الأنفاق وحماس، قلت له: قتلتم زوجي وابني، وهما مدنيان.. فردّ عليّ بتهديد أن يعرف كيف يعاقبني".

صمود في وجه الانهيار

بعد الهدنة في يناير 2025، عادت فاطمة إلى بيتها في بيت حانون لترميم ما تبقى، لكنها لم تنعم بالهدوء طويلاً، فمع عودة التصعيد في مارس، نزحت مجددًا إلى غزة، حيث تعيش اليوم في خيمة على الرصيف مع أبنائها، محرومة من أدنى مقومات الحياة، ولا تملك ما يوفر احتياجاتهم من الحليب، والحفاضات، والرعاية الصحية.

"أعيش على الأمل وحده، أقاوم الفقر والخذلان، وأحمل عبء الإعاقة والفقد، وحدي"، تقول فاطمة، وهي تجسد واقع آلاف النساء الفلسطينيات اللواتي تحوّلن من ربات بيوت إلى أعمدة متصدعة لأسر مُنهكة.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة