في قلب واحدة من أشد الحروب قسوة على المدنيين، تصطف قصص لا يسمعها العالم، وتُسطر النساء الفلسطينيات حكايات من الألم والثبات، كما فعلت ضُحى الصيفي، الأم التي لم ينكسر ظهرها رغم استشهاد أطفالها الأربعة في لحظة واحدة بقصف إسرائيلي استهدف مدرسة للنازحين شرق مدينة غزة.
ضحى أيوب يوسف الصيفي (33 عامًا)، حاصلة على بكالوريوس في الإعلام من جامعة الأقصى، كرّست حياتها لتربية أطفالها: ريتال (13 عامًا)، سيف الحق (12 عامًا)، نور الحق (10 أعوام)، وأسامة (4 أعوام)، ووصفتهم دومًا بأنهم "مشروع حياتها وأجمل استثمار في هذا العالم". كانت تقيم مع زوجها عمر حمدان أبو سنينة في حي الزيتون شرق غزة، وسط حياة أسرية بسيطة لكن دافئة.
"الفرح ممنوع في غزة"
مع تصاعد العدوان الإسرائيلي في أعقاب 7 أكتوبر 2023، قررت ضحى عدم النزوح جنوبًا، وفضلت البقاء في المدينة رغم المخاطر، حفاظًا على أبنائها واحتياجاتهم النفسية والتعليمية. تنقلت مع عائلتها بين المدارس ومنازل الأقارب، حاملة على كتفيها الخوف والجوع، لكنها كانت تصرّ على منح أطفالها لحظات أمل، وتخبئ عنهم قسوة الواقع.
وفي 30 مارس 2025، أول أيام عيد الفطر، زارت ضحى شقيقتها النازحة في مدرسة دار الأرقم، في محاولة لصنع لحظة فرح صغيرة. وبينما الأطفال يلعبون في أحد الصفوف، استهدفت طائرات الاحتلال المدرسة بصاروخ مباشر. دوى الانفجار، وسقط كل شيء. وجدَت ضحى نفسها في فناء المدرسة، مصابة بشظايا وكسور وتهتك جسدي، لا تعرف مصير أبنائها، ولا تملك حتى القدرة على البكاء.
أربعة "عصافير في الجنة"
فقدت ضحى الوعي، ثم القدرة على الكلام لأكثر من 25 يومًا. كانت تطلب رؤية أبنائها، معتقدة أنهم بخير. زوجها وشقيقتها أخفوا عنها الحقيقة مؤقتًا، قبل أن تخبرها شقيقتها الصغرى: "أولادك عصافير في الجنة".
تلقت الصدمة بصمت. كتبت على لوح التواصل: "الحمد لله… راضية".
العدوان لم يسلبها أطفالها فقط، بل استهدف عائلتها الممتدة. شقيقتها أسماء وبناتها الثلاث استشهدن أيضًا في القصف، فيما لا تزال إحدى قريباتها ترقد في المستشفى تُصارع الموت.
جسدٌ يتألم… وصوت لا ينكسر
اليوم، ترقد ضحى الصيفي في مستشفى الخدمة العامة، تتلقى العلاج الطبيعي، وتنتظر تحويلًا طبيًا لاستكمال عمليات جراحية خارج قطاع غزة. إصاباتها في الفك، اليد، الصدر، والأطراف لا تزال بحاجة إلى تدخل طبي معقد. ورغم ذلك، تقول ضحى: "اشتقت لهم جميعًا… لرائحتهم، لصوت ضحكاتهم، لخطواتهم… لم أودعهم حتى. ومع ذلك، لن ينكسر صوتي."
وتضيف: "لم يقتلوا أولادي فقط، بل قتلوا أحلامي. لكنني باقية لأحكي. سأظل أروي للعالم عن أطفالنا الذين حوّلتهم الصواريخ إلى غبار. سأبقى أطالب بالعدالة، وإن طال الزمان."
صرخة إنسانية من تحت الركام
قصة ضحى ليست استثناءً، بل جزء من رواية كبرى لجرائم حرب ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة. مدارس تحوّلت إلى مقابر، وأمهات يُجبرن على دفن أطفالهن وسط ركام العجز الدولي والصمت المريب.
رسالة ضُحى للعالم تتلخص في أن العدالة ليست خيارًا، بل حقّ للضحايا، وضرورة أخلاقية للإنسانية.