في ظل القصف والدمار وانعدام أدنى مقومات الحياة، تتصاعد أزمة المياه في مدينة غزة لتُضاف إلى سلسلة الأزمات الكارثية التي يعيشها السكان، لاسيما النازحين. حيث يُجبر المواطنون، كبارًا وصغارًا، على قضاء أيام طويلة دون قطرة ماء، وسط انقطاع شامل لمصادر المياه الصالحة للشرب والاستخدام المنزلي.
"أكثر من أسبوع ومش ملاقيين المي، وكل يوم بنطلع ندوّر على مكان نملي منه وعلى الفاضي"، بهذه الكلمات لخص المواطن سفيان ماضي (40 عامًا) معاناة آلاف العائلات النازحة، التي تركت مناطقها بسبب القصف في حي التفاح، لتواجه ذات الأزمة في غرب المدينة.
ماضي، الذي اضطر للجوء مع أسرته إلى منطقة ساحلية، أكد أن المياه لم تعد متوفرة لا للشرب ولا للاستخدامات اليومية، مشيرًا إلى أن أبناءه يعودون يوميًا في المساء دون أن يتمكنوا من ملء "غالون" واحد. واعتبر أن الحياة في غزة اليوم "ليست حياة، بل صراع يومي للبقاء".
أرقام مرعبة وواقع مأساوي
وتُقدّر مصادر محلية عدد النازحين في مدينة غزة بما يقارب مليون و200 ألف شخص، يتكدّسون في مناطق الوسط والغرب وعلى امتداد شاطئ البحر، ما تسبب باكتظاظ غير مسبوق وشحّ في الموارد الأساسية، على رأسها المياه.
وسط هذه الأزمة، تُشاهد مشاهد مؤلمة لأطفال وفتيان يجوبون الشوارع بحثًا عن المياه، في طوابير طويلة أمام شاحنات توزيع المياه، التي باتت نادرة الظهور. الطفل أحمد أبو عجينة (14 عامًا)، يقول: "كنا نشوف شاحنة أو اثنتين في اليوم، الآن ننتظر لساعات، وإن جاءت الشاحنة بنلحقش نعبّي، والدور بيكون طويل".
وأوضح أن غالبًا ما يحصل على غالون واحد فقط (20 لترًا) يكفي بالكاد 12 فردًا ليوم أو يومين، ما يضطر العائلات إلى تقنين شديد في الاستخدام.
البلدية: الوضع كارثي والاحتلال هو المسؤول
في ظل تصاعد الغضب الشعبي تجاه أداء بلدية غزة، أصدرت الأخيرة بيانًا أكدت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي يتحمّل مسؤولية انهيار منظومة المياه في المدينة، مشيرة إلى أن معظم الآبار والخزانات باتت خارج الخدمة بسبب تمركز القوات الإسرائيلية في مناطق حيوية.
كما توقفت محطة التحلية الرئيسة شمال المدينة، وتوقفت أيضًا إمدادات مياه "ميكروت" الإسرائيلية، ما تسبّب بعجز فادح في التزويد.
وأوضحت البلدية أن المياه المتاحة لا تغطي سوى 12% من احتياجات السكان، أي بمعدل يقل عن 5 لترات للفرد يوميًا، تشمل كافة الاستخدامات، وهي نسبة "لا تفي بالحد الأدنى للكرامة الإنسانية"، بحسب البيان.
نداء استغاثة عاجل
وأكدت البلدية أن مدينة غزة دخلت فعليًا مرحلة "العطش الشديد"، مع انهيار كافة مصادر المياه التقليدية، مطالبة المجتمع الدولي بسرعة التدخل وإدخال معدات ومحطات تحلية متنقلة، ورفع الحصار عن مصادر الطاقة التي تعيق تشغيل محطات الضخ والتحلية.
في المقابل، تتزايد الأصوات داخل القطاع التي تطالب بتوفير حلول فورية وعملية، لا سيما في ظل التوقعات باستمرار النزوح الجماعي إلى المدينة، ما ينذر بانهيار إنساني شامل في الأيام المقبلة.