محرقة الجوع في غزة: الرضّع بين طحن الحمص وغلي أوراق الشجر

اطفال رضع في غزة.jpg

في مشهد يكشف عمق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، تسعى جدة فلسطينية إلى إنقاذ حفيدتها الرضيعة من الموت جوعًا عبر حيلة يائسة: طحن الحمص وتحويله إلى معجون تُطعمه للطفلة عبر محقنة، رغم إدراكها أن هذه الوجبة المؤقتة ستسبب لها الألم والمغص.

الرضيعة منتهى، ذات الأشهر الثلاثة، تلوّت جسدًا وبكت وجعًا، بينما كانت جدتها تحاول إبقاءها على قيد الحياة، في خيمة بدائية أقيمت على شاطئ غزة بعد أن شُرّدت العائلة. تقول خالتها عبير: "لو كانت قادرة على الكلام، لصرخت في وجوهنا متسائلة عما نضعه في جوفها".

موت الأمهات، فقر الحليب، وتجويع الرضّع

قصة منتهى ليست استثناءً. آلاف الرضّع في غزة يواجهون المصير ذاته، وسط انعدام الحليب الصناعي وعجز الأمهات عن الإرضاع الطبيعي بسبب الجوع الحاد وسوء التغذية، أو نتيجة فقدانهن في الحرب المستعرة. والدة منتهى، التي أُصيبت برصاصة خلال حملها، أنجبتها وهي في غيبوبة، ثم توفيت بعد أسابيع دون أن ترى طفلتها.

تشير وزارة الصحة في غزة إلى أن وزن منتهى يبلغ حوالي 3.5 كغم فقط، أي أقل من نصف الوزن الطبيعي لطفل في عمرها، وتعاني من اضطرابات معدية حادة بعد كل محاولة تغذية.

حيل خطيرة تغذي الموت أكثر من الحياة

مع انعدام الخيارات، بدأت العائلات الفلسطينية بإعداد "بدائل قاتلة" للحليب: غلي الأعشاب، طحن الخبز والسمسم، وحتى استخدام طحينة السمسم الممزوجة بالماء. وفي بعض الحالات المروعة، وثّقت وكالات الإغاثة لجوء الأهالي إلى غلي أوراق الشجر أو تناول علف الحيوانات أو حتى طحن الرمل لتحويله إلى دقيق.

تحذر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من هذه الممارسات، وتقول على لسان المتحدث باسمها، سليم عويس: "هذه خطوات يائسة لتعويض نقص الغذاء، لكنها تُعرض حياة الرضّع لخطر الاختناق وسوء التغذية وأمراض الجهاز الهضمي".

انهيار النظام الصحي: مستشفيات بلا حليب ولا أمل

في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، نفدت مخزونات حليب الأطفال تمامًا. الطبيبة أزهار عماد، والدة الطفلة جوري (4 أشهر)، لجأت إلى حيل بديلة: "وضعت طحينة السمسم مع القليل من الماء في زجاجة الرضاعة، لكن الطفلة رفضتها... أصنع لها مشروبات مثل الحلبة واليانسون والكراوية، كل ما أستطيع فعله".

الطبيب خليل دقران من ذات المستشفى، يختصر المأساة: "نطعم الأطفال طحن البقوليات أو الماء فقط... وإذا لم يأكل الطفل لثلاثة أيام، فهو يواجه الموت المؤكد".

154 وفاة مرتبطة بالجوع حتى الآن

أكدت وزارة الصحة في غزة وفاة 154 مواطنًا بسبب الجوع، بينهم 89 طفلًا، معظمهم في الأسابيع الأخيرة. ومع استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات، تحذر مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهي الهيئة العالمية لرصد المجاعة، من أن أسوأ سيناريوهات المجاعة قد بدأ بالفعل.

أكثر من أزمة إنسانية... إنها جريمة إبادة

أسعار ما تبقى من حليب الأطفال في السوق السوداء تجاوزت 100 دولار للعلبة الواحدة، في حين أن معظم العائلات – مثل أسرة منتهى – باتت بلا مصدر دخل، بعد أن فقد والدها عمله وأُغلق محل الفلافل الذي كان يعيلهم.

يُجمع العاملون في القطاع الصحي والمنظمات الدولية على أن ما يحدث في غزة لا يمكن اعتباره مجرد أزمة إنسانية، بل سياسة تجويع ممنهجة، تتعارض مع كل القوانين الدولية والمواثيق الأخلاقية.

في قطاع غزة، لا يموت الأطفال فقط تحت القصف، بل يُقتلون جوعًا، بصمت بطيء لا يراه العالم إلا حين تُنشر صور أجسادهم الهزيلة على الشاشات. ما تشهده غزة اليوم ليس مجرد أزمة إنسانية طارئة، بل كارثة أخلاقية واختبار صارخ لضمير العالم. فحين يُجبر الأهالي على طحن الحمص وغلي أوراق الشجر لإبقاء رُضّعهم على قيد الحياة، فإن ذلك يُعد وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، الذي يكتفي بالإدانات بينما تحصد المجاعة أرواح الأبرياء. لقد حان الوقت لتحرك عاجل وحقيقي، لإنهاء الحصار وضمان وصول الغذاء والدواء، قبل أن يُمحى جيل بأكمله، ليس بالرصاص، بل بالجوع.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة