سوق المفاوضات وضجيج الإعلام: بين نتنياهو وترامب وحماس

بقلم: مصطفى إبراهيم

مصطفى ابراهيم.jpg

بقلم مصطفى إبراهيم / حتى قبل تنفيذ أي صفقة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المختطفين، تحوّلت المفاوضات إلى مادة يومية في وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية، حيث تتدفق آلاف التقارير "الحصرية" المنسوبة إلى "مصادر مطّلعة"، بينما يروّج كل طرف لأجندته الخاصة. في العالم العربي، تبدو كل صحيفة أو قناة كأنها لسان حال الحاكم أو التنظيم، وفي إسرائيل تُستخدم التسريبات لتوجيه الرأي العام أو لتهيئة الأرضية لموقف سياسي قادم.

في الواقع، لا يشارك في المفاوضات سوى عدد محدود جداً من الأشخاص، وحتى داخل حركة حماس لا يعرف الجميع تفاصيل الصفقة أو مراحل تقدمها. ومع ذلك، تُدار الساحة الإعلامية كما لو كانت سوق خيول؛ كل طرف يزايد ويضغط لتحقيق مكاسب. حماس تسعى إلى رفع الثمن للحصول على أكبر قدر من المكاسب، بينما تضخ وسائل الإعلام العربية روايات أقرب إلى الخيال السياسي، تتناغم مع مصالح الأنظمة أكثر مما تعكس حقائق الميدان.

لا ينبغي التعامل مع كل تسريب بوصفه حقيقة، فالكثير منها يُنتج فقط لخلق التوتر والإحباط. حتى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية يستخدم التسريبات لخدمة أجندته السياسية وممارسة الضغط. لذلك، ليس غريباً أن نسمع تسريبات متناقضة عن استعداد حماس لنقل جميع الأسرى الإسرائيليين والقتلى من دون مقابل، وهي رواية لا تصمد أمام أي منطق سياسي. فلا هدايا مجانية في هذا النوع من الصفقات، وحماس ليست من السهل خداعها. علينا انتظار القائمة التي ستطالب بها الحركة مقابل إطلاق سراح الرهائن، فهي وحدها تكشف طبيعة الصفقة الحقيقية.

ترامب، من جهته، يتصرف كمن يقرر نيابة عن الطرفين، يسارع إلى إعلان "إنجازات" متجاهلًا التعقيدات والتفاصيل. أي هجوم عسكري في غزة يمكن أن يجمّد المفاوضات، لكن ترامب يواصل التصرف وكأن الحرب ملف ثانوي أمام هدفه الإعلامي: تسجيل اتفاق قبل موعد نتائج جائزة نوبل. أما نتنياهو، فهو حريص على تخريب الصفقة أو تأجيلها طالما يستطيع توظيف الحرب لإنقاذ موقعه السياسي، حتى وهو يعلن استعداده للانسحاب الجزئي من القطاع.

يبدو ترامب عازماً على التوصل إلى اتفاق جزئي حول الأسرى الإسرائيليين خلال أيام، واتفاق شامل خلال أسبوعين على الأكثر، في محاولة لإغلاق ملف الحرب بسرعة. ومع ذلك، فإن كل بند في الصفقة قابل للتغيير تبعاً لإرادته وحده، إذ يعتبر نفسه الطرف الذي يملك الكلمة الأخيرة، حتى لو تطلب الأمر فرض قراراته على نتنياهو عبر التهديد بوقف المساعدات وبيع السلاح وفرض العقوبات.

لكن ترامب، برغم اندفاعه، لا يملك أدوات ضغط حقيقية على حماس. لقد جرّب كل أشكال التهديد: من "يوم القيامة" إلى "قنابل المخابئ" التي استخدمت رغم وجود الأسرى الإسرائيليين المختطفين، ولم يتزحزح موقف الحركة. أي اتفاق نهائي لن يتم دون ضمانات من قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة، وهي الأطراف القادرة على تثبيت الشروط وتنفيذها.

في هذه الأجواء المليئة بالتسريبات والمسرحيات، من الصعب تمييز الحقيقة من التضليل. ما نسمعه يومياً من "مصادر عليا" أو "وسطاء مطّلعين" لا يتجاوز أدوات ضغط وتكتيكات تفاوضية. لا أحد، حتى المراسلين والمحللين والخبراء الإسرائيليين أو أعضاء الحكومة أنفسهم، يعرف بدقة ما يجري في الغرف المغلقة.

المشهد برمّته يبدو كأنه إدارة جنونية لأزمة معقّدة يقودها رئيس أميركي متهوّر، ورئيس وزراء إسرائيلي مأزوم، وتنظيم فلسطيني عنيد. وسط هذا الجنون، ينشغل السياسيون والإعلاميون بخلق الذعر من "حرب وشيكة مع إيران"، في حين تضيع الحقيقة بين الأكاذيب والتسريبات والصفقات المؤجلة.

الخلاصة أن ما يجري ليس إلا فصلاً جديداً من فوضى السياسة والإعلام في زمن ترامب ونتنياهو، حيث تتحول المفاوضات إلى عرضٍ تلفزيوني، وتصبح الأكاذيب بديلاً عن الحقائق، فيما تظل حرب الإبادة وتهجير الفلسطينيين ومصيرهم ومعاناتهم مستمرة، ويظل الأسرى الإسرائيليون – أحياءً وأمواتاً – أوراقاً في لعبة لا أخلاقية يديرها سياسيون يتقاسمون الجنون والمصالح.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت