تقرير عائدو غزة.. أزمات يومية لا تنتهي وسط الدمار وانعدام الحياة

بقلم: أحمد ياسر

عودة النازحين إلى مدينة غزة..

لليوم الثالث على التوالي، يواصل مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين من وسط وجنوب قطاع غزة العودة إلى ما تبقى من مدينة غزة ومحافظة الشمال، وسط مشاعر متباينة بين الفرح والحزن نتيجة الدمار الواسع ونقص مقومات الحياة الأساسية. ومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، شهدت مناطق سكناهم السابقة تدفقًا كبيرًا للنازحين الذين يسعون لاستعادة حياتهم بعد أن أجبرتهم موجات القصف والتهجير القسري على الفرار.

وعلى الرغم من الأمل بأن تكون العودة بداية لاستقرار وهدوء، إلا أن الواقع فرض مأساة إنسانية على العائدين، إذ يواجهون معاناة مستمرة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، وانهيار البُنى التحتية، وتدهور المؤسسات الخدمية، إلى جانب انقطاع المياه والكهرباء في معظم أنحاء قطاع غزة، فضلاً عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمنازل والمرافق العامة.

التحركات العسكرية وخطة ترامب

وأعاد الجيش "الإسرائيلي" تموضع قواته في مناطق جديدة ضمن المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي وافقت عليها حماس وإسرائيل برعاية مصرية وقطرية وبمشاركة تركية.

وبحسب الخطة، ستحتفظ "إسرائيل" بالسيطرة على نحو 58% من قطاع غزة، بما يشمل بيت لاهيا وبيت حانون شمالًا، وأجزاء من الشجاعية والتفاح والزيتون في مدينة غزة، وأكثر من نصف خانيونس وكامل رفح جنوبًا، مع استمرار سيطرتها على جميع المعابر، بما فيها معبر رفح.

حجم الدمار وأثره على السكان

وعلى الصعيد الإنساني، أظهرت الصور التي تم التقاطها من المناطق التي انسحب منها الاحتلال حجم الدمار الشامل، حيث تركزت آثار القصف والتفجيرات على المساكن والمباني العامة.

وأكد المواطنون الذين عادوا إلى مناطقهم لـ "قدس نت" أنّ عشرات المنازل دُمّرت بالكامل بفعل العربات المفخخة والانفجارات العنيفة، فيما تحولت العديد من المنازل الأخرى إلى أبنية غير صالحة للسكن نتيجة شدة الانفجارات والدمار الهيكلي.

وأوضحوا أنّ الشوارع والمرافق الأساسية تعرضت أيضًا لأضرار كبيرة، مما يزيد من صعوبة العودة إلى الحياة الطبيعية ويضاعف معاناة العائلات التي فقدت كل ممتلكاتها، مشيرين إلى أنّ الحطام والمخاطر الناتجة عن الألغام والمواد المتفجرة المتروكة تشكل تهديدًا مستمرًا على حياة السكان العائدين، ما يفرض الحاجة الماسة لتدخل عاجل لإعادة تأهيل المناطق المتضررة وتأمين مقومات الحياة الأساسية.

بدوره، يصف الفلسطيني حسن اليازجي، من سكان مخيّم الشاطئ شمال غربي مدينة غزة، مشهد الدمار بأنه "صادم وهائل"، مؤكّدًا أنّ "مدينة غزة كانت متضررة قبل الإخلاء الأخير، لكن بعد بضعة أسابيع تحوّلت إلى كومة من الردم والمعاناة".

ويوضح اليازجي لـ "قدس نت"، أنّ "العائدين لم يواجهوا فقط الدمار المادي، بل صُدموا أيضًا من الأزمات اليومية التي تمس أدق تفاصيل حياتهم، لا سيما انقطاع المياه والكهرباء وتوقف الخدمات الأساسية، ما يجعل العائلات في دائرة معاناة مستمرة بلا حلول سريعة".

ويبيّن أنّ عودة النازحين لا تعني نهاية مأساتهم، بل بداية مرحلة جديدة من الشقاء، تكشف هشاشة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والآثار الكارثية للحرب التي استمرت عامين، والتي خلّفت وراءها خرابًا هائلًا في المنازل والبنى التحتية والخدمات العامة.

ويلفت اليازجي إلى أنّ العائلات العائدة تواجه تحديات كبيرة تتراوح بين صعوبة الحصول على المياه والكهرباء والخوف المستمر من وجود مخلفات متفجرة ومواد خطرة، ما يجعل العودة إلى الحياة الطبيعية أمرًا شبه مستحيل في ظل الظروف الحالية، مشددًا أنّ سكان غزة سيستمرون في الصمود، معتمدين على قوتهم الداخلية وروحهم الوطنية، في محاولة لإعادة بناء حياتهم والحفاظ على هويتهم وسط هذه التحديات الكبيرة.

من جانبه، يعبّر الفلسطيني محمود نعيم عن مشاعره العميقة عند عودته إلى مدينة غزة بعد النزوح، قائلاً لـ "قدس نت": "لا كلمات توفي شعورنا لحظة دخول المدينة مجدّدًا، وبعد نزوحنا الأخير، اعتقدنا أننا لن نتمكن من العودة أبداً. لكن اليوم، فنحن لا نعود فقط إلى بيوت مهدمة وأكوام من الخراب، بل نعود إلى جذورنا وتاريخنا وهويتنا التي حاول الاحتلال محوها من حياتنا".

المواطن عابد الزنط يؤكد لـ "قدس نت" أنّ عودته السريعة إلى غزة، رغم حجم الدمار الواسع، لم تكن قرارًا سهلاً، بل خيارًا نابعًا من ارتباطه العميق بوطنه وأرضه"، مبيناً أنّ العودة لم تكن مجرد العودة إلى منازل مهدمة، بل هي بمثابة استعادة للكرامة والهوية، ومحاولة لإعادة الحياة إلى أحياء تعرضت للخراب.

ويشير الزنط إلى أنّ السكان العائدين يواجهون تحديات يومية كبيرة تشمل نقص الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، بالإضافة إلى صعوبة إعادة تأهيل المنازل والمرافق العامة، معربًا عن أنّ صمود الأهالي واستمرارهم في العودة يعكس إرادة قوية لإبقاء تاريخهم وحياتهم في غزة حية، وأنّ كل عودة هي رسالة ثبات وصمود للعالم أجمع.

ويطالب الزنط بضرورة إعادة الحياة إلى غزة بسرعة، عبر تنفيذ مشاريع الإعمار وترميم المنازل، وتوفير الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصحة والتعليم، معتبرًا أنّ هذه الخطوات تمثل استعادة لكرامتهم وهويتهم وتمكينهم من الصمود أمام آثار الحرب.

جهود البلديات

وفي السياق ذاته، شرعت طواقم بلدية غزة صباح اليوم بأعمال إزالة الركام وفتح الطرقات بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي ودخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

وأكد رئيس بلدية غزة، يحيى السراج، أنّ إعادة فتح المدينة عملية معقدة في ظل غياب الآليات والمعدات المتطورة، بعد أن دُمرت أكثر من 85% من الآليات الثقيلة للبلدية خلال العدوان، ما يعيق جهود الإعمار والخدمات الأساسية.

وأوضح السراج في تصريحه أنّ أولويات البلدية تشمل تأمين المياه، وفتح الشوارع، وجمع النفايات، ومعالجة مشاكل الصرف الصحي، مشيرًا إلى أنّ البلدية وضعت خطة من ثلاث مراحل لإعادة إعمار البلديات بالتنسيق مع مؤسسات وجهات دولية، مع استمرار عمل الطواقم رغم المخاطر وقلة الموارد لتعزيز صمود المواطنين وتسهيل عودتهم إلى منازلهم.

بدوره، أكد رئيس بلدية خانيونس، علاء البطة، أنّ 85% من المحافظة تضررت بالكامل، مع حاجة لإزالة 400 ألف طن من الركام، وإصلاح 300 كيلومتر من شبكات المياه و75% من شبكة الصرف الصحي، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية والخدمية.

المفقودون والوضع الصحي الطارئ

وأعلن المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، أنّ عدد المفقودين في قطاع غزة وصل إلى 9,500 شخص، وسط صعوبة الوصول إلى بعض المناطق بسبب الدمار وانقطاع الخدمات، مع استمرار فرق البحث والإنقاذ على مدار الساعة.

وفي الإطار الصحي، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن الأوضاع الصحية والإنسانية تتطلب استجابة عاجلة لإدخال الإمدادات الطبية، مع تضرر كبير للبنية التحتية والخدمات الأساسية، مؤكدة أنّ آلاف المرضى والجرحى بحاجة إلى أماكن مجهزة للرعاية الصحية، مشيرةً إلى أنّ توقف الخدمات التخصصية والتشخيصية يفاقم الأزمة ويجعل تعزيز المستشفيات أولوية عاجلة.

عودة الفلسطينيين إلى غزة وسط الدمار والمعاناة تؤكد أنّ الصمود والإصرار على الحياة يشكّلان جوهر الروح الفلسطينية، وسط حاجة ملحّة لإعادة الإعمار وتأمين الخدمات الأساسية لاستعادة كرامة السكان وهويتهم، وتمكينهم من مواجهة تحديات المستقبل.

المصدر: خاص _ قدس نت - قطاع غزة