شفافية الهيئات المحلية (B، C) تبقى «حرِجة»… و«أمان» يطالب بسياسات إفصاح ملزِمة ورقمنة فعّالة للخدمات

تائج مقياس الشفافية في الهيئات المحلية.jpeg

كشف الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة «أمان» أن نتائج مقياس الشفافية في 28 هيئة محلية مصنّفة (ب، ج) في الضفة الغربية لعام 2025 ما تزال عند مستوى «حرِج» يُدرَج ضمن فئة «مقبول – بدرجة متدنية»، داعيًا البلديات إلى تبنّي سياسات إفصاح رسمية وتفعيل المنصات الرقمية لنشر المعلومات وتحديثها بوصفها أدوات منخفضة الكلفة وذات أثر مباشر على حقّ المواطنين في المعرفة وجودة الخدمات.

قال عصام حج حسين، المدير التنفيذي لـ«أمان»، في الجلسة الافتتاحية لعرض التقرير إن القياس يأتي «كمساهمة مدنية لتعزيز الحوكمة المحلية في ظرف وطني ضاغط»، مؤكدًا أن استخدام الأدوات الرقمية يوفّر طريقًا سريعًا وعمليًا لرفع الشفافية من دون أعباء مالية كبيرة على الهيئات. وقد قدّم الباحث محمود كراجة المنهجية المعتمدة التي تضم 46 مؤشرًا موزّعة على خمسة مجالات رئيسية.

أين تتقدّم البلديات وأين تتأخر؟

أظهر التقرير تقدّمًا نسبيًا في الإدارة المالية التي نالت تصنيف «جيّد – بدرجة متوسطة»؛ إذ نشرت 26 من أصل 28 بلدية موازناتها العامة، وأصدرت 24 بلدية «موازنة المواطن» بصيغة مبسطة. مع ذلك، بقي القصور واضحًا في الإفصاح الدوري عن التعديلات المالية، والديون، والإيرادات، ما يحدّ من قدرة الجمهور على تقييم الاستدامة المالية ومساءلة الإنفاق.

في المقابل، تقبع مجالات التخطيط الحضري/المدني في ذيل الترتيب بتصنيف «ضعيف – متدنٍ جدًا»، مع محدودية نشر الخطط الهيكلية، وبيانات التوسّع العمراني، وأثر المشاريع على المجتمعات. كما حصل مجال المعلومات العامة (هيكل الهيئة وموظفوها ومؤسساتها) على «مقبول – متدنٍ»، بينما نال التعيين/التوظيف والمشتريات والإدارة العامة تصنيف «ضعيف – متدنٍ جدًا»، ما يعكس فجوات في نشر آليات التوظيف والمنافسة، ومدونات السلوك، والتقارير الإدارية السنوية.

رقمنة «على الورق»… ومحتوى غير مُحدَّث

ورغم إطلاق مبادرات وطنية كـ«بوابة الهيئات المحلية» و«استراتيجية الرقمنة 2025–2030»، بيّن التقرير أن الأثر ما يزال محدودًا: 12 هيئة فقط تمتلك مواقع إلكترونية فعّالة تُحدَّث بانتظام، في حين تعتمد جميع الهيئات على صفحات «فيسبوك» ومراكز خدمة جمهور مؤتمتة، غالبًا بمحتوى مجتزأ أو غير محدّث، ما يقيّد وصول المواطنين للمعلومات الجوهرية (مشاريع، جداول قطع المياه والكهرباء، المناقصات، الشكاوى والردود).

أسباب بنيوية وثقافية إلى جانب التشريعات

يُرجع التقرير التفاوت بين الهيئات إلى غياب منهجية إفصاح متكاملة، وضعف البنية التقنية، ومركزة القرار الإداري، إلى جانب عدم وجود سياسات مكتوبة للإفصاح داخل البلديات. كما حذّر من أن استمرار المماطلة في إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات يُضعف بيئة الشفافية ويُقيّد دور الصحافة والمجتمع المدني في الرقابة الفعّالة.

لماذا يهمّ ذلك المواطنين؟

يباشر المواطن أثر الشفافية مباشرةً في تعرفة الخدمات، جداول الجباية، جودة المياه والنظافة، أولوية رصف الطرق، مواعيد تأهيل الشبكات، وسرعة الاستجابة للشكاوى. نشر العقود والمناقصات والإنفاق يُقلّل مخاطر الهدر والاحتكار، ويعزّز الثقة العامة، ويُمكّن الفئات الأولى بالرعاية من مطالبة البلديات بخطط واضحة وقابلة للقياس.

توصيات «أمان»: مسارات سريعة وملزِمة

سياسة إفصاح رسمية داخل كل هيئة تحدّد «ماذا نُنشر ومتى وكيف»، تشمل الموازنة، التعديلات المالية، الديون والإيرادات، العقود والمناقصات، محاضر الجلسات المختصرة، وملف المشاريع (الجدول الزمني، الكُلفة، حالة التنفيذ).

تفعيل المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل بوصفها مصادر رئيسية للمعلومات مع تحديثات دورية، وأرشفة مفتوحة، ومحرك بحث داخلي، ونموذج شكاوى قابل للتتبع الزمني.

نشر «موازنة المواطن» سنويًا بلغة مبسطة ورسوم واضحة، وربطها بمؤشرات أداء للخدمات (المياه، النفايات، الإنارة، الصيانة)، وتقرير ربع سنوي «ماذا تحقق؟».

إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات لضمان النفاذ إلى البيانات العامة، وتمكين الصحافة والباحثين والأهالي من المساءلة.

بناء قدرات الكوادر على التحرير البياني، وإدارة المحتوى الرقمي، وأمن المعلومات، مع تخصيص مسؤول إفصاح داخل كل بلدية.

يؤكد التقرير أن الشفافية ليست ترفًا إداريًا بل شرط خدمة عامة: كل معلومة منشورة تُقلّل كلفة الاستفسار على المواطن، وتغلق ثغرات الفساد، وتسرّع القرارات، وتُحسّن التحصيل المالي من دون أعباء اجتماعية. كما أن الرقمنة الفعّالة تُوفّر بدائل غير ورقية للترخيص والدفع والشكاوى، وتخلق سجلاً قابلاً للتدقيق.

وبينما تُظهر «الإدارة المالية» بوادر تقدّم بفضل اشتراطات المانحين وصندوق تطوير وإقراض الهيئات المحلية، يبقى التحدي في توحيد المعايير عبر سياسة إفصاح مُعلنة ومرصودة، تُحوّل الموقع الإلكتروني وحسابات المنصات إلى لوحة معلومات يومية للمواطن: ماذا يُنفَّذ؟ بكلفة كم؟ ومتى ينتهي؟ وكيف أُقدّم شكوى وأين أرى الردّ؟

ترسيخ ثقافة الإفصاح اليوم هو استثمار مباشر في ثقة الناس وجودة الخدمات غدًا. الطريق الأقصر يبدأ بإرادة إدارية محليّة تُعلِن ما لديها، وتقبل المُساءلة، وتستخدم الرقمنة لا كواجهة، بل كبنية تحتية للمعلومة والقرار.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله