حذّرت منظمة «هانديكاب إنترناشونال» من أنّ الذخائر غير المنفجرة تشكّل خطراً «هائلاً» على السكّان العائدين إلى أحيائهم في قطاع غزة عقب سريان وقف إطلاق النار، ودعت—أسوةً بالأمم المتحدة—إلى السماح الفوري بإدخال الفرق المتخصصة والمعدات اللازمة لأعمال المسح والتطهير. وقالت آن-كلير يعيش، مديرة المنظمة في الأراضي الفلسطينية، إن تقديرات أولية تشير إلى سقوط نحو 70 ألف طن من المتفجرات على غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، مؤكدة أن طبيعة الدمار الكثيف والبيئة الحضرية المكتظة ترفع احتمالات مصادفة أجسام متفجرة لم تعمل كما يفترض.
دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS) أشارت في وقت سابق إلى أن ما بين خمسة وعشرة في المئة من الذخائر قد لا ينفجر عند الاستخدام، ما يعني بقاء مصادر تهديد كامنة في الشوارع والبيوت المهدمة ومحيط المنشآت الحيوية. وذكرت الدائرة أن القيود الميدانية خلال العامين الماضيين حدّت من قدرتها على إجراء مسوحات واسعة، وأن طواقمها داخل القطاع تعمل بعدد محدود من المركبات المدرعة، فيما تنتظر ثلاث مركبات إضافية التصاريح اللازمة للدخول بهدف توسيع نطاق تقييم المخاطر وتأمين ممرات آمنة للمساعدات وفرق الصيانة الطارئة.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أفاد بأن العاملين الإنسانيين بدأوا بتقييم المخاطر على المحاور الرئيسة لضمان انسياب الإغاثة، غير أنّ نقص التجهيزات المتخصصة يقيّد الوصول إلى الأزقّة والمناطق السكنية الأشد تضرراً. وتؤكد وكالات الأمم المتحدة أن إدخال معدات إزالة المتفجرات والروبوتات وأجهزة الكشف لا يمثّل إجراءً فنياً فحسب، وإنما شرطاً أساسياً لاستئناف الخدمات العامة وبدء إعادة الإعمار بصورة آمنة.
وتحذّر الجهات الإنسانية من أن أي عودة واسعة للسكان قبل إنجاز مسوحات ممنهجة قد تعرّض العائلات والكوادر الإغاثية لمخاطر انفجارات ثانوية، ما يهدد بتفاقم الخسائر البشرية ويؤخر جهود التعافي. وتدعو البلديات والدفاع المدني والجهات الصحية إلى تعزيز حملات التوعية المجتمعية، والتنبيه إلى ضرورة الإبلاغ عن أي جسم مشبوه والامتناع عن لمسه أو نقله، خصوصاً في المناطق التي لم تُعلن آمنة بعد من فرق المتفجرات.
في السياق نفسه، تؤكد «هانديكاب إنترناشونال» أن معالجة ملف الذخائر غير المنفجرة يجب أن تُدرج كأولوية موازية لملفات المأوى والمياه والكهرباء، وأن توفير التمويل المستدام وتمكين حركة الفرق المختصة سيحددان سرعة عودة الحياة الطبيعية. وتشدّد الأمم المتحدة وشركاؤها على أن نجاح وقف إطلاق النار واستدامة الخدمات مرتبطان بأولوية الأمن على الأرض، أي بتأمين طرق الإمداد والمرافق والمدارس والمستشفيات عبر تطهير منهجي يسبق عمليات الإصلاح وإعادة البناء.
ومع توالي عودة الأهالي إلى منازلهم، تتقاطع رسائل المنظمات الدولية والهيئات المحلية عند نقطة واحدة: الأمان الحقيقي يبدأ من إزالة الخطر غير المرئي. السماح بدخول فرق الإزالة وتجهيزاتها بشكل عاجل ليس رفاهية إجرائية، بل صمّام أمان لحماية الأرواح وتسريع فتح الطريق أمام إعادة الإعمار وعودة الخدمات الأساسية في غزة.