تحذير من أن إعادة الإعمار بلا معالجة للتلوّث ستُبقي القطاع في دوّامة أزمات

تقرير: غزة على حافة انهيار بيئي… 69% من البنية التحتية متضرّرة، 93% من الأسر بلا أمن مائي، وتوقّف كامل لمحطات الصرف

فلسطينيون يبحثون عن ذويهم بعد قصف إسرائيلي على مخيم جباليا في31 أكتوبر 2023 (رويترز).jpeg

حذّر تقرير صادر عن معهد «أرافا»—نقلته صحيفة «الإندبندنت»—من اقتراب قطاع غزة من انهيار بيئي شامل بعد نحو عامين من الحرب، بالتزامن مع عودة آلاف السكان إلى منازلهم المتضرّرة عقب إعلان وقف إطلاق النار. وبحسب التقرير، تضرّرت نحو 69% من البنية التحتية، فيما يُهدِّد تدهور البيئة الصحة العامة والأمن الغذائي والاستقرار الإقليمي.

يصف التقرير مشهدًا مركّبًا تتداخل فيه الأضرار البيئية مع تراجع مقوّمات العيش الأساسية. فـالقصف المكثّف دمّر نظمًا بيئية وأتلف الأراضي الزراعية وشبكات المياه على نحو شبه كامل، ما يعرّض قرابة مليوني شخص لأزمة إنسانية طويلة الأمد. ويقول د. ديفيد ليرر، مدير الدبلوماسية البيئية التطبيقية في «أرافا»، إن «بيئة غزة في حالة انهيار حر»؛ مياه ملوّثة، أراضٍ زراعية مدمّرة، وشبكة كهرباء متداعية «تدفع المنطقة إلى حافة الهاوية».

صحة عامة ومياه على الحافة

يفيد التقرير بأن 93% من الأسر تعاني انعدام أمن مائي، مع 8.4 لترات فقط للفرد يوميًّا—أقل من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية (15 لترًا). وتوقّفت جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي، فتُصرَّف المياه غير المعالجة في بحيرات مؤقتة مهدّدة بالفيضان إلى الشوارع والمنازل، مع خطر تسربها إلى الطبقة الجوفية الساحلية التي تمثّل المصدر الرئيسي لمياه الشرب. ونقلت المعطيات أن ما يقارب نصف الأسر أفاد بوجود مياه صرف أو مياه راكدة على بعد عشرة أمتار من ملاجئهم، بما يرفع احتمالات تفشّي الكوليرا وأمراض منقولة بالمياه.

غذاء وسبل عيش تحت الضغط

تسببت العمليات العسكرية—ومنها حركة الآليات الثقيلة—في تآكل التربة السطحية الخصبة وصعوبة نمو النباتات، ما قوّض قدرة غزة على إطعام نفسها. ويضيف التقرير أن القيود على المياه الساحلية جعلت الصيد شبه مستحيل منذ بداية الحرب، مع مقتل 120 صيادًا واضطرار كثيرين إلى العمل في مناطق خطرة قرب الشاطئ.

كهرباء منهارة واعتماد اضطراري على الوقود

تراجعت قدرة توليد الكهرباء بأكثر من 80%، وباتت الانقطاعات تصل إلى 22 ساعة يوميًّا. وتعتمد العمليات الإنسانية—وفق التقرير—على مولدات تعمل بالوقود الأحفوري في ظل انهيار الشبكة المركزية.

تعافٍ يقوده المجتمع: ثلاث مراحل

يقترح «أرافا» استراتيجية تعافٍ من ثلاث مراحل بإدارة محلية تراعي أولويات السكان:

المرحلة الاستيعابية: تلبية الحاجات العاجلة—المأوى والمياه الآمنة أساسًا.

المرحلة التكيفية: لامركزية الطاقة ومعالجة الصرف الصحي عبر حلول صغيرة وقابلة للتوسّع.

المرحلة التحوّلية: استعادة النظم البيئية، دمج المرونة المناخية في التخطيط الحضري، وإنشاء آليات حوكمة إقليمية مشتركة.

ويشير التقرير إلى تقنيات بدأت تُطبَّق في غزة، منها شبكات كهرباء صغيرة شمسية، أنظمة ترشيح بيولوجي لمياه الصرف، مولّدات المياه الجوية، ومواد بناء مصنوعة من الأنقاض المعاد تدويرها (كتل GreenCake).

منظور الصالح العام: لماذا يهم هذا الآن؟

يضع التقرير حق السكان في الماء النظيف والهواء الآمن والسكن اللائق في صلب الأولويات. ويؤكد أن التعافي البيئي ليس ترفًا أو بندًا لاحقًا لإعادة الإعمار، بل جزء تأسيسي لأي مسار يقدم حماية صحية واستقرارًا معيشيًا ويخفّض مخاطر الأوبئة وتلوّث الخزان الجوفي. كما يدعو إلى مواءمة التمويل الدولي مع المبادرات المحلية، وربط أي خطط إعمار بمؤشرات نوعية مياه الشرب، وإعادة تشغيل محطات المعالجة، وتوسيع حلول الطاقة اللامركزية، حتى لا تتحول المشاريع إلى بنى فوق أرض ملوّثة ومنظومات غير قابلة للاستدامة.

تحذير ختامي وتقدير كلفة الإعمار

يحذّر «أرافا» من أن إعمار البنية التحتية دون معالجة التلوّث والانهيار البيئي سيُبقي غزة عالقة في دوّامة أزمات متكرّرة. ويستعيد التقرير تقديرًا مشتركًا للبنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في مطلع 2025، قدّر كلفة إعادة الإعمار بنحو 53 مليار دولار.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القدس المحتلة