تقرير مراكز التضامن الإعلامي في غزة: ملجأ الصحفيين لنقل الحقيقة رغم الاستهداف والحصار

بقلم: أحمد ياسر

مركز تضامن الصحفيين.jpg

في ظل الدمار الواسع الذي طال المؤسسات الإعلامية في قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي، وجد الصحفي الفلسطيني نفسه بلا مأوى مهني، يحمل كاميرته وقلمه بين الركام والمستشفيات ومراكز الإيواء، متحديًا الخطر ليواصل نقل الحقيقة.

ومن رحم هذه الظروف القاسية، ولدت فكرة مراكز التضامن الإعلامي كمبادرة رائدة من نقابة الصحفيين الفلسطينيين، لتكون ملاذًا آمنًا ومكانًا بديلًا يضمن استمرار العمل الإعلامي، ويحافظ على الصوت الحر من الانقطاع رغم الحصار والاستهداف وانقطاع الكهرباء والاتصال. 

وتؤكد نقابة الصحفيين الفلسطينيين عبر صفحتها الرسمية على فيس بوك أن مراكز التضامن الإعلامي في قطاع غزة  توفّر الحاضنة المهنية واللوجستية للصحفيين في جميع المراكز خاصة مدينة غزة التي تعرّضت لدمارٍ واسع طال المباني والمؤسسات والبنية التحتية، مع انقطاع متكرر للكهرباء والإنترنت. وتؤمّن المراكز مساحات عمل وتحرير مشتركة وتجهيزات أساسية للاتصال عند توفر الشبكة، بما يضمن استمرار تدفق الأخبار من قلب المدينة.

ورغم القصف العنيف الذي تعرضت له مدينة غزة خلال الأيام الماضية قبل دخول وقف اطلاق حيز التنفيذ كانت الدبابات في محيط المركز مدينة غزة، ورغم ذلك واصل عشرات الصحفيات والصحفيين التغطية الميدانية والتحريرية من داخل مركز التضامن الإعلامي. وتتعهد النقابة بالاستمرار في تشغيل جيمع المراكز ما أمكن وتوسيع خدماتها، داعيةً الجهات الدولية إلى دعم استمراريته وتوفير الحماية اللازمة للعاملين في الميدان.

استقرار مهني ومواصلة التغطية

وفي هذا السياق، تحدث الصحفي محمد عدوان، الذي فقد مكان عمله خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، عن تجربته الشخصية والصعوبات الكبيرة التي واجهها خلال تلك الفترة، موضحًا أنّ "استهداف المؤسسات الإعلامية خلال هذه الهجمات المكثفة وضع الصحفي الفلسطيني في مواجهة واحدة من أصعب المراحل في تاريخ العمل الصحفي بالقطاع."

ويقول عدوان لـ "قدس نت"، إنّ الوضع لم يقتصر على تدمير المباني والمكاتب، بل شمل أيضًا المعدات التقنية وأرشيف العمل الصحفي الذي جمعه على مدار سنوات طويلة، ما مثل خسارة مزدوجة على الصعيد المهني والإنساني، مبينًا أنّ "فقدنا كل شيء تقريبًا؛ المكاتب والمعدات وحتى أرشيفنا المهني، وكنا نغطي الأحداث من الشوارع، أو من أمام المستشفيات ومراكز الإيواء، وسط دمار هائل وقصف مستمر".

ويضيف: "لم يكن هناك كهرباء أو إنترنت، ولم نجد مكانًا آمنًا نضع فيه أجهزتنا أو نعد فيه تقاريرنا، فالاحتلال لم يترك لنا مساحة آمنة للعمل، وكان الاستهداف مباشرًا لكل من يحمل كاميرا أو ميكروفونًا."

ويشير عدوان إلى أنّ هذه الظروف الصعبة أجبرت الصحفيين على ابتكار أساليب عمل بديلة، مؤكداً "اضطررنا للعمل تحت ظروف غير إنسانية، نتحرك بسرعة بين الأماكن الآمنة المتاحة، نحمل معداتنا بوزنها الثقيل ونحاول إرسال الأخبار للعالم، وكأننا نكافح على جبهتين في الوقت نفسه: جبهة البث الصحفي وجبهة البقاء على قيد العمل".

ويشدد عدوان على أنّ "مراكز التضامن الإعلامي كانت بمثابة بارقة أمل للصحفيين في ظل هذا الواقع القاسي، حيث وفرت لهم مساحة آمنة للعمل، مجهزة بالكهرباء والإنترنت، ما أتاح إمكانية استمرار إعداد التقارير والبث المباشر ونقل الحقيقة رغم الحصار والاستهداف المستمر".

ويوضح أنّ "وجود هذه المراكز أعاد لنا الإحساس بالاستقرار المهني، ومنحنا القدرة على مواصلة رسالتنا الإعلامية الوطنية والإنسانية دون انقطاع، ليبقى صوت غزة حاضراً أمام العالم، رغم كل التحديات التي نواجهها."

الصحفي يقاتل على جبهتين

من جانبه، يؤكد مجدي التلولي أنّ العدوان الأخير دمّر معظم البنية التحتية الإعلامية في قطاع غزة، ما أدى إلى انعدام شبه تام في وسائل التغطية الميدانية، وجعل عمل الصحفيين محفوفًا بالمخاطر والصعوبات على نحو غير مسبوق.

ويوضح التلولي لـ "قدس نت"، أنّه "في الأيام الأولى للعدوان، لم يكن هناك مكان نعمل منه، كنا نبحث عن إشارة إنترنت أو كهرباء لشحن أجهزتنا فقط حتى نتمكن من إرسال خبر واحد للعالم"، مشيرًا إلى أنّ "الصحفي في غزة كان يقاتل على جبهتين في الوقت نفسه: جبهة الميدان وجبهة التواصل."

ويشير إلى أنّ هذه التحديات دفعت الصحفيين للابتكار والتكيف مع الظروف الاستثنائية، وهو ما جعلهم يعتمدون على مواقع مؤقتة ومعدات محدودة جدًا لضمان استمرار العمل الإعلامي ونقل الحقيقة.

ويؤكد التلولي أنّ مراكز التضامن الإعلامي شكّلت نقطة تحول حقيقية في حياة الصحفيين، موضحًا أنّ "هذه المراكز لم تكن مجرد أماكن للعمل، بل أصبحت رمزًا للصمود وملاذًا آمنًا للصحفيين وعائلاتهم، ومتنفسًا لهم يمكنهم من الاستمرار في أداء رسالتهم الصحفية، لقد أصررنا على إبقاء الحقيقة حية، رغم كل ما واجهناه من صعوبات وحصار واستهداف مباشر."

ويشدد التلولي على أنّ المراكز ساهمت بشكل كبير في تمكين الصحفيين من العمل بكرامة وأمان نسبيين، وتوفير بيئة تسمح لهم بإعداد التقارير الصحفية والبث المباشر ونقل الأحداث اليومية للعالم، مؤكداً أنها كانت درعًا مهمًا في مواجهة محاولات إسكات الصحافة الحرة في غزة.

فروانة: المراكز حاضنة للصحفيين وعائلاتهم

وفي هذا الإطار، يوضح أمين سر نقابة الصحفيين، عاهد فروانة، طبيعة مراكز التضامن الإعلامي وأهدافها، قائلاً: "انبثقت فكرة هذه المراكز من النقابة بعد تدمير الاحتلال لكافة المؤسسات الإعلامية، ما ترك الصحفيين بلا مقرات للعمل واضطرهم للعمل من المستشفيات ومراكز الإيواء والميادين، وسط صعوبات كبيرة مثل الاستهداف المباشر وانقطاع الكهرباء والإنترنت وصعوبة التنقل".

ويشير فروانة لـ "قدس نت"، إلى أنّ "الفكرة انطلقت بدايةً من منطقة المواصي في خان يونس منتصف العام الماضي، تلاها افتتاح المركز الثاني في أكتوبر 2024، ثم المركز الثالث في مدينة غزة خلال أغسطس من العام الجاري".

ويوضح أنّ هذه المراكز تهدف إلى توفير مساحات آمنة ومجهزة للصحفيين، تتوفر فيها خدمة الإنترنت والكهرباء بشكل مستمر، ليتمكن الصحفيون من البث المباشر، رفع المواد الصحفية والإعلامية، وإعداد التقارير بكافة أشكالها وإرسالها إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية.

ويبين أمين سر النقابة، أنّ إنشاء هذه المراكز جاء بدعم من عدد من المؤسسات الدولية، على رأسها الاتحاد الدولي للصحفيين، ومنظمة اليونسكو، واتحاد الصحفيين النرويجيين، واتحاد كندا، إلى جانب نقابات واتحادات أخرى ساهمت في ضمان استمرار عمل الصحفي الفلسطيني رغم التحديات الكبيرة.
 

ويلفت فروانة إلى أنّ المراكز نظمت دورات تدريبية متخصصة للصحفيين وأنشطة دعم نفسي وتفريغ، بالإضافة إلى برامج تعليمية لأبنائهم، خاصة طلبة الثانوية العامة، من خلال توفير الإنترنت والمعلمين والكهرباء لتمكينهم من مواصلة تعليمهم رغم الظروف الصعبة، موضحًا أنّه خلال الاجتياح الأخير، ظلّ المركز الإعلامي في غزة هو الوحيد الذي تمكن الصحفيون من العمل فيه، مؤكدًا أهمية هذه المبادرة في دعم حرية الصحافة واستمرار رسالتها الوطنية والإنسانية.

ويؤكد فروانة أنّ "مراكز التضامن الإعلامي شكلت حاضنة حقيقية للصحفيين وعائلاتهم، وساهمت في استمرار التغطية الإعلامية لكشف وتوثيق جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا".

بدورها، أكدت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) أنّ "إسرائيل" مسؤولة عن نحو 95% من قتل الصحفيين في الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، معتبرة الاعتداءات انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

252 شهيدًا صحفيًا و150 مؤسسة إعلامية مدمرة

وأظهرت بيانات نقابة الصحفيين الفلسطينيين تصاعد الانتهاكات في حق الصحفيين خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مع استشهاد 252 صحفيًا وصحفية منذ 7 أكتوبر 2023، بينهم 34 صحفية، وإصابة العشرات واعتقال 153 صحفيًا، وتدمير أكثر من 150 مؤسسة إعلامية.

وأوضحت النقابة أن الاستهداف الممنهج شمل الصحفيين الميدانيين في غزة والضفة الغربية، والصحفيات بشكل مباشر، كما طالت الصحفيين الأجانب والمتعاونين معهم، مؤكدةً أن الهدف هو منع التغطية المستقلة وطمس الحقيقة

المصدر: خاص _ قدس نت - قطاع غزة