انهيار منظومة سرطان الثدي في غزة يحرم النساء حقّ النجاة

سرطان الثدي.jpg

تعيش نساء قطاع غزة واحدةً من أعنف المآسي الإنسانية المعاصرة؛ إذ طالت تداعيات الحرب كل تفاصيل حياتهن: قتلٌ ونزوحٌ متكرّر بلا مأوى آمن أو غذاء أو ماء أو كهرباء، وأمراضٌ وإصاباتٌ بلا علاج أو دواء نتيجة انهيار المنظومة الصحية. ومع حلول شهر أكتوبر الوردي للتوعية بسرطان الثدي، تُحرم آلاف النساء من فوائد الكشف المبكر بعد تدمير البنية الصحية وتعطّل تجهيزات التشخيص والعلاج.

تشير المعطيات إلى وجود أكثر من 12,500 مريض سرطان في القطاع، تشكّل النساء نحو 52% منهم، ويأتي سرطان الثدي في المرتبة الأولى بين إصابات النساء بنسبة تقارب 18.6% من إجمالي الحالات المسجّلة. وسُجِّلت خلال عام 2025 قرابة 260 إصابة جديدة بسرطان الثدي في محافظات غزة والجنوب، بمتوسط عمر للمرضى يبلغ نحو 52 عامًا.

وبفعل الضربات الواسعة على المرافق الصحية، توقّفت خدمات الوقاية والكشف المبكر لسرطان الثدي شبه كليًا بعد تدمير مراكز الرعاية الأولية وتعطّل أجهزة التصوير الطبي، بما في ذلك أجهزة الماموغراف. ويُسجَّل حاليًا جهاز واحد فقط لتشخيص سرطان الثدي في المستشفى الأهلي (المعمداني)، ما يجعل الوصول إلى الكشف المبكر شبه مستحيل أمام العدد الكبير من النساء المحتاجات للفحص. وتقتصر الجهود المتبقية على حملات توعوية محدودة لوزارة الصحة مع بعض المنظمات المحلية، وخدماتٍ سريرية بسيطة في عيادات قليلة الانتشار، فيما توقّفت البرامج الوطنية للكشف المبكر والوقاية التي كانت تشكّل ركيزة المواجهة قبل الحرب.

نتيجة ذلك، تُكتشف غالبية الحالات في مراحل متقدّمة مع تراجع فرص النجاة والاستجابة للعلاج. وحتى عند الوصول إلى التشخيص، كثيرًا ما لا يتوفر علاجٌ مناسب أو منتظم بسبب محدودية العلاج الكيماوي وتعطّل الدورات المتتابعة، فضلًا عن غياب العلاج الإشعاعي داخل القطاع.

وتفاقمت الكارثة بخروج مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني—المرفق الوحيد المتخصّص بأورام السرطان في غزة—عن الخدمة بعد تدميره بالكامل، ما أدى إلى توقّف العلاج الكيماوي والجراحي وانقطاع مئات المريضات عن خطط علاجهن أو تأجيلها قسرًا. وانعكس تأخّر التشخيص والعلاج في انتشار المرض لدى أعدادٍ متزايدة، لتجد مريضات سرطان الثدي أنفسهن أمام أزمة صحية ونفسية واجتماعية مركّبة تمتد من غياب الخدمات الأساسية إلى تدهور الحالة النفسية والمعيشية.

وتقدّم شهادة إحدى المريضات صورةً مكثّفة عن الواقع:

«في 30 أبريل/نيسان 2024 شعرتُ بكتلة في صدري. أوصى الأطباء بأخذ عيّنة ولم تتوفر إلا بعد عشرة أيام، فأُخذت في 17 مايو/أيار وسط قصف وظروف قاسية. من سبتمبر/أيلول 2024 إلى إبريل/نيسان 2025 تلقيتُ العلاج الكيماوي في المستشفى الأوروبي، مع نزوح متكرر وحرّ شديد وغياب ماء وكهرباء، حتى صارت معركتي الحقيقية بعد الخروج من المستشفى؛ أستلقي على أرضٍ رملية بلا سرير. ومع المجاعة تدهورت صحتي؛ أحتاج ماءً باردًا وغذاءً صحيًا غير متوفر. وبعد العلاج الهرموني احتجتُ إلى علاجٍ إشعاعي غير موجود في غزة، فتقدّمتُ لتحويلةٍ للخارج وما زلتُ بانتظار اسمي، وكل يوم يزداد خوفي من انتشار المرض.»
هـ.ع.، 46 عامًا، أم

ويواجه هذا الواقع مزيدًا من التعقيد بسبب النزوح المتكرر، والقلق المستمر، والتعرّض المباشر أو غير المباشر للمتفجّرات وغاز الفوسفور، إلى جانب انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية اللذين يقلّلان من فعالية العلاج ويرفعان من المضاعفات. وعلى صعيد التحويلات الطبية، لم تتمكّن إلا حالات قليلة من السفر لتلقي العلاج خارج القطاع، فيما تشير التقديرات إلى أن نحو 3,000 مريضة بحاجة ماسّة إلى تحويلٍ عاجل.

ويحذّر حقوقيون من أن حرمان النساء من الكشف المبكر وتأخير العلاج يعرّض حياتهن لـ«خطر الموت البطيء»، وأن منع المريضات من الوصول إلى العلاج داخل غزة أو خارجها أودى بحياة الكثيرات وأخضع البقية لظروف قاسية تُلحق أذى جسديًا ونفسيًا بالغًا—وهو ما يُصنّف ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية وفق توصيف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

ودعا المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى: ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين المتورّطين في جريمة الإبادة الجماعية وتنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.

والعمل على ضمان توافر علاجات السرطان داخل القطاع (الكيماوي، الهرموني، الإشعاعي) أو تسهيل التحويلات للخارج—including الضفة الغربية والقدس الشرقية—مع متابعةٍ دورية لضمان انتظام العلاج.

وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية المتضررة، وخاصة المتخصّصة بأورام السرطان، لضمان استمرارية الخدمات العلاجية الأساسية والحرجة.

وبين انهيار القدرة التشخيصية والعلاجية وارتفاع عبء المرض، تبقى نساء غزة في قلب أزمةٍ صحيةٍ ممتدّة لا تزال تنتظر نافذةَ تدخلٍ جاد تُعيد تشغيل مسارات الوقاية والكشف والعلاج، وتكفل حقهنّ في الحياة والرعاية.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة