غزة بين الغلاء والحصار: الغرف التجارية تُطلق منظومة رقابة ومساءلة لردع الاحتكار وضبط الأسعار وحماية المستهلك

041125_Gaza_OSH_1_00(5).jpg

مع تصاعد شكاوى السكان من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتفاوت جودتها، دفعت الغرف التجارية في قطاع غزة باتجاه تفعيل أدوات رقابة مدنية على السوق في ظل تراجع الدور الرسمي واستمرار تداعيات الحرب على سلاسل الإمداد. ويقول مسؤولو الغرف إن الهدف هو كبح المضاربات وضمان تسعيرٍ عادل للمواد الأساسية، مع إبقاء قنوات توريد الدقيق والمياه والوقود والأدوية مفتوحة قدر الإمكان.

قال عائد أبو رمضان، رئيس اتحاد الغرف التجارية في قطاع غزة، إن دوائر حماية المستهلك تتبع وزارات الاختصاص، لكن الغرف بادرت منذ الأيام الأولى للحرب إلى تشكيل لجنة طوارئ لمتابعة السوق يوميًا. وأوضح أن الفرق المختصة ترصد الأسعار بصورة مستمرة وتصدر نشرات توجيهية للتجار بغرض البيع وفق أسعار عادلة، بالتوازي مع حملات توعية للمستهلكين ومنصات لاستقبال الشكاوى عن حالات الاستغلال. وأضاف أن الاتحاد يرفع تقارير دورية للجهات الوطنية والدولية لشرح أثر القيود على المعابر والطرق والاشتراطات اللوجستية في مستويات الأسعار وتوفّر السلع، مطالبًا بتسهيل إدخال المواد الضرورية بلا عوائق.

وتعكس قائمة المعيقات صورة سوقٍ تعمل تحت ضغطٍ غير مسبوق: معابر لا تلبّي سوى جزء يسير من احتياجات السكان، بنية تحتية تجارية مخربة تعطل النقل والتخزين والتبريد، نقص حاد في الوقود وانقطاع طويل للكهرباء يعوق تشغيل المنشآت، وفقدان للسيولة النقدية وتآكل في القدرة الشرائية لدى الأسر، ما يفاقم الهشاشة الغذائية ويعمّق الركود. ويقول أبو رمضان إن هذا المزيج جعل ضبط السوق أكثر تعقيدًا، لكنه شدد على أن «الغالبية العظمى من التجار كانت جزءًا من الحل»، مؤكّدًا استمرار توريد السلع وتقديمها بأسعار «مقبولة» رغم الخسائر. وفي المقابل، تحدّث عن «قلّة محدودة» اتُّهمت بالاحتكار ورفع الأسعار، مطالبًا بمحاسبتها حمايةً للمستهلك وسمعة القطاع الخاص.

من جانبه، يعترف رياض السوافيري، منسّق اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة وصناعة غزة، بوجود فجوات موضوعية يصعب سدّها في الظروف الراهنة، أبرزها غياب الأجهزة التنفيذية والرقابة الرسمية المنتظمة، وضعف الإمكانات البشرية واللوجستية اللازمة لجولات تفتيش يومية. وبحسب السوافيري، فإن تعدد قنوات دخول البضائع والمساعدات من دون تنسيق مركزي أضعف السيطرة على الجودة وتواريخ الصلاحية، فيما دفعت الأولويات الإنسانية الملحّة إلى تراجع اهتمام المؤسسات المختصة بمسائل الجودة والسلامة. ويرى أن تداعيات هذا الواقع ظهرت في انفلات الأسعار وتفاوتها بين منطقة وأخرى تبعًا لمصادر التوريد وصعوبات الوصول، وانتشار سلع مجهولة المصدر أو منخفضة الجودة في بعض الأسواق، وبيع جزءٍ من المساعدات بدل وصولها إلى مستحقيها، الأمر الذي ضرب ثقة المستهلك وأخلّ باستقرار السوق.

وفي ظل هذا الفراغ، تدفع الغرف التجارية بحزمة إجراءات بديلة مؤقتة ريثما تستعيد مؤسسات إنفاذ القانون حضورها. وتشمل هذه الحزمة تشكيل لجان طوارئ اقتصادية مشتركة تضم الغرف والبلديات ومؤسسات المجتمع المدني ولجان الأحياء لتنسيق المتابعة الميدانية، وإطلاق نظام بلاغات مبسّط—ورقي أو إلكتروني—لتلقي شكاوى المستهلكين عن السلع الفاسدة والأسعار المبالغ فيها، وحملات توعية عبر الإذاعات ومنصات التواصل لتمكين الجمهور من فحص تواريخ الصلاحية والإبلاغ عن المخالفات. كما تدرس الغرف نشر «قوائم بيضاء» للتجار الملتزمين وأخرى «سوداء» للمخالفين كأداة ردع معنوية ومهنية، إلى جانب توسيع التنسيق مع وكالات الإغاثة لضمان مطابقة الشحنات للمواصفات وتفادي تكرار دخول منتجات غير صالحة، وتعزيز الرقابة الذاتية داخل القطاعات عبر كبار التجار ونقابات الاختصاص.

وعلى المدى القريب، يدفع ممثلو القطاع الخاص نحو مسارات مكمّلة لضبط الأسعار، في مقدمتها فتح حركة البضائع والأفراد عبر جميع المعابر دون قيود استثنائية لتخفيف الاختناقات وتهدئة السوق، وتوفير دعمٍ دولي يمكّن الشركات المحلية من استعادة قدرتها على الاستيراد والتوزيع بعد أن تبخرت رؤوس أموال واسعة خلال الحرب. ويقترحون كذلك برامج دعمٍ نقدي مؤقتة للفئات الأكثر هشاشة لتمكينها من الشراء من السوق المنظّمة بدل الاعتماد على قنوات غير رسمية، إلى جانب رفع القيود المالية عن السكان وتفعيل أدوات الدفع الإلكترونية لتقليل الاعتماد على النقد الورقي، بما يسهل التتبع ويحدّ من التسعير غير المنضبط.

تؤكد هذه التحرّكات أن ضبط الأسعار في غزة لم يعد مجرّد شأنٍ رقابي تقليدي، بل معادلة معقّدة تتقاطع فيها لوجستيات المعابر والبنية التحتية والطاقة والسيولة وثقة المتعاملين. وبين رقابة مدنية تملأ فراغ الدولة وإجراءات استثنائية لتأمين السلع الأساسية، يظل استقرار السوق رهينًا بإزالة العوائق أمام الإمدادات، وعودة أجهزة الإنفاذ للقيام بدورها، وتعاونٍ وثيق بين الغرف التجارية والتجار والمجتمع والجهات الدولية يوازن بين حماية المستهلك واستدامة النشاط الاقتصادي.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة