غزة بعد وقف إطلاق النار: عودة الشوكولاتة والسجائر إلى الرفوف وسط نقصٍ في الأساسيات

اسواق مدينة غزة.webp

تابعت وكالة قدس نت للأنباء، من خلال مراسليها الميدانيين داخل قطاع غزة، حالة السوق، حيث سمحت إسرائيل عقب وقف إطلاق النار بدخول أصنافٍ كمالية إلى أسواق القطاع، من بينها الشوكولاتة والسجائر والقهوة ومكوّنات الحلويات وأجبان تُوصَف بـ«الفاخرة»، بينما تستمرّ قيودٌ على سلعٍ أساسية مثل اللحوم بأنواعها والبيض والأسماك والألبان الاعتيادية والخضروات.

ويقدّم ناشطون ومديرون في منظمات مجتمع مدني هذا المشهد باعتباره دليلاً على «هندسة الشبع الزائف»، أي رفع الأوزان ظاهرياً عبر أطعمةٍ عالية السعرات ومنخفضة القيمة الترميمية، من دون معالجة سوء التغذية المتراكم بعد نحو 700 يوم من حرب الإبادة الجماعية والحصار المشدّد.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إنّ إجمالي ما دخل إلى القطاع منذ بدء سريان وقف إطلاق النار وحتى مساء الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 بلغ 4,453 شاحنة من أصل 15,600 شاحنة كان يفترض دخولها بموجب تفاهمات اتفاق وقف إطلاق النار المعلنة، أي ما نسبته 28%. وأضاف المكتب أنّ متوسط الدخول اليومي وصل إلى 171 شاحنة مقارنةً بـ600 شاحنة يُفترض دخولها يومياً وفق «البروتوكول الإنساني». وبحسب المكتب، تضمّنت القوافل 31 شاحنة محمّلة بغاز الطهي و84 شاحنة سولار لتشغيل المخابز والمستشفيات والمولدات والقطاعات الحيوية.

وتقول المعطيات إنّ الجزء الأكبر مما يُسمح بدخوله ينتمي إلى مجموعة الكربوهيدرات والسكريات والنشويات والوجبات المصنّعة والمشروبات الغازية وشرائح البطاطس (الشيبس)، إلى جانب القهوة ومكوّنات الحلويات وبعض الأجبان المصنّفة «فاخرة» والسجائر. وتضيف المعطيات أنّ قائمة المنع تشمل أكثر من 350 صنفاً من الأغذية الأساسية التي يحتاجها الأطفال والمرضى والحوامل وذوو المناعة الضعيفة، وتضمّ – وفقاً للقائمة المرفقة – بيض المائدة واللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك والأجبان ومشتقات الألبان الاعتيادية والخضروات والمكمّلات الغذائية، إلى جانب أصناف خاصة بالرعاية التغذوية.

ويقول المتابعون إنّ الأسعار في السوق المحلية قفزت بما يصل إلى 15 ضعفاً من القيمة الحقيقية نتيجة التحكّم بسلاسل الإمداد، ما يخلق فجوة بين ما يمكن للأسر تحمّله مالياً وما تحتاجه صحياً.

شهادات محلية: «نرفع أوزاننا ولا نستعيد عافيتنا»

قال الناشط الحقوقي عبد الله شرشرة إنه فقد 20 كيلوغراماً من وزنه خلال الشهور الماضية، وإنّ الزيادة الأخيرة في وزنه «لا تعكس تعافياً»، بل ترتبط – على حدّ قوله – بالاضطرار إلى تناول أطعمةٍ مرتفعة الدهون والسكريات مما يُسمح بدخوله. وأضاف شرشرة أنّ السكان «يُدفَعون إلى رفع أوزانهم بشكلٍ ممنهج لإظهار أنّ المجاعة انتهت»، مشيراً إلى ما وصفه بـ«منع دخول اللحوم إلا بكمياتٍ ضئيلة جداً»، مقابل «وفرة في منتجات مثل جبنة الموتزاريلا».

وأضاف مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، إنّ «البضائع المتوافرة في أسواق القطاع هي في معظمها من الكماليات وأسعارها مرتفعة جداً»، وإنّ فرق العمل «ما زالت تكتشف يومياً حالات سوء تغذية»، مضيفاً أنّه «لم تدخل أي معدات لاستصلاح الآبار اللازمة لإعادة ضخ مياه الشرب»، وهو ما يربط بين الغذاء والماء كشرطين متلازمين للصحة العامة.

وأظهرت المتابعة على منصات التواصل الاجتماعي مشاهداتٍ محلية عن أنّ بعض العائلات نجحت في إعداد أطعمة «ترفيهية» مثل البيتزا للمرة الأولى منذ أشهر، لكنّ السلع العلاجية والأساسية بقيت شحيحة أو بعيدة المنال. ويقول تجار محليون لوكالة قدس نت إنّ رفوفاً امتلأت بقطع الشوكولاتة والمشروبات الغازية والبسكويت، في حين ظلّت اللحوم والألبان الاعتيادية والخضروات الطازجة نادرة أو باهظة.

الأثر البنيوي: طعام مرتفع السعرات… منخفض القيمة العلاجية

تشير المعطيات إلى أنّ التحسّن الوزني لدى بعض السكان لا يرتبط بتعافٍ غذائي حقيقي، بل بتناول سلعٍ عالية السعرات ولا تحتوي على ما يكفي من البروتينات والفيتامينات والمعادن اللازمة لإيقاف سوء التغذية. ويقول مختصون محليون إنّ هذه الفجوة بين الوزن الصحي والمؤشرات التغذوية تُبقي المناعة العامة منخفضة، خصوصاً لدى الأطفال والحوامل وذوي الأمراض المزمنة، وتزيد من مخاطر المضاعفات حتى مع ارتفاع رقم الميزان.

ويقدّم بعض المراقبين وخبراء التغذية هذا المشهد باعتباره «هندسة للتجويع» أو «تحكّماً بالأمن الغذائي»؛ أي صياغةً لسلة المعروض الغذائي على نحوٍ يسمح برفع الأوزان ظاهرياً وإظهار صورةٍ أقلّ قتامة، من دون الولوج إلى جوهر المشكلة: النقص الحقيقي في البروتينات والخضروات والألبان الاعتيادية والمكمّلات، وتدفّق الوقود والمياه اللازمين لتحويل المؤن إلى غذاءٍ آمن.

الوقود والمياه: شرايين مخنوقة لسلسلة الغذاء

أرقام المكتب الإعلامي الحكومي عن الوقود والغاز (84 شاحنة سولار و31 شاحنة غاز الطهي) تُبرز – وفق المعطيات – محدودية قدرة البنية التحتية على تشغيل المخابز والمولدات والمستشفيات، وعلى الطهي الآمن وحفظ الطعام داخل المنازل. كما أنّ عدم دخول معدات استصلاح الآبار، بحسب ما ورد، يقيّد إعادة ضخ مياه الشرب النظيفة، ما يعني أنّ السلامة الغذائية تبقى معرّضة للخطر حتى عندما تتوافر بعض المؤن الجافة.

ويقول المكتب إنّ هذه العناصر مجتمعةً – نوعية السلع ومحدودية الطاقة وشحّ المياه – تعمّق أثر القيود على الأسواق والصحة العامة، وتحوّل ما يبدو تحسّناً شكلياً إلى واقعٍ تغذوي هشّ.

الأسعار والقدرة الشرائية: معروض وفير… وكلفة مرهقة

تقول المعطيات إنّ الأصناف المتاحة تُباع بأسعار «تفوق قيمتها الحقيقية بأكثر من 15 ضعفاً» بفعل التحكّم بسلسلة الإمداد. وعلى مستوى السلوك الاستهلاكي، يعني ذلك – بحسب الشهادات – أنّ الأسر تشتري ما هو متاح، لا ما هو مطلوب طبياً. وتؤدي هذه الفجوة إلى استنزاف الميزانيات من دون تحسّنٍ يُقاس في المؤشرات الصحية، وتزيد من معامل المخاطرة لدى الفئات الهشّة.

ما الذي تطلبه الجهات المحلية؟

تفيد المعطيات بأنّ الجهات الحكومية في غزة، التي ينحصر عملها في تقديم الخدمات الإنسانية، تؤكّد الاستعداد لتسهيل وتنسيق إدخال وتوزيع المساعدات بالتعاون مع المنظمات الأممية والهيئات الإغاثية العربية والدولية، على أن يتدفّق يومياً ما لا يقلّ عن 600 شاحنة تشمل الغذاء والدواء والوقود وغاز الطهي ومستلزمات القطاع الصحي. ويقول مقدّمو المعطيات إنّ الكميات الحالية لا تلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية والطبية لأكثر من 2.4 مليون من السكان.

وتظهر عودةٌ لافتة لسلعٍ كمالية إلى الرفوف، يقابلها نقصٌ في الأساسيات وقيودٌ على الوقود والمياه. وتقول الأرقام الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي إنّ ما دخل من شاحناتٍ حتى 6 نوفمبر/تشرين الثاني هو 4,453 من أصل 15,600 (28%) بمعدّل 171 يومياً مقابل 600 مطلوبة. وتدعم الشهادات سردية «الشبع الزائف» عبر التركيز على نوعية الغذاء لا كميته فحسب، وعلى أنّ ارتفاع الأوزان لا يعني بالضرورة تحسّن المؤشرات التغذوية.

وتؤكّد الجهات المحلية استعدادها لتسهيل إدخال المساعدات بالتعاون مع الشركاء الدوليين، فيما تبدو قائمة المنع طويلة، والأسعار مرتفعة، والتدفّق اللوجستي أقلّ من الحدّ الأدنى الذي تقول المعطيات إنّه مطلوب للحفاظ على مقوّمات الحياة الأساسية. وفي غياب تعليقٍ مقابِل ضمن المواد المتاحة، تبقى الأرقام المنسوبة إلى المكتب الإعلامي الحكومي وشهادات النشطاء ومديري الشبكات الأهلية هي الإطار المرجعي لقراءة المشهد الراهن في غزة.

وما يزال قطاع غزة يواجه آثار الحرب الإسرائيلية التي بدأت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 238 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومجاعة أودت بحياة كثيرين، فضلًا عن دمار شامل طال معظم مناطق القطاع، وسط تجاهل دولي لأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العدوان.

وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق مرحلي بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة "حماس"، إثر مفاوضات غير مباشرة في شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أميركي.

وبموجب الاتفاق، أطلقت "حماس" في 13 تشرين الأول/أكتوبر سراح 20 أسيرًا إسرائيليًا أحياء، فيما تشير تقديرات إسرائيلية إلى وجود 7 جثامين يجري العمل على انتشالهم لتسليمهم وفق الآلية المتبعة.

وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي لم تستجب إسرائيل لها حتى الآن، تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" لتسيير الأمور في قطاع غزة، ومتابعة تدفّق المساعدات ومشاريع إعادة الإعمار، وسط تحذيرات من أن أي إدارة لا تستند إلى وحدة وطنية وسيادة فلسطينية حقيقية، ستبقى عرضة للتفكك والابتزاز السياسي.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة