طفل في السابعة من لندن يطلق مبادرة بالدراجة لتأمين مستلزمات شتوية لعائلات في غزة

رسومات الطفل معاذ من لندن

بقلم روان عبد العاطي :- أطلق طفل مقيم في لندن، لا يتجاوز عمره سبعة أعوام، مبادرة فردية لجمع التبرعات لصالح عدد من العائلات المتضررة في قطاع غزة، انتهت بتوفير فرشات وبطانيات واحتياجات شتوية عاجلة لهم، في نموذج لافت على انخراط الأطفال في حملات التضامن مع غزة من خارج فلسطين.

الطفل مُعاذ، ذو السبع سنوات، يعيش حياته اليومية في أحياء لندن الهادئة، لكن اهتمامه يتجاوز حدود مدينته ليصل إلى غزة. فبحسب عائلته، لم يكن مجرد متابع للأخبار، بل حمل منذ وقت مبكر رغبة واضحة في القيام بعمل يساعد «أطفال غزة» كما يصفهم.

ينتمي مُعاذ إلى أسرة معروفة باهتمامها بالعمل الإنساني؛ إذ تعمل والدته أستاذة في الشريعة، بينما يدير والده مؤسسة "سقيا" ذات البرامج الإغاثية في عدد من الدول. وفي هذا السياق الأسري، تشبّع الطفل بقيم العدالة والتكافل والانتماء، وتكوّنت لديه صورة مبكرة عن فلسطين وغزة بوصفهما جزءًا من قضايا الإنسان العادلة، كما توضح الأسرة.

من الرسومات إلى الارتباط بغزة

تقول والدة مُعاذ، في إفادتها لصديقة للعائلة مقيمة في غزة، إن ارتباط ابنها بالقطاع بدأ من خلال رسوماته. فقد اعتادت أن تراه يرسم قلوبًا وأعلامًا ورسائل قصيرة، قبل أن تتحول هذه الرسومات إلى تعبير واضح عن موقفه من القضية الفلسطينية.

في إحدى رسوماته، رسم قلبًا يتوسطه علم فلسطين، وكتب بداخله كلمة "Free"، وأرفقها باسم صديقة العائلة في غزة بالإنجليزية "Aunty Rawan"، مضيفًا قطة وزهرة، وهما رمزان يعرف أنهما يعنيان لها الكثير. وفي لوحة أخرى، رسم المسجد الأقصى محررًا، وصوّر نفسه واقفًا أمامه برفقة الصديقة ذاتها، التي لم يلتقِ بها شخصيًا، لكنه يدرك أنها تعيش في غزة.

وتنقل والدته أنه قال وهو يعلّق على تلك اللوحة إنه يرسم نفسه وصديقته في اليوم الذي «يكون فيه الأقصى حرًا»، في إشارة مبسطة إلى حلمه المبكر بالحرية، وفق تعبير العائلة.

WhatsApp Image 2025-11-17 at 10.26.29 PM.jpeg
WhatsApp Image 2025-11-14 at 11.32.21 PM.jpeg
WhatsApp Image 2025-11-17 at 10.26.28 PM.jpeg
فكرة «زهور لغزة» تتحول إلى حملة تبرعات

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وبعد نحو أسبوعين من مشاركته في أول مظاهرة داعمة لفلسطين في لندن برفقة أسرته، طرح مُعاذ فكرة مبادرته الأولى. ففي أحد الصباحات، توجّه إلى والدته قائلًا إنه يريد «إرسال زهور لأطفال غزة كي يسعدهم».

وبعد نقاش داخل الأسرة، أوضحت له والدته أن إرسال الزهور إلى غزة غير ممكن في ظل الظروف الميدانية والحصار، واقترحت بديلاً عمليًا يتمثل في جمع التبرعات لصالح العائلات المتضررة. وعندما سألته عمّا يمكن أن يقدمه بنفسه، أجاب على الفور: «أنا بارع في ركوب الدراجة».

انطلقت من هذه الجملة فكرة تحدٍّ بالدراجة الهوائية، يتحول فيه جهد الطفل إلى وسيلة لجذب الانتباه وتشجيع المتبرعين.

تحديات على الدراجة لجمع التبرعات 

اتفق مُعاذ مع أسرته على تنفيذ تحدٍّ أول يقوم على قطع 24 ميلًا بالدراجة خلال سبعة أيام داخل العاصمة البريطانية. وجرى ربط هذا التحدي بحملة لجمع التبرعات، على أن يوجَّه ريعها إلى غزة عبر قناة موثوقة لدى العائلة.

وبحسب ما تؤكده الأسرة، لم يكتفِ الطفل بإكمال التحدي، بل أنهى المسافة المقررة خلال ستة أيام فقط، فيما نجحت الحملة في جمع ما يقارب 4000 جنيه إسترليني لصالح أطفال وأهالي في القطاع.

ومع استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، طلب مُعاذ خوض تحدٍّ ثانٍ، مضاعف هذه المرة، يقوم على قطع 48 ميلًا خلال أسبوع واحد. وبعد مراعاة التزاماته الدراسية وظروف عمل والديه، جرى التوافق على هدف معدل يبلغ 40 ميلًا. ورغم ذلك، تجاوز الطفل الهدف المرسوم، وتمكّن من قطع 43 ميلًا خلال سبعة أيام، من بينها يومان قطع في كل واحد منهما 11 ميلًا، وفق العائلة.

من أميال في لندن إلى دفء في خيام غزة

تولت صديقة العائلة في غزة استلام المبلغ المحوّل بالكامل، وتنسيق عملية توزيع المساعدات على عدد من العائلات المتضررة، بالتزامن مع اقتراب أول منخفض جوي شتوي شهدته المنطقة.

وبحسب صديقة العائلة، جرى توجيه الجزء الأكبر من التبرعات إلى توفير فرشات وبطانيات ومستلزمات شتوية عاجلة، لصالح أسر تقطن في خيام أو مساكن متضررة. وجاء ذلك في وقت كانت فيه موجات البرد والأمطار تتسبب في تسرب المياه إلى داخل الخيام، وتعرّض الأطفال والمرضى خصوصًا لمخاطر صحية متزايدة.

وتشير الصورالتي وصلت للأسرة من غزة إلى أن المساعدات ساهمت في تدفئة عدد من العائلات، وتوفير غطاء أفضل لمواجهة ظروف الطقس القاسية، من خلال فرشات جديدة وبطانيات أكثر سماكة، بما خفف من معاناة المتضررين في بعض المواقع المستهدفة.

WhatsApp Image 2025-11-17 at 10.36.55 PM.jpeg
WhatsApp Image 2025-11-17 at 10.36.57 PM.jpeg
WhatsApp Image 2025-11-17 at 10.36.58 PM.jpeg
 

مبادرة فردية ضمن موجة تضامن أوسع

وتأتي مبادرة مُعاذ في سياق أوسع من حملات التضامن الشعبية التي أطلقها أفراد وجاليات عربية وإسلامية وغيرها في أوروبا خلال الفترة الماضية دعمًا لغزة، إلا أن اللافت فيها هو أن صاحبها طفل في السابعة، اختار أن يجعل من مهارته في ركوب الدراجة وسيلة عملية لمساندة عائلات لم يلتقِ بها من قبل.

ووفق الأسرة، يستعد مُعاذ الآن لتحديات جديدة مشابهة، مع إدراك أكبر لتأثير ما يقوم به على حياة الآخرين. وتؤكد العائلة أن الهدف من دعم هذه المبادرة لا يقتصر على جمع التبرعات، بل يتعداه إلى ترسيخ قيم المسؤولية والتكافل لدى جيل صغير ينشأ بعيدًا جغرافيًا عن فلسطين، لكنه يشعر بقربٍ معنوي منها.

بهذه الخطوات البسيطة في ظاهرها، التي بدأت برسمة لقلب يحمل علم فلسطين، ثم بفكرة «زهور لغزة»، وصولًا إلى عشرات الأميال على دراجة صغيرة في شوارع لندن، تحوّل جهد طفل واحد إلى وسيلة لتأمين الحد الأدنى من الدفء والأمان لعدد من العائلات في قطاع غزة، في قصة إنسانية تقول الكثير عن قدرة المبادرات الفردية، مهما بدت متواضعة، على صناعة أثر حقيقي.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - غزة - لندن