جرف الجيش الإسرائيليّ جثامين ضحايا فلسطينيين إلى قبور ضحلة مجهولة قرب معبر "زيكيم" شماليّ قطاع غزة، وفي حالات أخرى تُركت رفاتهم مكشوفة تتعرّض للتحلّل في العراء، وذلك بحسب تحقيق استقصائي أجرته شبكة "سي إن إن" الأميركية.
واستند التحقيق إلى مئات مقاطع الفيديو والصور الملتقطة من محيط معبر "زيكيم"، إلى جانب مقابلات مع شهود عيان وسائقي شاحنات مساعدات محليين.
وأشار التحقيق إلى أن فلسطينيين من طالبي المساعدات الإنسانية في غزة استُشهدوا بنيران إسرائيلية عشوائية بالقرب من المعبر. كما أظهرت صور أقمار اصطناعية نشرها التحقيق وجود نشاط تجريف إسرائيلي متواصل طوال الصيف الماضي في المناطق التي استُشهد فيها الفلسطينيون من طالبي الإغاثة.
وبرّر الجيش الإسرائيلي استخدام الجرافات في تلك المنطقة بأنه "إجراء روتيني يستهدف أغراضًا عملياتية، مثل التعامل مع التهديدات المتفجّرة أو الاحتياجات الهندسية الروتينية"، وفق ما نقلته "سي إن إن".
ونقل التحقيق عن شاهدَي عيان تحدّثا للشبكة في 15 حزيران/يونيو الماضي، أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار باتجاه حشد من الفلسطينيين الجائعين الذين كانوا يتجهون نحو شاحنة مساعدات قادمة من المعبر. وأكّد الشاهدان أن العديد من الأهالي أُصيبوا بالرصاص، وسقطوا تحت الشاحنات، فيما لم يُسمح لسيارة إسعاف تابعة للدفاع المدني بالوصول إلى المنطقة إلا بعد عدة أيام.
كما نقل التحقيق عن أحد عمال الدفاع المدني، فضّل عدم الكشف عن هويته، قوله: "الجثث التي انتشلناها كانت متحلّلة، وكانت هناك علامات على أن الكلاب أكلت أجزاءً منها".
وفي شهادة أخرى نقلتها الشبكة الأميركية، قال أحد السائقين الذين ينقلون المساعدات عبر طريق المعبر إنه كان يرى "جثثًا في كل مرة يعبر فيها عبر زيكيم"، مضيفًا: "شاهدت الجرافات الإسرائيلية تدفن الجثث".
وإلى جانب هذه الشهادات، تُظهر صور الأقمار الاصطناعية والصور الفوتوغرافية وجودًا ثابتًا للجرافات الإسرائيلية من أواخر تموز/يوليو حتى أوائل آب/أغسطس الماضي. كما تظهر علامات نشاط للجرافات قرب معبر "زيكيم" بدءًا من منتصف حزيران/يونيو، بعد فتح طريق المساعدات مباشرة، وحتى 12 أيلول/سبتمبر، تاريخ إغلاقه.
وفي حالات أخرى، تُظهر صور الأقمار الاصطناعية نشاط جرافات دون غرض واضح، كما حدث عندما دفعت جرافة مساحة تبلغ 30 مترًا مربعًا من التربة في منتصف حزيران/يونيو الماضي، إلى بُعد نحو 400 متر من موقع شاحنة مقلوبة كان قد تعامل معها عمال الدفاع المدني قبل أيام قليلة من ذلك.
كذلك نقل التحقيق عن شاهد عيان يُدعى عادل منصور، أنه ذهب إلى المنطقة نفسها بحثًا عن ابنه البالغ من العمر 17 عامًا، مضيفًا: "وجدت الجثث هناك، وقد جرفتها الجرافات مع صناديق المساعدات، لقد رُصّت فوق بعضها البعض".
يُذكر أن هذه الممارسات لم تقتصر على منطقة معبر "زيكيم"، بل تكرّرت في مناطق عدّة بقطاع غزة خلال الحرب التي شنّها الجيش الإسرائيلي على القطاع.
وفي هذا السياق، أفاد عسكري إسرائيلي خدم في أحد المراكز العسكرية بمحور "نتساريم" أنه، في مطلع عام 2024، تُركت جثامين تسعة مدنيين ليومين تقريبًا كي تتحلّل حول القاعدة، وخلال تلك الفترة التهمت الكلاب أجزاءً منها. وفي أواخر عام 2023، ذكر عسكري آخر خدم في مركز القيادة المسؤول عن الإشراف على القوات الإسرائيلية في غزة، أنه تقرّر من قِبل الضباط دفع جثمان فلسطيني استُشهد إلى حفرة بجانب الطريق باستخدام جرافة.
وبدعم أميركي، شنّت إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الحرب على غزة، والتي خلّفت أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء. وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر 2025، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل أسرى بين حركة "حماس" وإسرائيل، وفقًا لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكان يُفترض أن ينهي اتفاق وقف إطلاق النار الحرب، لكن إسرائيل تخرقه يوميًا، ما أسفر عن مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين الإضافيين، فضلًا عن منعها إدخال قدر كافٍ من الغذاء والدواء إلى غزة، حيث يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني في أوضاع لا إنسانية كارثية.
