مصطفى إبراهيم
يتناول محللون إسرائيليون، مساعي حركة حماس للبقاء لاعباً مركزياً في "اليوم التالي" للحرب، لا من بوابة القوة العسكرية، بل عبر الفراغ السياسي الذي خلّفته إسرائيل نفسها. فبحسب المتابعة في الصحافة الإسرائيلية، ولا سيما مقالات الرأي والتحليل في صحيفة هآرتس، فإن غياب تصور عملي وواقعي لإدارة غزة، واحتمال فشل مشروع تشكيل "قوة الاستقرار" الدولية، يفتحان الباب أمام السيناريو الذي حاولت إسرائيل نفيه منذ اليوم الأول للحرب: حماس، رغم الضربات الهائلة، ما زالت الجهة الأكثر تنظيمًا وقدرة على ملء الفراغ.
تسفي برئيل، أحد محللي الشؤون العربية والفلسطينية في هآرتس، يكتب أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما صادقت عليها قرارات دولية، تطالب الدول المشاركة في القوة متعددة الجنسيات بما يتجاوز بكثير ما هي مستعدة لتحمّله، وعلى رأس ذلك نزع سلاح حماس بالقوة. هذه المهمة، كما يعترف محللون إسرائيليون، لا ترغب أي دولة في تبنّيها، لا عربية ولا إسلامية، خشية الغرق في مواجهة مباشرة مع المجتمع الفلسطيني في غزة، وما قد يترتب على ذلك من أثمان سياسية وأمنية داخلية.
هذا القلق ليس توقعاً نظرياً، بل خلاصة تحليل سياسي إسرائيلي بارد. فإسرائيل، وفق هذا التحليل، أرادت قوة إنفاذ لا تتحمّل مسؤولية الاحتلال، وتفكيك حماس من دون كلفة المواجهة المباشرة، وإدارة غزة من دون أن تظهر كمن يديرها. النتيجة، كما يقرّ المحللون أنفسهم: لا قوة دولية، ولا إدارة بديلة، ولا خطة قابلة للتنفيذ.
في هذا الفراغ، يشير عدد من المحللين الإسرائيليين إلى أن حماس بدأت تتحرّك سياسيًا أكثر من تحرّكها عسكريًا، وتقدّم رسائل محسوبة إلى واشنطن عبر تصريحات خالد مشعل، تتحدّث عن وقف طويل لإطلاق النار، وتجميد السلاح، والاستعداد للعمل مع المجتمع الدولي. الهدف، كما يُقرأ في إسرائيل، هو إقناع الولايات المتحدة بالتفاوض مع الحركة مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وتقديمها باعتبارها الطرف الوحيد القادر على إخراج خطة ترامب من المأزق الذي علقت فيه، من دون الانزلاق إلى جولة حرب جديدة في غزة.
هذه اللغة البراغماتية لا تعبّر بالضرورة عن تحوّل أيديولوجي في خطاب حماس، لكنها تكشف بحسب التحليل الإسرائيلي قدرة الحركة على قراءة موازين القوى، واستثمار اللحظة السياسية، والتناقضات بين المواقف الأميركية، والعربية، والإقليمية.
ورغم التشكيك الإسرائيلي المستمر في قدرة القيادة السياسية لحماس على فرض قراراتها على الميدان، يعترف محللون إسرائيليون بأن صفقة الأسرى كشفت مستوى عالياً من الانضباط والسيطرة داخل الحركة، وهو ما يناقض الرواية الإسرائيلية التي حاولت تصويرها كتنظيم مفكك.
الأخطر في التحليل الإسرائيلي ليس ما تقوله حماس، بل ما لم تقوم إسرائيل بفعله. فالدول العربية والإسلامية المدعوّة للمشاركة في قوة الاستقرار كما يعترف الإسرائيليون تخشى أن تُصوَّر كقوة احتلال بديلة، تطلق النار على فلسطينيين بدلًا من الإسرائيليين. تركيا، أذربيجان، باكستان، وحتى مصر وقطر، جميعها تضع خطوطًا حمراء أمام أي مهمة تتجاوز "حفظ الهدوء" إلى "فرضه بالقوة".
وهنا تكمن المفارقة التي يلتقطها المحللون الإسرائيليون بقلق: إذا لم يُنزع سلاح حماس، ستُتَّهَم الخطة بالفشل؛ وإذا أُصِرّ على نزع السلاح بالقوة، فلن تقوم قوة دولية أصلًا. هذا المأزق، من وجهة نظر إسرائيلية، يمنح حماس فرصة للظهور مجددًا كعنوان سياسي "لا يمكن تجاوزه"، لا لأنها انتصرت عسكريًا، بل لأن البديل الذي وعدت به إسرائيل لم يولد.
التحليل الإسرائيلي لا يذهب إلى حد تبرئة حماس، لكنه يقرّ بأن إسرائيل علّقت مصير غزة على خطة أميركية غير ناضجة، وعلى رهان بأن الآخرين سيقومون بالمهمة القذرة نيابة عنها. وعندما تبيّن أن هذا الرهان فشل، لم يبقَ سوى خيارين: عودة الاحتلال الإسرائيلي المباشر، أو القبول بواقع سياسي يُعاد فيه تعريف دور حماس، ولو من الباب الخلفي.
ما يقوله المحللون الإسرائيليون بوضوح هو أن الحرب التي رُفعت لها شعارات "القضاء على حماس" انتهت إلى نتيجة معاكسة: حركة مُنهكة لكنها باقية، قطاع مدمَّر بلا إدارة، خطة دولية معلّقة، وفراغ سياسي يتّسع. وفي مثل هذا الفراغ، لا يعود السؤال لماذا تحاول حماس تقديم نفسها حلاً، بل لماذا فشلت إسرائيل، ومعها المجتمع الدولي، في تقديم أي بديل قابل للحياة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت
