تقرير الحرب في غزة تدفع فتيات فلسطينيات إلى تحمّل أعباء الأمومة المبكرة

يتجمع فلسطينيون نازحون غرب مدينة غزة للحصول على مياه مجانية، في ظل تفاقم أزمة المياه وتدهور البنية التحتية، مما يزيد من معاناة السكان اليومية. مدينة غزة، 22 ديسمبر/كانون الأول 2025. صورة: عمر أشتوي

لم تكن الطفلة نغم مشمش تتوقع أن تنتقل فجأة من عالم الطفولة إلى عالم المسؤولية الثقيلة، لتجد نفسها في سن السابعة عشرة تقوم بدور الأم والأب معا، بعد أن فقدت والديها في قصف إسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لتصبح المعيلة الوحيدة لإخوتها الخمسة.

وتحمل نغم بين ذراعيها شقيقها الأصغر حسن، البالغ من العمر عامين، بينما تحاول تهدئته داخل خيمة نصبت قرب منزلهم المدمر في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وتقول نغم ذات الوجه الشاحب والجسم النحيل بصوت منخفض يعكس حجم المسؤولية التي ألقيت على عاتقها لوكالة أنباء (شينخوا) الصينية "قبل الحرب وخلال الأشهر الأولى منها، كنت أختا لهم، أما الآن فأنا أمهم وأبوهم في الوقت نفسه، هذا عبء كبير، لكن لا خيار آخر أمامي".

وتبدأ نغم يومها مع ساعات الصباح الأولى، حيث تقوم بإعداد الطعام لإخوتها قبل توجههم إلى مدارسهم المؤقتة التي أقيمت في خيام بمنطقة سكنها، ثم تتابع معهم دروسهم داخل الخيمة بعد عودتهم، محاولة تعويض غياب والدتهم التي كانت تشرف على تفاصيل حياتهم اليومية.

وتضيف نغم بأسى "كان من المفترض أن أكون الآن أدرس الصف الحادي عشر قبل الانتقال إلى الثانوية العامة، لكنني وجدت نفسي أدرّس إخوتي بدلا من أن أدرس لنفسي، أمي كانت تقوم بكل ذلك، وبعد رحيلها أنا مجبرة على سد هذا الفراغ".

وتشير الطفلة إلى أن الحرب لم تكتفِ بحرمانها من والديها، بل سرقت أيضا ما تبقى من طفولتها "في هذا العمر كان من المفترض أن أعيش حياة طبيعية، أخرج مع صديقاتي وأهتم بنفسي، لكنني الآن أطبخ وأغسل وأتابع شؤون إخوتي"، تقول نغم.

كحال غالبية سكان قطاع غزة، تعاني نغم من ضيق الحال المادي، في ظل غياب أي مصدر دخل ثابت، وتشتكي "أحيانا يطلب إخوتي أشياء بسيطة، مثل حذاء أو ملابس، ولا أستطيع تلبيتها، هذا يزيد من الشعور بالعجز ويضاعف الضغوط النفسية".

ولا تختلف معاناة رهف بدر (13 عاما) كثيرا عن قصة نغم، فقد فقدت رهف والدها في قصف إسرائيلي، بينما توفيت والدتها لاحقا بعد صراع مع مرض السرطان، نتيجة عدم تمكنها من السفر لتلقي العلاج بسبب القيود الإسرائيلية.

وتعيش رهف مع شقيقاتها الثلاث داخل خيمة في منطقة جباليا شمال قطاع غزة، بعد أن أصبن جميعا في قصف سابق، وتقول الطفلة لوكالة أنباء (شينخوا) بينما تحاول أن تمنع دموعها من الانهمار على وجنتيها "كان من المفترض أن أكون في المدرسة أتابع دراستي، لكنني اليوم أقوم بالطهي والغسيل والاعتناء بأخواتي".

وبنبرة يغلب عليها الانكسار، تتحدث رهف عن أحلامها التي تبددت قائلة "كنت أحلم أن أصبح طبيبة، لكن كل ما أفكر فيه الآن هو كيف أعتني بأخواتي، وأحاول تعويضهن عن فقدان والدينا"، مؤكدة أن تحمل هذا الدور في هذا العمر "أمر يفوق الطاقة، لكنه لا يحتمل التأجيل".

أما نجاح عبد الزين (13 عاما) من مدينة غزة، فتقطع يوميا مسافات طويلة سيرا على الأقدام بحثا عن الطعام لإخوتها الثمانية، بعد مقتل والديها خلال الحرب.

وتقول "أضطر أحيانا للذهاب إلى جنوب القطاع من أجل الحصول على بعض الطعام، إذا لم أفعل ذلك، سينام إخوتي جوعى".

وتوضح نجاح أنه رغم أنها ليست الأكبر بين إخوتها، إلا أنها اضطرت لتحمل مسؤوليتهم كاملة، وتقول لـ(شينخوا) "لم يعد لدينا معيل، ولا توجد جهة ثابتة تساعدنا، أصبحت مسؤولة عن كل شيء".

نغم ورهف ونجاح هن من بين آلاف الأطفال اليتامى الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما في الحرب التي شنتها إسرائيل عل قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 وذلك عقب تنفيذ حماس بالمشاركة مع فصائل فلسطينية مسلحة هجوما عسكريا على البلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة وقتل ما يقارب 1200 شخص واحتجاز حوالي 250.

في المقابل، قتل الجيش الإسرائيلي ما يزيد عن 70 ألف فلسطيني ودمر ما يزيد عن 85 في المائة من قطاع غزة فيما سيطر على حوالي 53 في المائة من مساحة الجيب الساحلي، حسب بيانات فلسطينية رسمية.

وتقول الأخصائية النفسية الفلسطينية ميساء أبو العطا لوكالة أنباء (شينخوا) "إن الحرب، التي لم تنته بعد، خلفت صدمات نفسية كبيرة لدى السكان الفلسطينيين ولكن الفئة الأصعب هم الأيتام والأكثر صعوبة هن الفتيات الصغيرات اللاتي وجدن أنفسهم معيلات لأشقائهن بين ليلة وضحاها".

وتضيف "إن ما تعيشه هؤلاء الفتيات يمثل صدمة نفسية مركبة، تجمع بين الفقدان القاسي وتحمل أدوار تفوق قدراتهن العمرية".

وتتابع "إن إجبار الأطفال، وخاصة الفتيات، على تقمص دور الأم في سن مبكرة يؤدي إلى اضطرابات نفسية طويلة الأمد، مثل القلق المزمن، الاكتئاب، واضطرابات النوم، إضافة إلى الشعور الدائم بالذنب والخوف من الفشل".

وتوضح أبو العطا أن غياب أحد الوالدين أو كليهما يحرم الأطفال من الإحساس بالأمان الأساسي، قائلة "الطفل يحتاج إلى من يرعاه نفسيا قبل أن يرعاه ماديا، عندما يصبح هو المسؤول عن الآخرين، فإنه يقمع مشاعره الخاصة، ما يؤدي إلى أضرار نفسية عميقة قد تظهر لاحقا".

ووفقا لبيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أسفرت الحرب عن استشهاد 12500 امرأة، من بينهن نحو 9 آلاف أم، إضافة إلى استشهاد 22.400 أب، ما رفع عدد الأطفال الأيتام في قطاع غزة إلى نحو 57 ألف طفل، بينهم 40 ألفا فقدوا أحد الوالدين أو كليهما.

من جانبه، قال وكيل وزارة التنمية الإجتماعية المساعد في غزة الدكتور رياض البيطار "إن القطاع بحاجة إلى ما لا يقل عن 5 وحدات رعاية جديدة، إضافة إلى توفير كفالات عاجلة للأيتام والأسر التي تقوم على رعايتهم"، مشيرا إلى أن الوزارة تعمل على بناء قاعدة بيانات موحدة لتحديث معلومات الأسر المتضررة.

وفي ظل استمرار آثار الحرب، تبقى قصص نغم ورهف ونجاح شاهدا على جيل من الأطفال الذين أُجبروا على النضوج قبل أوانهم، في واقع إنساني يفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحماية والدعم.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - غزة (شينخوا)