سلفيو قطاع غزة/ مصطفى إبراهيم

بقلم: مصطفى إبراهيم

لم تكن المرة الاولى ولا الأخيرة التي تقوم بها طائرات حربية إسرائيلية بتنفيذ عمليات اغتيال لفلسطينيين في قطاع غزة تدعي أنهم أعضاء في الجماعات السلفية أو ما يسمى “الجهاد العالمي”، يقومون بإطلاق الصواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل، بالإضافة إلى نيتهم تنفيذ عمليات عسكرية داخل إسرائيل عن طريق سيناء، ويهربون الأسلحة من سيناء إلى القطاع، وان عدد منهم تلقى تدريبات في سيناء وعادوا إلى قطاع غزة، وجاء ذلك مع حملة التصعيد والتهديد بشن حرب على قطاع غزة وتحميل حركة حماس المسؤولية عن ما يجري.


 


يتزامن ذلك مع الحديث المبالغ فيه عن ظاهرة السلفيين في قطاع غزة وازدياد اعداد الجماعات التي ينتمون إليها، وارتباطهم بفكر “القاعدة” وتلقي التعليمات منها، وكذلك تحقيق التيار السلفي في مصر نتائج متقدمة في الانتخابات لمجلس الشعب، وما له من اثر بالغ على السلفيين في قطاع غزة، وربما يلتحقون بركب السلفيين في مصر ويشاركوا في الانتخابات التي ستجرى في الأراضي الفلسطينية.


 


هذا لم يأتي من فراغ فخصوم حركة حماس لم يتوقفوا يوما عن الحديث بشكل مبالغ فيه عن حجم السلفيين، وان القطاع ينتظر موجة اجتياح السلفيين والسيطرة على قطاع غزة، وهؤلاء يحملون حركة حماس المسؤولية عن ما يسمى ظاهرة السلفيين في القطاع، وانها من تقوم بدعمهم وتقويتهم، وان حماس تختبئ خلفهم كي تظهر كجزء من التيار الإسلامي المعتدل الذي يعمل على الاستقرار في قطاع غزة والمنطقة العربية.


 


صحيح أن عدد كبير من حركة حماس يتبنون الفكر السلفي، وبعض منهم من ينتمي إلى الجماعات السلفية، وعدد منهم من غادر حركة حماس وشكلوا جماعات مسلحة، وعبروا عن عدم رضاهم من موقف حركة حماس خاصة بعد مشاركتها في الانتخابات، لكن هؤلاء لا يشكلون قوة حقيقية قد تؤثر أو تهدد حركة حماس، لكنهم يستطيعون إزعاج حماس وإحراجها.


 


وما لا يعلمه هؤلاء أن الجماعات السلفية في قطاع غزة ليست على قلب رجل واحد، وان هناك تيارات واتجاهات واجتهادات مختلفة في داخل الجماعات السلفية، وهم لا يرتبطون بمشايخ واحدة يتلقون العلم والفتاوى منهم، فهناك عدد من الجماعات كل لها مشايخها وتنظيمها، بالإضافة إلى أن عناصر تلك الجماعات لا يلتزمون التزاما مطلقا بكل ما يصدر عن المشايخ.


 


بالإضافة إلى موقفهم من حركة حماس وحكومتها، بعض منهم اتخذ موقف من حكومة حماس كأمر واقع يجب التعامل معها حسب المصلحة ومن خلال قاعدة “درء المفاسد أولى من جلب المصالح “، والبعض الآخر من يعتبر الرئيس محمود عباس ولي الأمر، وتتسم بعض الجماعات بضعف التكوين والتنظيم، وهي تختلف عن بعضها البعض من حيث التكوين والتنظيم والتمويل، فعدد من الجماعات تعاني من شح التمويل وتغطية نشاطاتها الاجتماعية والتعليمية، وبعض منها تنطلق من موقفها من المقاومة ومحاربة إسرائيل أيضاً من خلال قاعدة “المفاسد والمصالح”.


 


وعلى الرغم من ذلك فموقف مشايخ الجماعات السلفية من حركة حماس يختلف عن موقف الأعضاء، فعدد كبير من الأعضاء غير راضين عن مواقف المشايخ من الحركة ويحملونهم المسؤولية عن تعامل حكومة حماس وأجهزتها الأمنية مع أعضاء بعض الجماعات، ويطالبونهم باتخاذ مواقف معادية من حماس لوضعها قيود على تحركاتهم.


 


وحماس تعاملت أكثر من مرة بقوة مفرطة تجاه من تمرد عليها وحاول أن يعبث بالأمن ويزعزع حكمها من خلال وضع العبوات الناسفة أمام بعض المقاهي، وصدرت أحكام قاسية بحق عدد منهم وصلت إلى صدور حكم الإعدام بحق اثنين منهم تسبب وضعهم قنبلة أمام مقهى في مدينة غزة قبل عامين أدى إلى مقتل مواطن وإصابة عدد آخر من المواطنين.


 


أو كما جرى مع الدكتور عبد اللطيف موسى عندما أعلن عن قيام إمارة في رفح، أو من يطلقون الصواريخ تجاه إسرائيل في ظل التهدئة، واستطاعت حماس احتواء عدد كبير منهم وحيدتهم على الأقل لمصلحتها، وقامت باعتقال عدد من قياداتهم المتشددين، وتفرض قيود ورقابة صارمة على عدد كبير منهم، وتنظر حماس إلى أن عدد كبير من منهم على أنهم ينتمون إلى حركة فتح أو المنتسبين للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة.


 


ظاهرة السلفيين في فلسطين عامة وفي قطاع غزة بصفة خاصة ليست ظاهرة فريدة من نوعها، وهي ليست غريبة، وهي غير مختلفة عن ما يجري في الدول العربية المحيطة، وهي ليست وليدة الانقسام، ربما تعزز وضعها في ظل الانقسام من خلال انضمام أعضاء من حركة فتح إلى صفوفها كنوع من الحماية ومناكفة حركة حماس، وهذا ما يضعف من تكوينها وتنظيمها وصعوبة السيطرة عليها، وظهور جماعات متطرفة وتتبنى الفكر الجهادي.


 


فالسلطة والأجهزة الأمنية التابعة لها تبالغ في وجود السلفيين في قطاع غزة وتعمل على تغذيتهم بطرق مباشرة وغير مباشرة، وتعمل كذلك على اختراق صفوفهم لمعرفة الأعضاء الذين يتبنون الفكر الجهادي المتطرف.


 


في المقابل إسرائيل تبالغ أيضاً في الحديث عن الجماعات السلفية التي تتبنى فكر “القاعدة” أو كما تطلق عليهم “الجهاد العالمي”، وذلك لتبرير الحصار وعدوانها المستمر على القطاع باعتباره المكان الآمن للإرهاب والقاعدة المتقدمة للإرهاب العالمي الذي يهدد امن إسرائيل، وهذا تعزز بعد اندلاع الثورات العربية، وهي بذلك تضغط على حركة حماس لكي تقوم هي بمحاربة الجماعات السلفية، وفرض قيود صارمة عليهم للحفاظ على حكمها في قطاع غزة.


 


السلفيون في قطاع غزة هم ليسوا جماعة واحدة، وهناك مبالغة في أعدادهم والخوف منهم، لكن على الأقل ان الجماعات الجذرية منهم لن يشاركوا في أي انتخابات قادمة لأنها حرام شرعا من وجهة نظرهم، وان ما جرى في مصر لا ينطبق على ما جرى في فلسطين لان الوضع مختلف تماما.


 


وفي ظل ذلك يجب التعامل مع السلفيين ليس من خلال الحل الأمني وفرض القيود عليهم، والتوقف عن استخدامهم في الصراع الداخلي، ومطلوب من الأطراف الفلسطينية التعامل معهم كجماعات لها حضور، وضمان وجودها ضمن النظام السياسي الفلسطيني يجب ان يكون مرتبط بالتزامهم بالقانون الفلسطيني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت