أين ثوراتنا من طموحات وأهداف شعوبنا ؟/ أحمد عبدالله مهنا

لا شك بأن عام 2011 كان عاماً متميزاً عن غيره من الأعوام السابقة بامتياز ، وذلك لما شهده من تطورات وأحداث على الساحة العربية بشكل عام ، ولعل أهم تلك الأحداث تتلخص في ما سمّي بالربيع العربي ،آملاً أن يكون ربيعا بمعنى الكلمة ،أي بما يعود بالنفع على أمتنا العربية من محيطها إلى خليجها. ولكن السؤال الذي يتبادر لذهن كلّ عربي هذه الأيام : ما الذي أورق وأينع في هذا الربيع ،ونرجوا أن نقطف ثماره أو نجني من حصاده ؟. سؤال مشروع لأنه من المعتاد أن يخلف الصيف بثماره وحصاده كلّ ربيع ،أو أن هذا ما علمتنا إياه الطبيعة .


هل ربيعنا كان ثورة بمردوداتها الإيجابية أم ثورة على واقع ستسلمنا إلى ما هو أردأ منه ؟


لقد لبست ثوراتنا حلة الديمقراطية والحرية على أمل أن يعود هذا الرداء على شعوبنا بالنفع والفائدة لا أن تثير ديمقراطيتنا وحريتنا فينا الانفلات من عقالنا فتصبح الدولة من دولنا قابلة للقسمة والبعثرة وفقاً للطائفة أو الدين أو المذهب وكل ذلك تحت مسمى الحرية والديمقراطية . فسوريا مثلاً فيها المسلمون والمسيحيون والسنة والعلويون والعرب والأكراد ...... الخ ،فالى كم دولة ستتفكك سوريا اذا ما طالب كل فريق منهم بالاستقلال عن الآخر تحت مسمى الحرية والديمقراطية ؟ وقس على ذلك لبنان ومصر وبقية الدول العربية ، وها هو العراق ينعم بالحرية والديمقراطية كأقرب مثال على ذلك !!.


 


إن كان هذا هو الهدف من الثورات فبئست الثورات هي ،وبئس الربيع الذي لم ينبت لنا زهرة أو سنبلة قمح .أما إن كانت ثوراتنا تهدف للوحدة عوضاً عن الانفصال ، وتحطيم الحدود بدلاً من تكريس ترسيمها ، وترفع شعارات بناءة تنادي بالتقدم والرخاء والمنعة ،وتعمل على التطبيق الفوري لها – وهذا ما لم نسمعه من ثوّارنا حتى الآن  - ، كأن يعلن الثوار وحدة فوريّة بين مصر والسودان وليبيا، أو وحدة اندماجية بين دول المغرب العربي وكذلك الوحدة بين العراق والشام في المشرق العربي .وهنا لا بد من وقفة إجلال وإكبار لموقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي وقف وقفة الثائر الحرَّ في هذا الظرف التاريخيّ ، حيث طالب بوحدة دول الخليج العربي رداً على مخططات التقسيم التي يعمل من أجلها أصحاب المصالح في أوطاننا وثرواتنا تحت شعار الحرية والديمقراطية .


 


إن التقسيم الذي يجري الإعداد له يهدف لتجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم ، كي تبقى دولة اسرائيل هي الأقوى ،وبالتالي تؤول لها مقاليد القيادة في المنطقة ، وستحقق حلمها بالدولة اليهودية على كامل أرض فلسطين ،عندها ستتبخر أحلامنا بتحرير أرضنا وتخليص مقدساتنا .كل ذلك لأننا رفعنا بطريقة غوغائية شعارات لا نحسب لمردوداتها حساباً وتساوقنا مع مخططات الخصوم من حيث ندري أو لا ندري .


 


إن كانت ثوراتنا قد خلَّصت شعوبنا من مجموعة من الطغاة وأذيال الاستعمار، حيث أسهموا في إفقار شعوبهم وقمعها وعملوا على إلهائهم في البحث عن لقمة العيش بدلا من أعدادهم للوحدة التي تعني المنعة والقوة . على الثوار إن كانوا ثواراً حقيقيين أن يعملوا على قلب معادلة أسلافهم وذلك بالمطالبة بالوحدة والعمل على عكس معادلة " فرّق تسد " التي عشنا في ظلالها عقوداً عدّة إلى "وحّد تسود" محترمين تحت هذا الشعار رفعة الإنسان وإحقاق حقوقة من حرية بالرأي والمعتقد والحركة ومن عدالة في التطبيق وسموّ في التوجه .عندها تحقق ثوراتنا مآربها ويكون الدين قد حقق أسمى غاياته "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ".


 


من هذا المنطلق فإننا ندعو لأن يكون إعلامنا إعلاماً ثورياً فاعلاً وفق منهجية محددة لأن الثورة لا تعني إسقاط الحكّام والوقوف عند ذلك . أين هم مفكرونا وكتَّابنا من الثورة والوحدة ؟ فها هم يجلسون على قارعة الأحداث ، يؤيدون تارة ويستنكرون تارات أخرى ،ينقلون الحدث ولا يصنعونه !!.ما هكذا تكون النخب ، وما هكذا تكون القيادات . اليوم هو يوم الإنقلاب الثوري الحقيقي ، فلا ثورة بدون المطالبة بالوحدة ،بهذا تبطل مخططات الخصوم الذين عملوا على تفريقنا وتقسيمنا ونهب خيرات بلادنا ،لا بل نرغم أنوفهم على احترام أهدافنا ومبادئنا  ،عندها سنتعامل معهم تعامل الندّ للندّ لا تعامل العبد لسيّده . و سنكسب حتماً احترام العالم و تأييده  ، ستكون الغلبة لنا ، عندها ستنعم  شعوبنا بالحرية والديمقراطية ، لأن الثورة الحقّة لا بد لها إلا أن تكون انقلاباً على الفرقة بتكريس الوحدة بمعناها الحقيقي .    

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت