أيها الفتحاوية : لا تدخلوا الانتخابات الآن... فتخسروها ...!./ عبدالحليم أبوحجَّاج

أيها الفتحاوية... يا أبناء ياسر عرفات ... يا أبناء من حملوا أثقال الثورة الفلسطينية , وناءوا بأحمالها الكفاحية ، فاستشهدوا في سبيل فلسطين ... واعتقلوا في سجون إسرائيل حين كانت الثورة الفلسطينية لا تلبس إلاّ الكاكي وعلى كتفها الكلاشينكوف ، تتزين بالقنابل وأصابع الديناميت أوسمة على صدرها ، وشعار العاصفة –  رمز الكفاح المسلح –  يعلو الجباه المشرقة. وها نحن اليوم لم يتبقَ لنا من الرعيل الأول إلا رموز هالكة ، تجري لاهثة وراء المال والمناصب والثراء الفاحش ، تتاجر بالقضية الفلسطينية  باسم الثورة والثوار وهي تعلم أنها كـاذبة منافقة.                                                                                                                 أيها الفتحاوية : لقد كانت الثورة الفلسطينية هي أمل  كل فلسطيني وكل  لاجئ طريد في أن يستمر النضال حتى بلوغ الهدف وتحقيق الأماني الوطنية ... وكانت (العاصفة) الجناح العسكري لحركة فتح كتلة من نار وشعلة من نور تضيء سماء العرب في ليلهم الأسود الذين لم يكن لهم حينئذ من نهار, فانطلقت العاصفة زلزالاً يهز الأرض ، فألهبت وطنية الأحزاب الفلسطينية التي لم تكن تحسن إلا المهاترات الكلامية في السياسة المستوردة , فإذا بها تندفع إلى الساحة ، فتحسن أيضا حمل السلاح وتشارك في العـمل الوطني بدعـم ومسانـدة من فتـح . وارتفع إلى السماء شهداء من فتح ومن فصائل المقاومة الأخرى , شهـداء ما زلنا نذكرهم , ونتذكر بطولاتهم ، ونحكي لأبنائنا وأحفادنا عنهم . وما بقي لنا- اليوم – من فتح ومن غيرها من فصائل الثورة الفلسطينية سوى هؤلاء ( كهنة آمون ) , وأعقاب العجائز الذين تخلَّوا عن العاصفة ، وما زالوا يفرضون أنفسهم على شباب فتح وعلى الشعب الفلسطيني , ويصرُّون على أنهم  القادة المؤسسون , وتاريخ الثورة يخبرنا أنه لم يكن لهؤلاء أي ذكر على الساحة الفلسطينية الملتهبة آنذاك ...فكيف يدَّعون اليوم أنهم قادة العمل الفدائي وهم يعترفون بأنهم لم يحملوا مسدسا في يوم من الأيام , بل إنهم يخشون من حمل مسدس بلاستيكي من لعب    الأطفال ؟!... وآخرون نسوا رائحة البارود وطعم الدم ، فتراهم يقيمون الآن في حانات ( شهريار) حيث أغراهم الدولار وجذبهم الدينار، فمنهم مَن أثرى على حساب القضية ، ومنهم مَن جعل من بعض سفارات فلسطين دكاكين لتجاراتهم . وجعلوا من أنفسهم ومن بعض السفراء سماسرة . وهناك شلة طارئة جاءت بها المصالح المشتركة ، فارتمت في أحضان فتح ، ولم تكن في يوم من الأيام منها ، فتسلقت إلى مركزيتها وتصعَّدت إلى عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة ، كما تولَّت أخطر الوزارات في حكومات السلطة المتعاقبة ، ومازالت تتطلَّع إلى الرئاسة ! .  


 


     هؤلاء الجوقة من الكهنة المتواجدون في رام الله مازالوا يتناوبون على التسلط علينا باسم فتح وباسم السلطة الفلسطينية ، ويتبادلون الأدوار بينهم ، ويوهمون أنفسهم أن فلسطين لم تلد إلا هم في العشرينات والثلاثينات ، ولن تلد غيرهم بعد ذلك ، إذ انغلق رحم فلسطين في منتصف العقـد الرابع من القرن الماضي ... فتراهم يتقـاسمون المنافـع والمناصب اعتقادا منهم أنهم قـادة  


 


منظمة التحرير بتنفيذيتها ومركزيتها ومجلسها الوطني ، وهـم قـادة حركة فتح ، وهـم القـادة في مجلس اللوردات والنبلاء وهم الحكماء والمستشارون وهم السلاطين والباشاوات والحكام في السلطة الفلسطينية ، وهم المالكون لأجهزة الأمن والشرطة . وهم أيضا كبار المفاوضين الذين يتـولون ملف المفـاوضات الهـزلية مع الجـانب الإسرائيلي الـذي يضحـك منهـم ويستخـف بهـم


وبعـقـولهم ، وإنه ليُرضي غرورهم حين أطلق على أحدهم لقب كبير المفاوضين ، ثم نقلوا هذا اللقب لمن جاء بعده ، فيُسَرُّون لهذه الألقاب ويغترون بها غروراً كبيرًا ، ثم يكذبون على أنفسهم  ويكذبون حتى يصدقوا كذبهم بأنهم أصبحوا  فعلاً كبار المفاوضين ... فيتطاوسون  وينتفخون علينا وصدورهم هواء ... وعقولهم خواء .


 


     أيها الفتحاوية الأبطال : يا أبناء ياسر عرفات وصلاح خلف وخليل الوزير وغيرهم من قوافل الشهداء . تهبُّ علينا رياح المصالحة الوطنية ... فأهلا بها ،  ويجرى الحديث عن انتخابات فلسطينية مقبلة ، فنرى كثيراً من المحسوبين على الفتحاوية المنتفعين منها  يتسابقون لترشيح هؤلاء الكهنة ، لأن بقاءهم مرهون ببقاء هؤلاء الكهنة وأعقاب العجائز على سدة الحكم ، إنهم لعبة بين أيديهم ،( واللي بيده المغرفة لا يجوع ! ) . والحقيقة أننا – نحن الشعب الفلسطيني – أصبحنا كلنا لعبة بين أيديهم ، إنهم اللوردات والأمراء والأثرياء الذين يعيشون في كل ليلة ألف ليلة في قصور( شهرزادات ) هذا العصر ، ونحن – البائسين -  نموت كل ليلة ألف مرة ولا يفتقـدنا أحد منهم ، وإذا ناديت أحـدهم فلا حيـاة لمن تنادي ، لأنهم في طغيانهم   وتجـلياتهم وملذاتهم يغـرقون ، وكأني برام الله – الله يكون في عونها – قد أصبحت مزرعة لإيواء الثيران والعجول الهاربة من غزة ، فيتم تسمينها وإعدادها ليوم هروب قادم  ! . وكان حقاً على الرئيس عباس أن عاد إلى غزة ، وأعاد إليها الجنرالات والجندرما  الهاربين ليقيموا فيها بدلاً من تركها نهباً للضَّياع والضِّباع . وتعلو أصواتهم لا رئيس غير الرئيس عباس ، ولا فتح بدون كهنتها وأعقاب رجالها الذين انتهت مدة صلاحيتهم  وأصبحوا فاسدين من وجهة الطب السياسي والاجتماعي  .  


    فلماذا هذا الاحتكار للثورة ومؤسساتها ؟ . هل الثورة الفلسطينية حكر على فئة أو جماعة دون أخرى؟. هل الثورة الفلسطينية وراثية بحيث يأتي الابن أو الزوجة أو أحد الأقرباء أو الأنسباء فيتولون أرفع المناصب التي لاحق لهم فيها ، ويُترك مستحقوها مهمشين مهملين ، يعصرهم الألم والقهر. ألا تنظرون إلى حماس لتتعرفوا على أسباب نجاحاتها فتتزودوا من زادها ؟... هل القيادة والزعامة والحكومة موقوفة على جيل العشرينات والثلاثينات لا تتعداه ؟. إننا لا نرى على شاشات التلفاز وهي تنقل صورة اجتماع القيادة الفلسطينية إلا أولئك الكهنة وأعقاب العجائز والمهترئين ممن يحتاجون لمن يدلهم على الحمَّام في منازلهم أو لمن يتخطى بهم عرض الطريق أو لمن يوصلهم إلى بيوتهم كي لا يضلوا الطريق ... فتنشر الجرائد إعلاناتها عنهم " خرج فلان ... ولم يعد " .


    ثم إن هناك جيلاً يليهم قد تبوأ مناصب أمنية وسياسية ووزارية في غفلة من التاريخ ، فهذا عقيد وهذا عميد وهذا لواء ، وكثير منهم لم يدخل مدرسة عسكرية ولا مدرسة شرطية ، وكثير منهـم لم يحصل على شهـادة التوجيهي إلا بعد حصوله على رتبة عـقـيد ، فخـرَّبوا وما عمّـَروا،


وأثبتوا فشلهم وثبت لهم كراهية  الناس لهم ، فهؤلاء يجب انزواؤهم جميعاً عن ساحة  الانتخابات ، ويجب اختفاؤهم عن ملاعب السلطة والتسلط على فتح ، ويجب عزلهم ونبذهم  إن أرادت فتح أن تستعيد مكانتها الشعبية والسياسية .


 


أيها الفتحاوية : لم أجد وسيلة أخاطب بها فتح والفتحاوية إلا عبر هذه المقالة التي سبقتها وستتبعها مقالات أُخر. عسى أن تقرءوها ، وعسى أن تنتصحوا من صاحبها ... وإلاّ فالهزيمة النكراء تنتظركم ، وهي آتية – لا سمح الله – عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة... وصدقوني أيها الفتحاوية أنني ناصح لكم أمين , وأتمنى أن تعملوا بما هو آت عسى الله أن يفتح عليكم بالفوز والفلاح  . وإني أصدقكم القول إنني لست فتحاوياً ولست حمساوياً ولست جبهاوياً ولست حزبياً على الإطلاق ولكني فلسطيني فلسطيني ... وإذا خُيرتُ فإني أختاركم أيها الفتحاوية بشرط أن تغيِّروا ما بأنفسكم بأنفسكم ، وتزيحوا ركام الجنرالات واللوردات والنبلاء من حركتكم ومنظمتكم ومجلسكم الوطني ، أولئك الزعماء والباشاوات الذين انتهت تواريخ صلاحيتهم – العقلية والجسدية – منذ سنين ، وانعدمت الثقة فيهم لسوء أفعالهم ، ولعدم مصداقيتهم لكثرة ما يكذبون . فإن لم تُغيِّروا وتتغيروا فهزيمتكم منكرة ، حينها ستكونون بحاجة إلى ربيع فتحاوي ، يتلوه ربيع فلسطيني  .


                 وإليكم تشخيصا لحركة فتح في قطاع غزة كما أراها ويراها الكثير من المراقبين للأحداث التي تتسارع في الشارع الفلسطيني .


 


1-  فتح الآن – في قطاع غزة – مصابة بشروخ في بنيتها ، فتراها مهلهلة , منقسمة على نفسها فرقـاً وأحزاباً وجماعات , كل منها يتبع شخصاً تسير في ركابه , تؤيده وتؤازره وتعادي من يعاديه . وكل منها ضد الآخر يضمر له العداوة والبغضاء ... فيجب أن تتوقعوا الخسارة من داخل فتح إن لم تسرعـوا في إصلاح ما فسد في الجسد الفتحاوي ، وخاصة عدم فرض الوصاية والزعامات المحنطة من كهنة فتح على الشباب المتحفز المعطاء من أعضاء الأقاليم القادرين بجدارة على إثبات وجودهم في غزة والضفة الغربية ، وانتشال السفينة الفتحاوية من المستنقع  المسموم ، وذلك بإعطائهم  حق الأولوية في حمل المسئولية عن كـواهل الكهنة وأعقاب العجائز المتشبثين بالكراسي ، المعتقدين بأنهم مخلَّدون وأنهم لن يموتوا...


 


2-  فتح – وهذا دأبها في المرات السابقة – لا تدفع إلى الانتخابات العامة والخاصة إلا رموزًا مهترئة من الكهنة , أو من شخصيات ثبت كره الشعب لها , فقد جربهم الشعب حين نجحوا في انتخابات 1996 ففشلوا شعبياً على مدى عشر سنين ، إذ لم يلتفتوا إلا لأنفسهم ولمصالحهم الشخصية ولجمع المغانم والمكاسب الخاصة وتوظيف ( زبائنهم ) في أرفع مناصب الوزارات التي تولوها في الحكومات المتعاقبة (وطز في الشعب) ، ثم دفعت فتح بهم أندادا لحركة حماس في انتخابات 2006 وكان ذلك غباء من المسئولين في فتح ، إذ رشَّحوا نفس الأشخاص مع قليل من الوجوه الجديدة ، فسقط الكثير ونجح هذا القليل لأن الشعب الفلسطيني ينشد التغيير ويريد وجوهاً جديدة لا وجوهاً مهترئة ومكروهة. وكانت النتيجة أن حـماس


 


 


التي تـدفـع بخيرة أبنائها قـد اكـتسحت الملاعب وفـازت في الانتخابات ، بينما ترشـقنا


فتح  بخرا  بطونها فتسقـط  في أوحالها وتسقطنا معها ، بل إن كثيرًا من الأصوات الفتحاوية قد أُعطيت لحماس لعدم ثقتهم بمرشحي فتح , وللإحباط الذي أصابهم من قياداتهم التي تتجاهلهم وتهمشهم . ومع هذا تصرُّ الرئاسة الفلسطينية – بعد كل انتخابات


– على تحدي مشاعر الناس بتعيين مَن أسقطهم الشعب في أخطر المناصب القيادية والوزارية .


 


3– نجاح فتح في الانتخابات القادمة يتوقف على اختيار شخصيات فتحاوية شابة جديدة على الساحة , مقبولة شعبياً على المستوى الأخلاقي والدِّيني والوطني , وليس لها ماض معتم من النهب والسلب والنفوذ القصري على الآخرين , ولا من أصحاب النفوذ الذين يتقلبون في المناصب الرفيعة فيتقلدون الوزارات والاستشارات , فهؤلاء ليسوا أندادا لمرشحي الفصائل الأخرى الذين يتم اختيارهم على (الفرَّازة ) .


 


4– أن تؤلِّف الحركة جيشاً من الفتحاوية للدعاية والإعلام الحقيقي لمرشحي فتح ، تعمل بكل طاقاتها الإيمانية بنجاح فتح ، وأن تبذل كل جهدها لذلك الهدف المنشود ، وأن تُبعد مَن كان يتولى هذا الأمر في انتخابات 2006 أولئك الذين كانوا يتسابقون للحصول على المكافآت المالية وعلى كروت الجوال وساندويتشات الكباب ويتركون عملهم التنظيمي ، ويتركون الساحة للآخرين الذين كانوا مخلصين لحركتهم ، فنجح أولئك وسقطت فتح .


نحن لا نريد  لفتح  هذه المرة السقوط  بل نريد لها النجاح والفوز العظيم ، وهذا لن يتحقق إلا إذا استوعبت الدرس الماضي وتمهَّـلت حتى تجدِّد البيت الفتحاوي ، أقول تجدِّد ولا أقول ترمم ، لأن في الترميم ترقيع ، والجدار المرقع مآ له إلى السقوط . فالشرط المسبق لنجاح فتح في الانتخابات القادمة : هو لملمة شعثها واتحادها وتقليص عدد الناطقين والمتحدثين باسمها إعلامياً إلى واحد فقط حتى لا تشيط الطبخة ! .             وكذلك تصفية أجوائها وهوائها الذي يدخل رئتيها ، وتنقية أعضائها كما يُنقى القمح من الزِّوان ، وتنقية قياداتها وزعمائها وباشاواتها كما يُنقى القمح من بعـر الآرام ...***


 


للكاتب الصحفي / عبدالحليم أبوحجَّاج


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت