يعتبر الحق في الصحة النفسية من الحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان، فتمتع الإنسان بالحق في الصحة لا يستوي دون صحة نفسية سليمة، وهذا ما أكدت عليه منظمة الصحة العالمية، حيث ينص دستورها على أن "الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز". إن من أهم آثار هذا التعريف أن مفهوم الصحة النفسية يتجاوز مفهوم انعدام الاضطرابات أو حالات العجز النفسية، إلى كونه حالة من العافية يمكن فيها للفرد تكريس قدراته الخاصة والتكيّف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفان وفعالية والإسهام في مجتمعه. وتمثّل الصحة النفسية، حسب هذا التعريف، الأساس اللازم لضمان العافية للفرد وتمكين المجتمع من تأدية وظائفه بشكل فعال، إذاً على الجانب الآخر غياب الصحة النفسية عن الفرد يعني غيابه عن المجتمع.
وفي قطاع غزة تتراكم معاناة السكان المدنيين في مناحي الحياة كافة، كنتيجة طبيعية للعقاب الجماعي الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي، متسبباً ولا يزال في تدهور مختلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما ساهم وبشكل كبير بتردي الوضع النفسي للغزيين وعرضّهم للتراكمات والاضطرابات النفسية والصدمات. وما زاد الأوضاع النفسية للسكان المدنيين تدهوراً هو العدوان الأخير "عملية الرصاص المصبوب" التي شنته قوات الاحتلال على القطاع، مخلفاً دماراً هائلاً طال جميع مكونات الحياة وملقياً بظلاله الخطيرة على الصحة النفسية للأسر الفلسطينية، حيث تسبب في مشاكل نفسية بحاجة إلى تدخل طويل الأمد، سيما للحالات التي تعرضت إلى أضرار جسيمة خلفت إعاقات شديدة متمثلة بحالات البتر وفقدان البصر والشلل وغيرها من الإعاقات التي يحتاج ذويها إلى رعاية نفسية مستمرة من قبل الجهات المعنية بالصحة النفسية، فهذه الإعاقات من شأنها أن تنعكس سلباً وبشكل خطير على مناحي الحياة كافة لذويها.
وما نلمسه وبعد مرور ثلاث سنوات على العدوان الإسرائيلي، هو تزايد معاناة المعاقين لعدم تقديم الرعاية الصحية النفسية المناسبة لهم. فبعد العدوان مباشرة سارعت المؤسسات المعنية في الصحة النفسية إلى تقديم خدماتها للضحايا، لكنها انقطعت عنهم بعد ذلك دون أن تحقق في كثير من الأحيان الأهداف المرجوة، وحتى الوقت الراهن كثير من ضحايا العدوان يعانون أمراضاً نفسية خطيرة ولم تقدم لهم الرعاية النفسية المناسبة من قبل هذه المؤسسات التي كان في معظمها جل هدفها الدعاية الإعلامية لتحقيق مكاسب تمويلية. وفي هذا الصدد يقع العبء الأكبر على الحكومة بالتقصير في تقديم خدمات الصحة النفسية لمعاقي العدوان أو الدفع في تجاه تنسيق الجهود مع المؤسسات المعنية لتقديم خدمات متكاملة ومستمرة لهؤلاء المعاقين.
عليه فإن هناك ضرورة ملحة تقع على عاتق الجهات المعنية في تقديم خدمات الصحة النفسية وفي مقدمتها الجهات الحكومية، للعمل وبشكل جدي على ضمان تقديم الرعاية النفسية المناسبة والمستمرة لذوي الإعاقات، لا سيما أصحاب الإعاقات الشديدة الناتجة عن العدوان الأخير على القطاع. من جهة أخرى فإنه حان الوقت لتطبيق قانون المعاق الفلسطيني بما يتيح للمعاق التمتع بكامل حقوقه كأقرانه من الأسوياء.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت