الأخطبوط الإسرائيلي يلاحق أراضي عرب النقب/غازي السعدي

بقلم: غازي السعدي

       الحركة الصهيونية التي تتبنى تهجير يهود العالم، وتوطينهم في فلسطين، هي بحاجة إلى الأرض التي ستصادرها من أصحابها لتنفيذ مخططها، فبعد حرب 1948، بدأت بمصادرة أراضي الجليل والمثلث والمدن الساحلية، وما زالت مستمرة في هذه المصادرات، تحت مزاعم مختلفة، والهدف واحد، وما يجري في الضفة الغربية- من مصادرات ونهب للأراضي- صورة طبق الأصل عما جرى لعرب الداخل 1948، وفي هذه الأيام تجري محاولات لمصادرة ما تبقى من أراضي النقب، هذه المصادرة التي وصفت بنكبة جديدة، وهي جزء من مخططات خبيثة تستهدف الوجود الفلسطيني برمته، فمسلسل القوانين العنصرية، وقوانين مصادرة الأراضي التي شرعها الاحتلال الإسرائيلي هي "تطهير عرقي" تنفذه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مراحل، وهذا الأخطبوط الإسرائيلي يسعى للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية قطعة بعد أخرى، لجعل هذه الدولة نقية من العرب.


 


            الأطماع الإسرائيلية في أراضي النقب، أطماع جدية وحقيقية، إذ أن النقب يمتد على مساحة (12) مليون دونم، حولت إسرائيل 80% منه إلى مناطق عسكرية، وتبقى 2.5 مليون دونم، يسيطر المواطنون العرب البدو على ربعها- (650) ألف دونم- تمتد من بئر السبع وحتى ديمونا، ومعظم هذه الأراضي مراع ٍ، وفي سنوات 1950-1954 نقل الاحتلال العسكري الإسرائيلي معظم المواطنين البدو من أراضيهم إلى منطقة تبلغ مساحتها ربع مليون دونم، بينما كانوا ينتشرون في جميع أراضي النقب، فرئيس الحكومة الأول "دافيد بن  غوريون" وبعد اجتماع لبحث مصير هؤلاء البدو عقد بتاريخ 28/11/1952، أمر بطرد جميع البدو من النقب، وفي أحسن الأحوال إبقاء عشرة آلاف منهم كي يمكن تحملهم، فقد هجّر الاحتلال 80% منهم ودفع بهم إلى قطاع غزة وإلى الأردن، وتم تركيز البعض في منطقة تسمى "السياج" -شرقي بئر السبع- رافق ذلك إقامة (120) تجمعاً يهودياً في النقب، بينما فرض نظام الحكم العسكري وتصاريح التنقل عليهم، وفي السبعينات، نفذ الاحتلال عملية إجلاء أخرى للبدو، في مشروع أطلق عليه "تمدين البدو"، حيث نقل عدد كبير منهم إلى سبع تجمعات بدوية.


 


            في عام 1953 أجبر الاحتلال قبائل بدوية على ترك أراضيهم، والمغادرة لمدة ستة شهور، لمنطقة "سياج" كما أسلفنا، على أن يعودوا إلى أراضيهم عقب فترة معينة، لكن لم يسمح لهم بالعودة، وهذا ما حدث من قبل الحكم العسكري لقريتي "اقرت" و"برعم" في الجليل الذين رحلوا من قبل الجيش لمدة محددة، ولم يسمح لهم بالعودة حتى اليوم، رغم قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية بعودتهم، وأثر ذلك أقام البدو تجمعات لهم في منطقة "السياج" وهكذا فإن الاحتلال أخذ يعتبر هذه التجمعات-التي نقلوا إليها عنوة- قرى غير قانونية، وغير معترف بها من قبل السلطات الإسرائيلية رغم أنهم نقلوا إلى هذه المنطقة، بل ويتعرضون إلى هدم تجمعاتهم التي أقيمت بأكواخ من الصفيح، دون وفاء الاحتلال بوعوده بإعادتهم إلى أراضيهم.


 


            لقد أعدت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً خطة لنهب ما تبقى من أراضي العرب البدو، لإقامة المستوطنات اليهودية عليها، وهذا المخطط يحمل اسم واضعه، الجنرال السابق في المخابرات الإسرائيلية "ايهود برافر"، والذي يعمل حالياً مدير التخطيط السياسي في مكتب رئيس الحكومة، كما كُلف بتطبيق توصيات اللجنة التي ترأسها القاضي المتقاعد "اليعيزر غولدبرغ" للمخطط الذي صادقت عليه الحكومة في نهاية شهر أيلول من العام الماضي، والذي يهدف إلى تهجير (40) ألف مواطن من عرب النقب من منطقة "سياج"، وتركيزهم في تجمعات خاصة، ويهدف هذا المخطط إلى مصادرة (500) ألف إلى (700) ألف دونم، وفقاً لقانون أقره الكنيست قبل عامين، ضمن مخطط تهويد النقب، سبقه مخطط مماثل لتهويد الجليل.


 


            يبلغ عدد سكان عرب النقب (180) ألف فلسطيني، نصفهم يقيمون في تجمعات معترف بها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أما النصف الثاني، فإنه يسكن في قرى غير معترف بها، و الهدف من عدم الاعتراف بهم، لوضع اليد على أراضيهم، الأمر الذي يرفضه الأهالي جملة وتفصيلاً.


 


            تبلغ ملكية عرب النقب (900) ألف دونم، إلا أن إسرائيل ومحاكمها لا تعترف بملكية عرب النقب على أراضيهم، بينما اعترفت سلطة الانتداب البريطاني بملكية البدو على هذه الأراضي، فإذا كانت إسرائيل لا تعترف بملكية البدو عليها، فكيف تم شراء (66) ألف دونم من أصحابها، لصالح الصندوق القومي لشراء الأراضي "الكرن كييمت"، وتم تسجيلها، وكيف يجري حالياً التفاوض مع أصحاب الأراضي التي لا تعترف بملكيتهم عليها، حيث يعرض "بنيامين نتنياهو" عليهم تحويل نصف الأراضي التي يطالبون بملكيتها، وتسجيلها على اسمهم في الطابو، ودفع تعويضات مالية لهم على النصف الآخر، مما زاد غضب أصحابها على كرم "نتنياهو" الحاتمي.


 


            إسرائيل تتبع نفس أساليبها السابقة، للاستيلاء على الأراضي العربية، وتبتكر في كل مرة أساليب جديدة، فهي بعد أن فشلت بالإعلان عن هذه الأراضي، كأراضي دولة، أخذت تتحايل على القانون العثماني، والقانون البريطاني، للإدعاء بأن هذه الأراضي ليست أراضي للبدو، بذريعة أن البدو لم يقوموا بتسجيلها لهم عام 1921، فرفض البدو هذا الادعاء، إذ لا يعقل أن يتم سلب أراضيهم، لأن أجدادهم لم يسجلوها على أسمائهم، وحتى اليوم فإن هذه القضية ما زالت عالقة.


 


            الحكومة الإسرائيلية، كلفت الوزير "بني بيغن" بهذا الملف، للعمل على التجسير، وزيارة النقب، حيث اجتمع في مطلع شهر كانون أول الماضي، برؤساء القرى البدوية، ورئيس رابطة القرى غير المعترف بها، ومعه (70) شخصية يمثلون أصحاب الأراضي، فبيغن يعتقد أنه ما زال بالإمكان التوصل لاتفاق، بعد استماعه  إلى أفكار وملاحظات من الذين اجتمع بهم على حد قوله، وهنا نقول مرة أخرى، إذا كان البدو لا يملكون هذه الأراضي، فلماذا يتفاوضون معهم؟


 


            إسرائيل ليست فقط كالأخطبوط، بل كالمنشار في سعيها للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، ففي منطقة الخان الأحمر-على طريق أريحا القدس- يجري حالياً العمل على ترحيل (28) ألفاً من البدو، ونقلهم على مراحل إلى شرقي بلدة أبو ديس، بهدف توسيع مستوطنة "معاليه أدوميم –التي سبق واستولت على أراضٍ للبدو- فلجنة الدفاع عن الأراضي تتصدى حالياً لهذا المخطط، كما أن لجنة الدفاع نظمت إضراباً، وحشدت آلاف الجماهير العربية للتظاهر أمام مكتب رئيس الحكومة في القدس بتاريخ 11/12/2011 خلال انعقاد جلسة الحكومة، نصرة لعرب النقب الصامد في وجه أكبر مخطط استعماري يستهدف أراضيهم، فقرية "العراقيب" البدوية التي قام الاحتلال بهدمها (32) مرة، أقامها الأهالي في كل مرة من جديد، ويقولون: أن البدوي لا يتنازل عن أرضه إلى الأبد، رغم محاولة إغرائهم، فإنهم متشبثون بأراضيهم مهما كانت النتائج.


 


 


التاريخ : 4/1/2012


مقال أسبوعي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت