لنتحدث بكل صراحة فلتتوقف المفاوضات/ عباس الجمعة

ان ما تشهده فلسطين اليوم من عدوان واستيطان وحصار تتطلب عمل جدي عبر روح جديدة تستفيد من المناخ العربي والمتغيرات الإقليمية والدولية المتوقعة خلال الفترة القادمة، والعمل على توظيفها لتعزيز نضال وكفاح الشعب الفلسطيني الوطني، لاسيما أن الأولوية الأولى والمقدسة كانت وستظل بالنسبة إلى كافة الفصائل والقوى الفلسطينية إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم والإفراج الشامل عن الأسرى والمعتقلين. 


 


ومن هنا نقول ولنتحدث بكل صراحة ان ما يجري منذ مؤتمر مدريد باطلاقه شعار السلام مقابل السلام مرورا باتفاق اوسلو وما نتج عنه من مفاوضات على مدار 18 عاما لم تسفر عن اي شيئ سوى مزيدا من الاستيطان ليس في القدس وحدها، بل وأيضاً في محيط بيت لحم وباقي المدن الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، ضارباً عرض الحائط بمفاوضات الحل النهائي وبالمطالب الفلسطينية المتعلقة بهذه المفاوضات، خصوصاً في ما يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967 واعتبار القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، وبمعالجة ملف اللاجئين الفلسطينيين على قاعدة حق العودة، وفي المحصلة فإن المنطق الصهيوني القديم – الجديد يستوي مع الهدف النهائي للقادة الصهاينة وهو التهويد الكامل لمعظم الأراضي المحتلة ولمقدساتها. وفي هذا السياق يندرج قرار العدو اغلاق جسر باب المغاربة في القدس المحتلة في تهديد مباشر للمسجد الأقصى الذي شق الصهاينة تحت أركانه أنفاقاً تهدد بانهياره بزعم البحث عن أسس معبد سليمان.


 


ان عمليات التهويد هذه لو أضفنا اليها جدار الفصل العنصري الذي اقتطع 20% من مساحة الضفة الغربية والطرق الالتفافية حول المستوطنات وتحويل السلسلة الشرقية من جبال القدس الى حديقة عامة، والتوسع المنهجي للكتل والبؤر الاستيطانية العشوائية مرورا ببناء الجدران الاسمنتية على الحدود اللبنانية والاردنية، لأدراكنا إن التسوية انتهت.


 


وامام ذلك نرى ان دولة فلسطين الموعودة تحولت كانتونات محاصرة لا تتوافر لها مقومات الدولة وصولاً الى تشريع عملية الترانسفير ما بعد التسوية النهائية لينقلب مفهوم التواصل بين الفلسطينيين الى عكسه ويتحول حلم العودة للاجئين إلى كابوس عنوانه تحقيق التواصل بتحويل ما يتبقى من الضفة الغربية الى مجمعات تستوعب أعداد المهجرين الجدد من فلسطين المحتلة عام 1948 وتنتهي بذلك عملية التسوية الى فاجعة جديدة لا تقل قسوة عن فاجعة عام 48، ويسقط حلم العودة.


 


لذا فاننا ومن موقع المسؤولية نرى ضرورة توسيع دائرة المقاومة الشعبية على نطاق واسع، وانخراط الفصائل والقيادات فيها وعدم الاكتفاء ببعض المسيرات الرمزية والمحدودة، والتمسك التام بعدم العودة إلى المفاوضات قبل التزام حكومة الاحتلال بمبدأ إنهاء الاحتلال والإنسحاب إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، والوقف الشامل للاستيطان والتهويد والإفراج الشامل عن الأسرى والمعتقلين. 


 


لقد حان الوقت لأن تتخذ الجامعة العربية مواقف شجاعة في ضوء الثورات العربية تجاه الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة والدول التي تتعاون معهما، فمن المؤسف أن اتفاقات بعشرات المليارات من الدولارات توقعها بعض الشركات والحكومات العربية مع شركات تساهم بتهويد القدس والاستيطان ودعم الاحتلال، كما من غير المقبول ألا يقدم الأشقاء العرب دعماً سخياً لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني في هذه الظروف القاهرة حيث يواجه الفلسطينيون حصاراً مالياً وتهديدات اسرائيلية وامريكية وتراجعاً في المساعدات المقدمة للفلسطينيين بهدف ابتزازهم وفرض الحلول عليهم.


 


إن حكومة الاحتلال الصهيوني تتبنى برنامجاً واضحاً تقوم بتنفيذه على قدم وساق، يستهدف تهويد القدس بشكل كامل ومصادرة واستيطان أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية، وذلك للقضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، مقابل ضمّ هذه المناطق للكيان الإسرائيلي وإبقاء الفلسطينيين في معازل منفصلة يتحكم بها الاحتلال، واجهاض الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.


 


لقد حان الوقت ودقت الساعة لحرية الشعب الفلسطيني واستقلاله وعودة لاجئيه، وهذا لن يأتي إلا من خلال الجهد المتواصل والجماعي على كافة الصعد وفي كافة المجالات، وخاصة ان حق الشعب الفلسطيني في المقاومة يجب ان لا يخضع للمساومة. 



إن الثورة العربية التي انتصرت في عدد من البلاد العربية تعتبر حدثاً تاريخياً غير مسبوق في التاريخ العربي، وهي بمثابة انعتاق للمواطن العربي من أغلال القهر والاستبداد والدكتاتورية وعبودية النظام الأمني العربي. فالمواطن العربي في كل الأقطارالعربية لم يعد ذلك المواطن الذي نعرفه منذ انطلاقة الثورات من تونس وفي مختلف الميادين والشوارع والساحات في الوطن العربي، وقد انتهى عصر الزعيم الواحد والحزب الواحد والإيديولوجية الواحدة ودخلنا عهداً جديداً سيكون السيد فيه هو المواطن العربي وسيادة القانون والديمقراطية والتعددية والحريات العامة والفردية ومبدأ فصل السلطات، حيث يريد المواطن العربي ان يتذوق طعم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فإن أحداً لن يعد يستطيع إخضاعه أو قهره. 


 


لقد دفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً وما يزالون بسبب فشل وعجز النظام العربي الرسمي السابق، وهم يتطلعون إلى نظام عربي ديمقراطي جديد ينتصر لقضية فلسطين ويعبّر عن روح الأمة وشعوبها وضميرها، ونحن على ثقة بأن الضمير العربي وقلبه وروحه يمتلكها حب فلسطين والقدس. 


 


إن الثورات العربية شكلت انتصار لفلسطين ولكرامة العرب، بينما الخاسر الأكبر منها استراتيجياً الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية. وكما تأثر ملايين العرب من الانتفاضات الفلسطينية وروح المقاومة والتحدي والصمود لدى الفلسطينيين، فإن الفلسطينيين يستمدون الكثير من العون من الثورات العربية، وسيكون لذلك انعكاس لا محالة على الساحة الفلسطينية قريباً. 


 


ان استنهاض كافة الفصائل والقوى من خلال قدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية للفلسطينيين اصبح مطلب كافة المناضلين والشعب الفلسطيني، ونحن على ثقة بأن لدى الفصائل والقوى طاقات هائلة ومخزونا نضاليا لا ينضب، حيث يتوجب على كافة الفصائل التي تتداعي الحرية والديمقراطية استكمال جهدها في سبيل إنجاز المصالحة الوطنية وإنهاء كارثة الانقسام والالقاء بثقلها كاملاً في المقاومة الشعبية بكافة اشكالها وصولا لانتفاضة شعبية عارمة على غرار انتفاضة الحجر والمقلاع عام 1978. 


 


ولا بد من القول ان حرية الشعب الفلسطيني هي الجوهر بالنسبة لنا، ولأن نضالنا وكفاحنا كان من أجل تحرير فلسطين واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة لابناء شعبنا اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم وفق القرار الاممي 194 ، اصبح علينا ان نقوم بواجباتنا ومسؤولياتنا تجاه شعبنا وارضنا في كافة المجالات وعلى كافة الصعد.


 


وغني عن القول اتمنى وانا اقدر دور القيادة الفلسطينية، بكل فصائلها الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية التي يمر بها شعبنا وأمتنا، وتجديد البرامج والوسائل والأساليب، والاستفادة من المناخ الذي يسود العالم العربي، ومواصلة العمل على تطبيق ما تم التوصل اليه في القاهرة من خلال تعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء الإنقسام، وإجراء الانتخابات، والإصرار على نقل الملف الفلسطيني كاملاً إلى الأمم المتحدة، وحشد الطاقات الفلسطينية في الوطن والشتات لتعزيز الصمود والنضال. 


 


ان اختيار التوقيت لقاء عمام مع الرباعية وللذهاب الى المفاوضات السرية في حال حصولها يدلل على هشاشة الموقف العربي والفلسطيني ، والذي لن يؤدي الى اي نتائج تذكر بينما تواصل سلطات الاحتلال تنفيذ مخططها الاجرامي تجاه مدينة القدس وباقي الاراضي الفلسطينية وحصار قطاع غزة ونحن نتطلع اليوم الى موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية ونطالب مجلس جامعة الدول العربية بالانعقاد لتحمل مسؤولياته بما يجري في القدس ، وكيفية تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ومقدساته ، ووضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته ازاء عدوان الاحتلال وجرائمه .


 


لهذا على القوى والفصائل الفلسطينية أن تعي اللقاءات مع الرباعية ثنائية او غير ذلك لم تعد تجدي نفعا ، ونحن نرى سياسات الولايات المتحدة التي غطت على الدوام حالة التعسف والافقار والتخلف وتراجع المكانة الاستراتيجية للدول العربية لصالح تعزيز مكانة اسرائيل ومصالحها، ولصالح رهن ارادة الدول العربية ومقدراتها بحسابات السياسة الامريكية وتواطؤها المتواصل مع اسرائيل،وهذا يكشف زيف محاولات الادارة الامريكية لركوب موجة التغييرات بادعاء حرصها على الديموقراطية، التي تعاملت معها على الدوام بمعايير مزدوجة كما تعاملت مع قرارات الشرعية الدولية.


 


وختاما : ان ادراكنا ضرورة استخلاص العبر بما يضمن تعزيز نضالنا الوطني والديموقراطي والاجتماعي في فلسطين، وبما يضمن توسيع نطاق الارادة الشعبية وتقليص الفجوة المتزايدة بينها وبين النظام السياسي والحركة الوطنية، فهذا يتطلب العمل على استنهاض كافة اشكال النضال الوطني حتى تحقيق الحرية والاستقلال والعودة .


كاتب ومحلل سياسي




جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت