يخرج إلينا كثيرا من أبواق الإعلام ، ودون تنسيق مع صانعي القرار في أحزابهم ، ويرموا تصريحات سوداء غرابيه ، تهدف إلى رمى العصا المتسخة في دولاب الرؤية الفلسطينية المتجهة نحو المصالحة ، لتعكير ماء الوجه أمام الشعب الذي عاني عقود من الظلم الاحتلالى ، حتى إحساسه بظلم الانقسام الذي شوه حضاراتنا وقيمنا الفلسطينية ، وادخل مزيج ضبابي على تراثنا الفلسطيني الأصيل ..
ورغم تلك النائبات إلا أننا نرى أن تحقيق المصالحة ، وارد من الناحية العملية ، بين إخوة الدم الفلسطيني ، لان هناك العديد من المتغيرات الدولية والإقليمية فرضت نفسها على الطرفين المتخاصمين ..
فمن ناحية الرئيس محمود عباس وحركة فتح ، وجدوا أنه لا مفر أمامهم إلا نسيان الماضي، وفتح صفحة جديدة مع حركة حماس ، لمواجهة التحديات الأكبر ، ألا وهى استحقاق الدولة والمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني ، في ظل جسم فلسطيني واحد ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ، أن الرئيس عباس أيقن بعد تجارب مريرة أن الرهان على الأمريكان والمفاوضات مع الجانب الصهيوني أصبح ميئوس منها ، في ظل التعنت الصهيوني ، والانحياز المطلق للإدارة الأمريكية مع إسرائيل ، واستغلال قضيتنا فقط كورقة انتخابات بيد الحزب الديموقراطي والجمهوري ، ومن ناحية أخرى ، وحسب طبيعة محمود عباس السياسية والتاريخية انه لا يريد إنهاء حكمه بوجود انقسام يسجل في صفحات تاريخه ، بالإضافة إلى إستراتيجية حركة فتح التاريخية التي ترفض القسمة والانقسام ، وتخندقها الدائم وراء حرمة الدم الفلسطيني ، ووحدة القرار، واستقلال ورفض التبعية والوصاية لأي أجندات مفروضة من عتبات خارجية ، لذلك أصبحت المصالحة خيار فتح الاستراتيجي لتفويت الفرص على إسرائيل والمتربصين بالقضية الفلسطينية ..
أما فيما يتعلق بحركة حماس ، ونظرا للتغيرات العربية المحيطة بها ، وتناغمًا مع تلك الأحداث ، وما شهدته الحركات الإسلامية من تغيرات تكتيكية في برامجها ، ارتأت قيادتها الداخلية والخارجية ، انه لا مفر من قيام حكومة فلسطينية ، منتخبة تتحمل أعباء القضية الفلسطينية وملفاتها المعقدة ( اقتصاد – أمن – حدود مياه لاجئين - استثمارات – سياحة الخ ) بمعنى آخر تريد أن تحقق قفزة نحو العالمية ، وتصبح رقم في المعادلة الدولية والخروج من كهفها القديم ..
تأسيسا لما سبق نرى أن المصالحة ستحقق بالضرورة ، وان الانقسام مرض سرطاني عضال . ، الشفاء منه يحتاج إلى جرعات إنسانية ملموسة تحقق على ارض الواقع ، والتصدي للانتهازيين الذين يضعون العصي بالدولاب ..!! الساعين إلى الحفاظ على مصالحهم الضيقة، التي حققوها إبان الانقسام ، وهذا يتطلب التضحية والمواقف الجادة شعبياً ومؤسساتياً وتعبوياً ، لان حوالي 5 سنوات من الانقسام تحتاج إلى استغلال كل يوم من الأيام القادمة لمحو آثار هذا الانقسام البغيض
د. ناصر إسماعيل جربوع اليافاوي - كاتب ومحلل سياسي فلسطيني ، الأمين العام المساعد لمبادرة ( وفاق )
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت