كشفت دراسة علمية اليوم الأحد أعدها الأكاديمي الفلسطيني د.محمد فتحي شقورة أستاذ علم الاقتصاد والباحث الاقتصادي، الأهداف التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها من خلال إقامة مشروع قناة البحرين ( الأحمر – الميت).
وجاءت هذه الدراسة بعد أيام قليلة من تحذير إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة من احتمال تحرك صدع البحر الميت، مشيرة إلى أن خط الصدع هذا هو "الأعمق والأشد فتكا في الشرق الأوسط".
وأراد الباحث بأن يقدم هذه الدراسة في ظل المساعي المتواصلة واستمرار عقد الاجتماعات الخاصة بدراسة جدوى إقامة مشروع قناة البحرين.
وقال الباحث "يحتاج الوضع البيئي الحالي في البحر الميت والذي يمكن وصفه بالوضع المتردي لمعالجة سريعة، حتى لا تمتد الآثار المترتبة عليه لتشكل مخاطر كبيرة على المنطقة المحيطة ومواردها المختلفة وبخاصة المياه الجوفية والأراضي الزراعية وصناعة استخراج البوتاس، والسؤال المطروح الآن هو هل قناة البحر (الميت – الأحمر) هي الحل الأمثل لهذه المشكلة؟ أو هل يمكنها حقاً إنقاذ البيئة في هذه المنطقة؟ أم أن القناة يمكن أن تكون تهديداً آخر للبيئة في المنطقة ربما أخطر من التهديد القائم؟.
وأردف "رغم كل الجهود المبذولة للعمل في مراحل تنفيذه فإن المشروع يحمل في طياته عناصر ضعف داخلة تجعل تنفيذه أمراً صعباً، ونذكر بأن الحقوق المائية الفلسطينية لا زالت تشكل إحدى المحاور السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما يظهر أن المشروع بحاجة إلى مزيد من الدراسات المعمقة، وبخاصة على الصعيد الفلسطيني الذي يمكن أن يصاب بأكبر حصيلة من أضرار المشروع التي قد تمس بحقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما يتطلب تشجيع كافة مراكز البحث العلمي والعلماء في فلسطين لإجراء المزيد من الأبحاث لهذا المشروع.
وتابع"يجب ألا يغيب عن بالنا أيضاً الأهداف الحقيقية التي تريد إسرائيل أن تحققها من المشروع، لذلك يحتاج الأمر إلى مزيد من المتابعة والرصد والتحليل للموقف الإسرائيلي من المشروع لكشف المزيد من أسرار، هذه الأهداف التي يمكن أن تشكل مانعاً قوياً أمام الموافقة الفلسطينية على المشروع وبخاصة إذا كانت النية الإسرائيلية تتجه نحو المس بحقوق الشعب الفلسطيني، فيجب دراسة المشروع ودراسة نتائجه بكل دقة بعيداً عن التعجل وعن الضغوط الخارجية.
وذكر د.شقورة بأن الترويج لمشروع قناة البحرين بدأ منذ معاهدة السلام بين الجانبين الأردني والإسرائيلي عام 1994، في سياق المحافظة على البيئة وإنقاذ البحر الميت من الجفاف والزوال، مضيفا "إلا أن الدلائل تشير إلى أن الهدف البيئي ما هو إلا غطاء وعائي يهدف إلى التقليل من حجم الانتقادات التي يمكن أن يواجهها المشروع على المستويين الإقليمي والدولي".
وأضاف " يشغل حلم السيطرة والتغلغل في البحر الأحمر عقل وتفكير المسؤولين الإسرائيليين، فهذا الممر المائي بموقعه الاستراتيجي ظل حتى منتصف القرن الماضي "بحيرة عربية" مغلقة، حتى نجحت إسرائيل بعد حرب عام 1948 في السيطرة على قرية "أم الرشراش المصرية" والتي أصبحت فيما بعد ميناء "إيلات" المنفذ الإسرائيلي الوحيد على البحر الأحمر.
وقال"يبدو أن مطامع إسرائيل التوسعية لم تكتف بمنفذ إيلات المنعزل، فحاولت دائماً الترويج لمشاريع مشتركة مع الدول العربية تتيح لها المشاركة في إدارة شئون البحر الأحمر، ولعل آخر تلك المشروعات ما تمت إثارته في قمة الأرض التي عقدت في جنوب إفريقيا في عام 2002م بشأن حفر قناة تربط ما بين البحرين الميت والأحمر بزعم إنقاذ الأول من الاضمحلال.
الحقوق الفلسطينية المائية:-
وشددت الدراسة على أنه في أي مشروع يطرح وفلسطين جزء منه يجب مراعاة ضمان عدم المساس بالحقوق المائية الفلسطينية في حوض نهر الأردن والمياه الجوفية الفلسطينية، مؤكدة ضرورة التشاور والتنسيق مع الدول العربية المعنية للتوصل إلى موقف عربي موحد بشأن هذا الموضوع.
وطالبت بالتمسك بقرار القانون الدولي والتي تضمن الحقوق الفلسطينية، وألا تشكل مشاريع تحلية المياه المقامة في إطار هذا المشروع بديلاً للحقوق المائية الفلسطينية.
ودعت دراسة د.شقورة إلى ضرورة طرح المشروع للنقاش وعقد ورشات عمل لدراسة المشروع من جميع جوانبه القانونية والبيئية والجيولوجية والمنافع الاقتصادية التي سيجنيها الفلسطينيون من المشروع، وإشراك كافة الجهات المعنية بالدراسة، وتشكيل مرجعية وطنية للرجوع إليها في حال التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن المشروع.
كما أوصت بعرض المشروع على المجلس التشريعي قبل توقيعه بالصيغة النهائية، وبضرورة أن يتسلح المفاوض الفلسطيني مستقبلا بالخبراء المتخصصين لمتابعة الخرائط والخطط التفاوضية.
فائدة إسرائيل من المشروع:-
وخلصت الدراسة إلى أن المشروع يشكل خرقاً قوياً لكل آليات مقاطعة التطبيع مع إسرائيل على المستوى العربي، ويمثل فجوة كبيرة يمكن خلالها لإسرائيل التغلغل بقوة إلى الدول المجاورة وبخاصة دول الخليج والعراق التي تمثل سوقاً كبيراً للمنتجات الإسرائيلية.
وقالت " كما ترتكز إسرائيل على رؤوس الأموال الخليجية التي يمكن أن تستفيد منها في مشروعات صناعية مشتركة، ويعتبر المشروع دافعاً لتنفيذ مشروعات إقليمية أخرى تخدم المصالح الإسرائيلية مثل مشروع إحياء أنبوب البترول الذي يربط الموصل بميناء حيفا.
وتابعت الدراسة " بعد أزمة الطاقة العالمية بدأت إسرائيل في التفكير جدياً في تنويع مصادر الطاقة لديها، للوصول إلى أقل قدر من الاعتماد على النفط ويشكل مشروع قناة البحرين فرصة ثمينة لها، وذلك من خلال أيضاً استغلال الزيت الحجري الموجود في منطقة الجبال المطلة على البحر الميت الذي تقدر كميته بألفي مليون طن كوقود بديل عن النفط.
وذكرت أن المشروع يفتح أيضاً مجالا واسعاً للاستفادة من الطاقة الشمسية، وبخاصة أن المياه التي ستوفرها القناة ستشكل حلاً أمثل بالنسبة لمشكلة تبريد المفاعلات النووية الإسرائيلية في منطقة النقب التي يتم الآن تبريدها باستخدام المواد الأكثر تكلفة.
وأشارت إلى وجود أهمية خاصة للمشروع بالنسبة لإسرائيل من الناحية الأمنية تتمثل في خلق حواجز مائية أو سكانية تعتبر بمثابة حلاً أمنياً استراتيجياً عسكرياً يمنع تقدم أي قوات عربية أو تنفيذ عمليات عسكرية من الجهة الشرقية ضد الدولة العبرية.
وأضافت الدراسة " يتنبأ بعض المحللين بأن القناة ما هي إلا مرحلة أولى لمشروع صهيوني لا يكتمل إلا بحفر قناة ثانية تصل البحر (المتوسط بالميت)، لتصبح إسرائيل دولة محورية في العالم تمتلك قناة تضارع بل تهدد قناة السويس".
وذكرت أن المشروع يمكن أن يحدث تغيراً خطيراً في البيئة الجغرافية للإقليم، ما يعني استمرار سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية المحتلة للأبد. وبالفعل فقد أكد أعضاء الوفد الإسرائيلي المشارك في قمة جوهانسبرغ عام 2002م أنه هناك نية لدى الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ القناة التي تربط بين (البحر المتوسط والميت).
وقالت الدراسة "يرتبط هذا التصور أيضاً برغبة إسرائيل في زيادة نفوذها وسيطرتها في منطقة البحر الأحمر الذي تعتبره ذات أهمية خاصة بالنسبة لأمنها، وهو ما تقوم به بالفعل من خلال التعاون مع بعض الدول الإفريقية مثل اريتريا وأثيوبيا اللتان مكنتا إسرائيل من بناء قواعد عسكرية لها في قلب البحر الأحمر يمكنها من خلالها رصد حركة السفن وتهديد الملاحة.
وأوضحت أن مشروع قناة البحرين يرتبط بالأهداف القومية الإسرائيلية المتعلقة بتطوير وتعمير صحراء النقب بتوفير مصادر المياه والكهرباء لها وسيؤدي ذلك إلى استيعاب المزيد من المهاجرين اليهود وتغيير الطبيعة السكانية في النقب بما يشمله ذلك من الاستيلاء على مزيد من أراضي البدو والعرب في المنطقة.
استفادة مفاعل ديمونة:-
وأشارت إلى أن القناة المقترحة ستوفر لإسرائيل مصدر مياه شبه مجاني لتبريد مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب الذي يتم تبريده الآن باستخدام الطرق الهوائية المكلفة نسبياً، ما سيقلل من تكلفة إدارة المفاعل، كما سيؤدي ذلك إلى تشجيع إسرائيل على تنفيذ المزيد من المشاريع الخاصة بالمفاعلات النووية، وهو ما سينعكس على نمو القدرة النووية الإسرائيلية بشكل كبير وبخاصة في مجال إنتاج الأسلحة النووية.
وحذرت دراسة الباحث شقورة من إمكانية أن تستفيد إسرائيل من هذا المشروع في تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكل عام ومنطقة الأغوار بشكل خاص، والتي تتمتع بأهمية كبيرة من الناحية الأمنية والسياسية والبيئية.
وأكدت أن إسرائيل ستستفيد أيضا من هذا المشروع في خلق صناعات جديدة كصناعة تحلية المياه وغيرها، ما سيتيح لإسرائيل السيطرة على سوق تحلية المياه الذي بدأ يتعاظم في منطقة الشرق الأوسط مع تزايد حدة مشكلة المياه وبخاصة في منطقة الخليج.
وأشارت الدراسة إلى أنه في الوقت الذي تتخوف فيه بعض الدراسات من مساعي إسرائيل لمحاولة استغلال القناة المقترحة كبديل للتنقل عن قناة السويس، هناك تخوف آخر يتمثل بإمكانية تأثر درجة ملوحة البحر الميت، والذي تعتمد عليه الأردن وإسرائيل في استخراج الأملاح في كثير من الصناعات مثل صناعة الأسمدة.
كما حذرت من إمكانية التأثير على النشاط الزلزالي في المنطقة، حيث أن هذه القناة سوف تمر فوق فالق شمال أفريقيا وهو نشيط زلزالياً، كما حذرت من إمكانية التأثير على المياه الجوفية في الأردن نتيجة تسرب المياه المالحة إلى باطن الأرض.
وقالت: في حالة تنفيذ المشروع فإن كميات هائلة من مياه البحر الأحمر ستصب في البحر الميت الذي هو أخفض منطقة في العالم، وبالتالي فإن الضغط على قعر البحر الميت سيزداد متسبباً بحدوث اختلالات عبر طبقات الأرض، كما أن هذه القناة سوف تمر فوق فالق شمال أفريقيا وهو نشط زلزالياً، وأي تسرب للمياه قد يؤدي إلى تحريك الفالق وتنشيط الزلازل.
وأضافت" هذا المشروع قد ينتج عنه تكوين بحر آخر يختلف في خصائصه وصفاته وطبيعة مياهه عن البحر الميت الموجود الآن، فتدفق مياه البحر الأحمر الأقل ملوحة إلى البحر الميت سيؤدي إلى اختلال التركيز الكيميائي لطبقات مياه البحر الميت، وبالتالي لن يتحقق الهدف الأساسي من المشروع وهو (إنقاذ البحر الميت).
وتابعت الدراسة "سيؤثر الانخفاض في نسبة ملوحة البحر الميت على عملية التبخر التي ستزيد من معدلاتها الطبيعية، وبالتالي سيحدث تغييراً على مناخ المنطقة الجاف وترتفع درجة الرطوبة ويتحول المناخ إلى حار رطب.
وطالبت بمراعاة إمكانية تأثير ارتفاع منسوب البحر الميت سلباً على المياه الجوفية، حيث أن زيادة منسوب البحر الميت سوف يؤدي إلى الضغط على المياه الجوفية العذبة المخزنة وتحريكها وخروج كميات هائلة من المياه الجوفية إلى السطح.
آثار بيئية وسياحية:-
وأوردت دراسة الباحث شقورة تأكيدات عدد من خبراء البيئة من أن البحر سيتحول إلى اللون الأبيض ثم الأحمر الدامي بسبب اختلاط مياهه بمياه البحر الأحمر نتيجة تفاعل بكتيريا الحديد، وبالتالي سيؤثر على طبيعة مياه البحر الميت ثم على السباحة فيه.
وأوضحت أن المشروع سيؤثر أيضاً على بيئة البحر الأحمر نتيجة اختلاط مياهه بمياه البحر الميت شديد الملوحة، مما يؤثر على الأحياء المائية في البحر الأحمر وبخاصة الشعب المرجانية.
وقالت الدراسة " رغم أن المشروع يضع السياحة ضمن أهم أولوياته، إلا أن التأثيرات السلبية التي ستطرأ على طبيعة مياه البحر الميت سوف تؤدي إلى نتائج سلبية على إقبال السياح لشواطئ البحر الميت الذي هو طبيعة فريدة من حياة البحر.
كما حذرت من إمكانية استغلال إسرائيل هذا المشروع لخدمة مساعيها لخلق واقع ديمغرافي جديد في منطقة النقب عبر استيعاب المزيد من المهاجرين اليهود لإقامة تجمعات سكنية بعد توفير تحلية المياه وتوليد الطاقة لإسرائيل. وهذا بدوره يشكل حاجزاً دفاعياً لإسرائيل أمام أية قوات عربية.
كما أوضحت أن إسرائيل قد تستفيد عسكريا من المشروع بإقامة المزيد من المفاعلات النووية سيمكنها من تضخيم قوتها العسكرية وتطويرها وهو ما يهدد أمن المنطقة. حيث أن إسرائيل ترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
يذكر أن معد هذه الدراسة يحمل درجة الدكتوراة في الاقتصاد، ولديه أبحاث عديدة تتعلق بالاقتصاد الفلسطيني، وتأثير الحصار الإسرائيلية على التنمية في فلسطين، وهو يعمل باحثا في قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة في جامعة الدول العربية.