عدلت كاميرا الذهن المتجرد من الانحياز ووضعتها في خط أمامي مستقيم، إلتقطت الصورة فجأة فرأيت فيها تفاصيل اللقطة الطبيعية وبدون رتوش، كانت الثنائية الملفتة للنظر والأكثر جاذبية هي ثنائية اشتباكية حديثة جدا تولدت بفعل تفاعلات الانقسام الثنائي بين فتح وحماس وبين غزة والضفة الغربية.
ومنذ عام كانت أخطر الانقسامات الثنائية في فتح، ثنائية دحلان عباس، وهكذا في المدى المنظور من الانشطارات الثنائية والتي قد تتواصل في الخارطة السياسية، والجغرافية الفلسطينية، والتي قد تطال حماس بذات المفاجأة الفتحاوية من انقسام دحلان عباس، فنرى قبل الانتحابات انقسام مشعل الزهار، أو جغرافيا بين جنين ورام الله، أو انقساما خفيا مستحضرا بين عاطفة شرق غزة عن عاطفة غرب غزة وهكذا.
انظروا كيف أن الانقسام الثنائي السلبي الكبير الأول يولد انقسامات ثنائية أخرى أكثر سلبية، والشيء الفريد الذي يلفت النظر بالصورة كما ذكرت، هو أن كل ثنائية تجد أمامها ما لا تحب، فثنائية حماس وعباس لا تحب دحلان، وثنائية حماس ودحلان لا تحب عباس، وثنائية دحلان وعباس لا تحب حماس.
أي أن هذه المعادلة المعقدة الجاثمة على السطح والمستعصية على الحل قبل الانتخابات ستنقل المجتمع الفلسطيني في الانتخابات القادمة على الأرجح لتحدي أكبر من تحدي الانقسام الأول الأول اذا استمرت عقلية الثأر والاستئصال والكراهية تخيم وتعشش في المزاج العكر للثنائيات.
ما يزعج، وما يحزن بشكل أقل حدة على أهميته في لقطة الثنائيات الذهنية المفاجئة والملفتة للنظر، تلك الثنائيات المزمنة الراكدة، الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، الجبهة الشعبية وحزب الشعب، الجبهة الديمقراطية وفدا، الجبهة العربية والجبهة الفلسطينية، حزب الشعب والمبادرة، إلخ إالخ، التي أطاحت بمستقبلهم وهي التي ارتضت لنفسها الصمود حتى التشظي والجلوس على قارعة المصالحة فرحة بما منت عليهم ثنائية فتح وحماس، فصاروا كشاهد زور على مسرحية التقاسم الجغرافي والاداري الفتحمساوي للبلد المنكوب أصلاً، وتلك الظاهرة البائسة التي يتلاعبها اليساريون أصلا والليبراليون عباءة، بالالتحاق مرة بحماس ومرة بفتح متغطين بعباءة شفافة يرى من خلفها الجمهور رقصات الاستربتيز الشهيرة لبعضهم والتي في احدى مشاهدها ضبط اثنين من أعضاء مركزية فتح يرقصونها أيضا طمعا في دعم ترشحهم للرئاسة قبل انتهاء العقد الثامن للزعيم الأوحد، متناسيين هؤلاء الاستربتيزيون أن حماس لا يرويها لقطات الاستربتيز في عصر تربيع الزوجات.
الحالة الفلسطينية في الصورة الطبيعية الملتقطة تصعب على الكافر، ولكنها تسعد المستلزين بتعدد الزوجات والفلل والسيارات واليورو والدولارات، وتسعد راقصي الاستربتيز وتحول بعضهم الى معيز، وحاملي زجاجات رماد الشهداء يبيعونها في خمارات السياسة الواقعية الوقحة والحياة مفاوضات يظهرون فيها جميعا غدا دون ستر عوراتهم ليسكر فيها الأتقياء المؤمنين بالهدنة ايمانا عميقا للوثة السلطة العمياء ، وليسكروا من روح الله والوطن والمعاناة، ويثمل فيها تجار مفاوضات السراب السكستي نايني والتحرش الاستيطاني.
نصيحتي للسياسيين العراة ولمن لا عقل له من القادة الجاثمين على صدور شعبنا، ومن لا علم لهم من آكلى العشب الفلسطيني، ومن لا ذمة ولا ضمير من علماء السلطان بدون سلطنات، ومن خان حزبه ورفاقه في كل الانشطارات الحزبية والجغرافية، ومن سار منكم على الدرب ولم يصل، ومن يتمنى منكم يا كارهي الشعب أمنية رابين لغزة وسكانها، ومن لا يجيدون الا التآمر على بعضهم البعض طوال الوقت، ومن لديهم بقية من ضمير وطني أو ديني ولو كان مطاطيا وهم قلة منكم، أن انصرفوا عن ظهر هذا الشعب، أو انصاعوا لطلب الشعب، وأجروا انتخابات نزيهة، واتركوا الحرية لكل مواطن، ودون حقد وتربص وتآمر واستئصال وصناعة مشاكل ستأخذكم وتأخذونا الى حروب جديدة تذبح شعبنا لصالح المشروع الصهيوني ... شعبنا يريد منكم الهدوء أيها الطلاب الفاشلين والمشاغبين، فهذا هو حجمكم كما أثبتموه طوال الوقت، فلعل سياسيين جدد أو من لديه قدرة يأخذ بأيدينا من الغرق، وإلا فإن ثورة شبابنا لن تتأخر طويلا ... لدي شك أن تصبحوا طلابا صالحين.
9/1/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت