رؤية الشهيد صلاح خلف/ عبد الرحيم محمود جاموس

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

 


بمناسبة الذكـرى الحادية والعشرين لاستشـهاد القائد الرمز


 


صلاح خلف " أبو إياد "


 


يسرنا إعادة نشر رؤيته لمشروع السلام الفلسطيني المرحلي المبني على أساس حل الدولتين.


 


14/01/2012م


 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 


رؤية الشهيد صلاح خلف " أبو إياد "


 


لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس مبدأ الدولتين


 


 


 


تقديم / عبد الرحيم محمود جاموس


 


عضو المجلس الوطني الفلسطيني


 


مدير عام مكاتب اللجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني بالسعودية


 


 


 


الشهيد القائد صلاح خلف " أبو إياد " عضو اللجنة المركزية لحركة " فتح " والذي استشهد في تونس في 14 يناير 1991م، والذي يعتبر من أهم وأبرز القادة التاريخيين المؤسسين لحركة " فتح " إلى جانب الشهيدين ياسر عرفات وخليل الوزير وغيرهما من القادة التاريخيين، وكان يتمتع بكاريزما قيادية خاصة ميزته بين رفاقه وبين القيادات الوطنية الفلسطينية المختلفة، كان ثورياً واقعياً وصاحب رؤية ثاقبة وجريئة، لعب دوراً محورياً في تطوير الفكر السياسي الثوري الواقعي في الساحة الوطنية الفلسطينية على مدى ثلاثة عقود، استطاع أن يكون خلالها احدى اهم ضمانات الأمن والأمان لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وعمل على حماية منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جبهوي جامع لكل القوى الفلسطينية، كان مؤثراً وفاعلاً في تطوير فكرها السياسي وبرامجها النضالية، فكان ركناً أساسياً في إتخاذ القرار على مستوى الكفاح المسلح وكذلك على مستوى قرار السلام، كان ذا شخصية قيادية جذابة صلبة ومحاوره ومحيره، حمل همّ شعبه الوطني مبكراً منذ وقعت النكبة الكبرى سنة 1948م.


 


سجل الشهيد صلاح خلف " أبو إياد " رؤيته لمستقبل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي في مقالة هامة له بعنوان (( عودة السيف إلى غمده )) وفيها إجابته على عدد من الأسئلة المحورية والجوهرية الملحقة بها والمتعلقة برؤيته وفهمه للسلام ورؤية منظمة التحرير الفلسطينية، وقد نشرت هذه المقالة في مجلة السياسة الخارجية الأمريكية في عددها رقم (78) في ربيع 1990م أي قبل استشهاده بنحو تسعة أشهر وقبل انطلاق مؤتمر مدريد للسلام بعام ونصف تقريباً، ونظراً لما تتوفر عليه هذه المقالة وملحقها من الأسئلة والأجوبة من أهمية بالغة لفهم الرؤية الفلسطينية للسلام مع إسرائيل ولما فيها من جرأة وبعد نظر ووضوح في رؤيته الخاصة للسلام الفلسطيني الإسرائيلي من مختلف جوانبه المرحلية والمستقبلية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وديمغرافياً وعسكرياً ...الخ، فقد إرتأينا إعادة نشرها كي يطلع عليها القادة والكوادر والعناصر التي لم يسبق لهم الاطلاع عليها والذين يتحملون اليوم مسؤولية الهم الوطني والمشروع الوطني وأخص بالذكر الأخوة في فرق المفاوضات المختلفة ليسترشدوا بها وبالرؤية الثاقبة والصائبة للشهيد القائد الخالد صلاح خلف حيث تجيب رؤيته على أكثر الأسئلة إلحاحاً وخطورة ودقة وتحدد الموقف الفلسطيني من الثوابت الفلسطينية بشفافية ووضوح وكذلك مما بات يعرف اليوم بقضايا الوضع النهائي، بل يضيف إليها رؤيته المستقبلية للوضع الفلسطيني الإسرائيلي ولمصير الحل القائم على مبدأ الدولتين وإمكانية تطويره بالإرادة الحرة والمشتركة للطرفين والتي ستكون على أساس المصالح المتبادلة للطرفين والمتولدة عن إحلال السلام محل العنف والصراع لتطوير العملية السلمية من حل الدولتين كحل مرحلي إلى حل الدولة الواحدة أو الثنائية القومية كحل استراتيجي نهائي وفق ما ستمليه مصالح الطرفين مستقبلاً بما يضمن ويكفل لهما العيش المشترك والدائم بأمن وسلام بعيداً عن كل أشكال العنف التي ستبقى متواصلة وتلف الطرفين طالما بقي السلام بعيداً وطالما استمرت القيادة الإسرائيلية في إنكار الحقائق الموضوعية للحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة وغير القابلة للتصرف.


 


في ختام هذا التقديم المتواضع لا يسعنا إلا أن ندعو الله عز وجل أن يتغمد شهيدنا القائد (أبو إياد) وجميع شهداء شعبنا ممن سبقوه أو لحقو به في مسيرة كفاحنا الوطني وعلى رأسهم الشهيد الخالد الرمز ياسر عرفات وأمير الشهداء أبو جهاد برحمته الواسعة وأن يسكنهم جناته وأن يجزيهم عما قدموه لشعبهم وأمتهم وقضيتهم خير الجزاء إنه سميع مجيب.


 


عبد الرحيم محمود جاموس


 


الرياض : 23/04/2008م


 


 


 


وفي ما يلي نص المقالة :


 


·       إعادة السيف إلى غمده


 


 


 


بقلم : صلاح خلف ( أبو إياد )


 


( عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول شئون الأمن القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية ).


 


شهد العام المنصرم تغييرات عاصفة وغير متوقعة في النظام العالمي السائد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ونشهد الآن قيام توازن عالمي جديد لم تتضح معالمه بعد وسيتأثر العالم كله بما في ذلك الشرق الأوسط بالنظام الجديد.


 


ورغم هذه الفترة المضطربة فإن الشعب الفلسطيني وممثله منظمة التحرير الفلسطينية يرون وجود فرص جديدة للسلام في الشرق الأوسط. ومع نجاح حركة التغيير في الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية وجنوب أفريقيا وغيرها في إزالة النظم العفنة والمعتقدات المتحجرة، فإن شعب فلسطين جزء من هذه العملية التاريخية بالرغم من خصوصية الظروف والتحديات التي يواجهها.


 


ولقد طرحت عملية التغيير قضايا كبيرة مثل حق تقرير المصير والحرية وحقوق الإنسان، ولا يمكن للنضال الفلسطيني أن يظل معزولاً وسط بيئة عالمية تقر بتلك الحقوق لكافة الشعوب.


 


وضمن هذا الإطار فإن م.ت.ف تعتبر برنامجها السياسي الراهن القائم على القبول بدولتين فوق أرض فلسطين المتنازع عليها منذ قرن كامل، مضافاً إليه الانتفاضة غير العسكرية لشعبها في الأراضي المحتلة، أمرا متماشيا مع روح العصر، وينطلق قرار م.ت.ف بالاعتراف بإسرائيل والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على جزء فقط من أرض آبائنا وأجدادنا القدماء من اعتبارات براغماتية بحتة تتمثل في الانفتاح والاستعداد بالتخلي نهائيا عن الخلافات والتوجهات والافتراضات القديمة.


 


وتؤمن م.ت.ف بأن مبادرتها السلمية قد اخترقت " حائط برلين " الذي كان يقف عقبة كبيرة في وجه تسوية النزاع، وأضحت الآن مهمة كل الذين يسعون حقا للسلام توسعة ذلك الاختراق لإزالة الحواجز المتبقية في وجه حياة حرة ومسالمة للعرب واليهود في الأراضي المقدسة.


 


ولم تمر القضية الفلسطينية في تاريخها بظروف دولية ومحلية أكثر ملاءمة للتسوية في الظروف الراهنة، فقد خفت حدة التنافس الكوني بين القوى العظمى إلى درجة كبيرة، كما تم تخفيض سباق التسلح وأخطار الدمار النووي إلى حدها الأدنى وتظهر القوتان العظيمتان استعدادا للتعاون لتسوية النزاعات الإقليمية كما حصل في أفغانستان وانجولا وكمبوديا وغيرها، ويرى الغرب أن " التهديد السوفياتي " يكاد يزول تماما نتيجة التغييرات الداخلية العميقة التي يمر بها الإتحاد السوفياتي، ونتيجة لقيام السوفيات بإعادة تقييم لالتزاماتهم في العالم الثالث، كما أن الشيوعية كعقيدة تعيش في حالة احتضار في الوقت الذي يتم فيه إعادة التأكيد على القيم الإنسانية الأساسية.


 


ويرى البعض بأن حقبة الوفاق الدولي الجديدة والتغييرات المصاحبة لها ستؤدي إلى تخفيف الضغوط على إسرائيل للتوصل إلى تسوية، ولكن م.ت.ف ترى الأمور بشكل مختلف فرغم أن احتمالات وقوع حرب عالمية بسبب أزمة الشرق الأوسط قد تضاءلت، فإن استمرار النزاع سيولد بالضرورة أخطارا محلية على إسرائيل وعلى المصالح الحيوية للعالم الغربي في المنطقة.


 


ومن بين هذه الأخطاء العودة إلى التطرف القومي ( الواضح فعلا في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي )، وتصاعد الأصولية الإسلامية حتى في أوساط الفلسطينيين، وتزايد خطر الحرب النووية والكيماوية او البيولوجية ( خصوصا على ضوء جهود إسرائيل الهائلة في هذه المجالات )، وأخيراً زيادة عدم الاستقرار الداخلي في دول الشرق الأوسط المقربة من الغرب.


 


وقد لا يكون حل القضية الفلسطينية بمفردة كافيا لإزالة كل تلك المخاطر ولكنه بالتأكيد سيسهم إلى حد كبير في نزع فتيل التفجير منها، والأمر المؤكد هو أن غياب حل منصف للقضية سيضاعف من التوترات القائمة والمحتملة إلى درجة قد تصبح معها السياسات البراغماتية والعلنية المماثلة لسياسة م.ت.ف الحالية غير ممكنة وغير ذات معنى.


 


ويلقي هذا الوضع عبئا فريدا على الإسرائيليين الذين ما زالوا يعارضون التسوية، ويظهر الضرورة القصوى لاستمرارية مشاركة الولايات المتحدة في لعب دور بناء في عملية السلام، وتشكل سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية انتكاسة من حيث عودتها للنظام الفكري والسياسي القديم متحدية بذلك كافة التغييرات الايجابية التي تجري على نطاق عالمي، ولم تعد الفكرة القائلة بامكانية استمرار حكم كولونيالي إلى أجل غير مسمى لشعب مصمم على نيل حريته وتقرير مصيره بنفسه فكرة مقبولة أو قابلة للحياة مع إشراف القرن العشرين على نهايته، ولكن هذا بالضبط ما تقدمه خطة شامير، نسبة إلى رئيس وزراء إسرائيل اسحق شامير، للفلسطينيين في مقابل استعدادهم للتفاوض وإنهاء النزاع على أساس الاعتراف المتبادل.


 


التردد الأمريكي


 


ان الحقيقة المذهلة والمؤلمة في آن واحد لا تتمثل في موقف شامير وأمثاله من الاسرائيليين وإنما تتجلى في موقف الولايات المتحدة، وبينما بذلت م.ت.ف كل جهد ممكن من جانبها لإظهار حسن النية والمرونة تجاه الولايات المتحدة، نجد الأخيرة غير راغبة أو غير قادرة على الابتعاد عن المواقف والسياسات الإسرائيلية الرسمية الأكثر تطرفاً، وبدلاً من أن تصغي الإدارة الأمريكية للأصوات الإسرائيلية العاقلة من أمثال أبا إيبان وعيزرا وايزمن ويهشوفاط مركابي وغيرهم قامت بتبني خطة شامير بكاملها، والواقع أن الولايات المتحدة لم تظهر حتى الآن أي قدر من الحياد أو الإنصاف في تعاملها مع القضية الفلسطينية.


 


فقد وعد الرئيس ريجان علنا بحوار " بناء وشامل " مع منظمة التحرير عند اتخاذه لقرار إجراء محادثات أمريكية – فلسطينية في ديسمبر / كانون أول 1988م، ولكن في الحقيقة لم يتم بحث أي مواضيع جادة حتى الآن، كما ترفض الولايات المتحدة الإجابة عن الأسئلة الجوهرية في المحادثات في الوقت الذي قامت به إدارة بوش من جانب واحد بتخفيض مستوى الحوار الأمريكي – الفلسطيني.


 


ونتيجة لذلك فإن منظمة التحرير الفلسطينية ليس لديها أي تصور واضح أو عميق لسبب امتناع الولات المتحدة عن تأييد الحل القائم على دولتين في فلسطين، أو للأسباب الكامنة وراء اعتراض الولايات المتحدة على ذلك الحل، وهذه المسألة جوهرية بالنسبة لمنظمة التحرير، وبالتالي فإنها حريصة على توضيح أبعادها.


 


تشعر م.ت.ف بانها قد نجحت في إثبات نواياها الحسنة، وإن بإمكان الولايات المتحدة عمل المزيد لإثبات أنها غير مقيدة تماما بفعل علاقتها الخاصة بإسرائيل، ويأتي إحياء وتقوية الحوار في تونس ضمن السياق المطلوب، ولكن الأهم والأكثر واقعية ضرورة قيام الولات المتحدة بالتأكيد على موقفها الرافض لسياسة إسرائيل الاستيطانية في الأراضي المحتلة، واتخاذها لإجراءات تضمن وضع حد لكافة السياسات الاستيطانية في تلك المناطق تماشيا مع ما أعلنه جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا في مايو / أيار 1989م.


 


ومن المسائل الهامة الأخرى في هذا الصدد مسألة الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي، ومن المعروف أن القضية المركزية في مجال حقوق الإنسان بالنسبة لأمريكا ولسنوات طويلة كانت ضمان حرية الهجرة للهيود السوفيات، ولكن في نفس اللحظة التي رفع فيها الاتحاد السوفياتي الحظر المفروض على هجرة اليهود السوفيات قامت الولايات المتحدة من خلال التنسيق مع إسرائيل بإغلاق أبوابها في وجه أولئك المهاجرين متجاوزة بذلك " حقوق الإنسان " والرغبات أو التفضيلات الخاصة للمهاجرين، ولقد اغتنم شامير فرصة وفود آلاف المهاجرين في تبرير تمسكه بسياسة " إسرائيل الكبرى " مستخدما إياها في الوقت نفسه كرد حاسم على المشاغل الديمغرافية " السكانية " التي تقوم عليها سياسة حزب العمل الأرض مقابل السلام ولا يمكن للفلسطينيين أن يصدقوا الولايات المتحدة بأراضيها الواسعة ومواردها الهائلة أنها تعجز عن امتصاص عشرات الالآف من المهاجرين سنوياً.


 


ولا يمكنهم أن يصدقوا كذلك أنه لا تترتب أية أخطار على توريد تلك الأعداد إلى إسرائيل، آخذين بالاعتبار ميل القيادة الإسرائيلية الحالية إلى توسيع نطاق تواجدها الاستيطاني " الكولونيالي " في المناطق المحتلة.


 


وكذلك لا يمكن للفلسطينيين أن يستوعبوا تأييد الولايات المتحدة لحق اليهود السوفيات في الذهاب إلى إسرائيل ومعارضتها لحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم، وبالتالي فإن م.ت.ف تدعو الولايات المتحدة إلى مراجعة قرارها بالحد من الهجرة اليهودية إليها نظراً لتأثير تلك الهجرة الخطيرة في حال استمرارها على النزاع وعلى آفاق السلام.


 


وان بادرة كهذه كفيلة بإظهار صدق النوايا الأمريكية تجاه الفلسطينيين بدون أن تؤدي إلى توتير العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، كما إن بادرة كهذه ستكون مؤشراً على تصميم الولايات المتحدة على الابتعاد ولو بمقدار بسيط عن السياسة الإسرائيلية المتطرفة والمعرقلة للسلام.


 


ورغم أن هذا الأمر قد يبدو غريبا لأول وهلة، فإن لإسرائيل والشعب الفلسطيني أهدافا متشابهة يمكن التوفيق بينها، فإسرائيل تريد ان تكون سيدة مصيرها أي دولة مستقلة وآمنة تعيش بسلام مع جيرانها، ونحن لا نطالب لأنفسنا بأكثر من تلك الحقوق.


 


ان حكومة إسرائيل تؤمن بأن أهداف كل من الدولتين المقترحتين متعارضة وتنفي إحداهما الأخرى، فهي ترى بأن استقلال وأمن وسلام إسرائيل مسألة ممكنة التحقيق فقط في حال حرمان الفلسطينيين من تلك الحقوق أو في حال تقييد حق الفلسطينيين في تلك الأمور تقييدا شديدا ولكن الفلسطينيين يؤمنون الآن بأن مصير مساعي الشعبين للاستقلال والأمن والسلام متشابك أو متداخل فإما أن ينجحا معا أو يفشلا معاً.


 


وان خطة السلام الفلسطينية مبنية على ذلك الاعتقاد وعلى تلك القناعة، وتم تقديم تلك الخطة إلى إسرائيل في نوفمبر / تشرين الثاني 1988م بعد أن تبنى المجلس الوطني الفلسطيني وهو أعلى سلطة سياسية للشعب الفلسطيني، قرارات تدعو إلى حل يستند إلى قيام دولتين في فلسطين والى تقسيم أرضها بين الشعبين.


 


والخطة الفلسطينية بسيطة، ان إسرائيل ستعيش بسلام مع الدولة الفلسطينية التي ستقوم في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، ان هذا الحل النهائي سيكون جزءا من اتفاق عربي – إسرائيلي شامل يحقق السلام بين الدولة الإسرائيلية والدول العربية، وبالتالي تزول هواجس إسرائيل الأمنية من ناحية ويتفرغ العرب لاستثمار مواردهم وطاقاتهم في بناء مستقبل مزدهر وآمن لأولادهم، وضمن إطار ذلك السلام الشامل سيكون الفلسطينيون مستعدين لتقبل أي ضمانات وترتيبات أمنية محلية أو إقليمية أو دولية لا تمس سيادة أي دولة من الدول المعنية.


 


وكانت منظمة التحرير الفلسطينية تدرك أثناء تقديمها لخطة السلام الخاصة بها مدى الصعوبات التي ستواجهها والتي يأتي في مقدمتها ضرورة إزالة العوائق النفسية الموجودة لدى الإسرائيليين والفلسطينيين قبل بدء أي مفاوضات جادة، ويدرك الفلسطينيون أن ما يزيد على نصف قرن من الكره والخوف وسفك الدماء مسألة لا يمكن تجاوزها بوثيقة واحدة أقرها مجلسهم الوطني، ولقد عبر العديدون في إسرائيل وفي الغرب عن شكوكهم تجاه نوايانا الحقيقية، ولا بد من التغلب على هذه الشكوك، سواء كانت مبررة أو غير مبررة، اذا أريد لحلقة الموت والدمار أن تتوقف، وكان ذلك هدف م.ت.ف الرئيس طوال العام الماضي.


 


ولقد عملنا خلال الفترة المذكورة بدون أية مساعدة، لا بل أحيانا في مواجهة معارضة نشطة، من قبل الأطراف الأخرى المعنية بالنزاع في محاولة إعطاء إجابات على الأسئلة الحائرة لشعبنا ولإسرائيل وليهود العالم وللرأي العام العالمي، وبينما لا يزال بعض الفلسطينيين يتشككون في مدى صدق نوايا إسرائيل حول رغبتها في السلام، فإن العديد من الإسرائيليين لا يزالون مقتنعين بأن منظمة التحرير منخرطة في خطة شيطانية هدفها النهائي تدمير إسرائيل وهذه القناعة وللأسف الشديد تجد من يتبناها في الغرب.


 


وفي التحليل النهائي، لن يطمئن الفلسطينيون إلى نوايا إسرائيل الحقيقية إذا لم تقر لهم بحق تقرير المصير، ولن يقتنع الإسرائيليون بأن م.ت.ف تسعى للعيش معهم بسلام إلا عبر الممارسة الفعلية للحياة السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن إلى أن يتحقق ذلك الأمر للطرفين ستظل عملية السلام معرضة للإجهاض من قبل المتشائمين والرافضين في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني قبل أن تستكمل عملية توليد الثقة اللازمة للحؤول دون الانزلاق مرة أخرى إلى دائرة العنف، ولا بد من الرد على كافة الظنون والشكوك.


 


لقد تنازلت منظمة التحرير عن حلمها في إقامة دولة ديمقراطية عربية – يهودية في فلسطين ما قبل 1948م، ولقد فعلنا ذلك بعد إدراكنا أن ذلك الحلم ممكن التحقيق فقط في حال وجود إجماع عربي – يهودي عليه، ولا يمكن بناء دولة موحدة ثنائية القومية بدون موافقة القوميتين، ولن تكون الدولة الموحدة ثنائية القومية قادرة على الحياة إذا فرض أحد طرفيها قيامها بالقوة على الطرف الآخر.


 


وقد يأتي اليوم الذي يقرر فيه يهود إسرائيل وعرب فلسطين، نتيجة للثقة المتبادلة التي تولدها فترة من التعايش السلمي والتعاون، إقامة شكل من أشكال الاتحاد فيما بينهم لأنه يخدم مصالحهم، ولكن إلى ان يحين ذلك اليوم يظل أفضل سبيل لحفظ مصالح كل من الشعبين بقاؤهما منفصلين كل في حاله.


 


ولم تتنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن الحقوق الأساسية لشعب فلسطين، وليس في نيتها ان تتنازل عن تلك الحقوق، ولقد أصدرنا اشارات كثيرة عديدة لإثبات جدية مبادرتنا السلمية، فقد احتفظنا بحقنا في مقاومة الاحتلال بكافة السبل ولكن انتفاضتنا اعتمدت أشكال النضال غير العسكري رغم أن البنادق الإسرائيلية مستمرة في قتل الفلسطينيين، ولقد اعترفنا بقراري الأمم المتحدة 242 و 338 وقمنا بإدانة الإرهاب بكافة أشكاله، وقبلنا حق إسرائيل في الأمن والسلام رغم استمرارها في إنكار ذلك الحق لشعبنا، كما أعلنا عن استعدادنا للجلوس مع أي مسؤول إسرائيلي لبحث خلافاتنا بالرغم من أن القانون الإسرائيلي يحرم على المواطنين الإسرائيليين أي شكل من أشكال الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية.


 


ولكن يجب الا يساء فهم المرونة التي أظهرناها حتى الآن على أنها تشكل استعدادا للتنازل عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في أرضه في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، فهذا تنازل لن نقدمه أبداً من جانب واحد أو بأي شكل آخر، وكلما أدرك الجميع ذلك مبكراً كلما اقترب إحلال السلام في الشرق الأوسط.


 


إن منظمة التحرير الفلسطينية ليست على استعداد لعقد اتفاق منفصل مع إسرائيل على حساب الدول العربية الأخرى.


 


وتسعى منظمة التحرير إلى حل فلسطيني – إسرائيلي كجزء لا يتجزأ من تسوية عربية إسرائيلية يتم التفاوض حولها في مؤتمر دولي للسلام وذلك لضمان تسوية دائمة وثابتة لكل الأطراف المعنية.


 


إجابات لإسرائيل


 


لابد لمنظمة التحرير الفلسطينية من تقديم اجابات على الأسئلة الرئيسية التي يطرحها الإسرائيليون ويهود الشتات وأنصارهم في أوروبا والولايات المتحدة :


 


ان اقتراح مشروع حل يقوم على إنشاء دولتين في فلسطين ليس مرحلة أولى في خطة لتصفية الدولة اليهودية، فإن خطة كهذه لا بد وأن تقوم على ثلاث افتراضات وهي:


 


(1) ان الشعب الفلسطيني المحكوم حاليا بيد حديدية سيقرر ذات يوم اخضاع شعب آخر يوازيه أو يفوقه عدداً (2) ان الدولة الفلسطينية الصغيرة التي ستنشأ في الضفة الغربية وقطاع غزة ستحظى مستقبلا بقوة عسكرية قادرة على هزيمة أقوى دولة في الشرق الوسط (3) ان المجتمع الدولي سيقف متفرجا وهو يشاهد تصفية الدولة اليهودية، ان هذه الافتراضات تصور الفلسطينيين على أنهم اساطين في الخداع والمكيدة وصانعي معجزات وتصف العالم ككل بالافلاس الأخلاقي التام، وبالتالي لا تشكل تلك الافتراضات الثلاث أي أساس لرفض عرض سيؤدي قبوله إلى إحلال السلام والازدهار في الشرق الأوسط، ان الحل القائم على دولتين في فلسطين والذي تبناه المجلس الوطني الفلسطيني يبز ( يتفوق على ) هدف الدولة الواحدة المنصوص عليه في الميثاق الوطني الفلسطيني، كما أن قبول إسرائيل بمقترح الدولتين يبز ( يتفوق على ) التزامها بإقامة " إسرائيل الكبرى ".


 


.. لن تكون الدولة الفلسطينية قاعدة لأي عمليات إرهابية فلسطينية أو غير فلسطينية ضد إسرائيل، وبما أن منظمة التحرير تتوقع عدم ثقة إسرائيل بكلامها حول هذه النقطة، فإن المنظمة ترى ضرورة النص على ترتيبات أمنية وتوقيع إتفاقات أمنية حول التعامل مع أي حالات اعتداء إرهابي على إسرائيل.


 


.. من الصحيح إن الموافقة على مبادرة م.ت.ف للسلام أو على سياستها لم تصدر عن جميع الفلسطينيين ولا عن كافة المنظمات الفلسطينية.


 


فبعض الفلسطينيين داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة أصدروا تصريحات معارضة لسياسة م.ت.ف وقاموا بأفعال تتعارض مع موقفها، وان م.ت.ف ترفض تلك التصريحات وتتبرأ من تلك الأفعال، ولكن وجود أقلية رافضة أمر متوقع ولا يجب أن يؤخذ كدليل على عجز منظمة التحرير عن الوفاء بالتزاماتها، فمنظمة التحرير المدعومة بالغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة وفي الشتات لديها السلطة للتوصل إلى السلام ولديها القوة لتثبيت ذلك السلام، ولا يأتي التحدي الحقيقي لقدرة م.ت.ف على تحقيق السلام في الواقع من المنظمات الفلسطينية الرافضة وإنما يأتي من الإسرائيليين أو من غيرهم نتيجة لإحباطهم لآمال الشعب الفلسطيني، وإذا نجحوا في قتل أو سحق آمال الفلسطينيين في السلام فلا يمكن لأي قوة منع إغراق الشرق الأوسط مرة أخرى في مستنقع العنف.


 


.. الأردن ليس فلسطين، ولا يمكن للفلسطينيين أو للأردنيين أن يقبلوا بالضفة الشرقية بديلا عن وطن فلسطيني، وإن قادة إسرائيل الذين اعتادوا على المناداة بذلك، بمن فيهم شامير يهدفون عن سابق وعي وتصميم إلى زعزعة استقرار المنطقة، وهكذا يتضح ان التهديد الحقيقي لاستقرار الأردن لا يأتي من الفلسطينيين بل من إسرائيل بالرغم من حجج الذين يجادلون بعكس ذلك، ولا تقل فكرة فرض اتحاد كونفدرالي أردني – فلسطيني بالقوة خطورة عن القول بأن الأردن بديل لفلسطين فالاتحاد الكونفدرالي يفترض وجود دولتين أو أكثر تتفق فيما بينها على إقامته، وأي اتحاد يقوم بين دولة ولا دولة إنما هو نوع من الاغتصاب أكثر منه كونفدرالية وبالتالي سيظل مزعزعاً، ولذا لا بد للاتحاد الكونفدرالي الأردني – الفلسطيني أن ينتظر قيام دولة فلسطينية قادرة على أن تقرر بمحض إرادتها إقامة اتحاد كونفدرالي مع الأردن بافتراض توصل الشعب الأردني إلى نفس القناعة، وبعد هذا التوضيح يمكننا القول أن م.ت.ف ترحب بقيام إتحاد كونفدرالي أردني – فلسطيني بموافقة الناخبين في كلا الدولتين، وقد تبنى المجلس الوطني الفلسطيني مرارا قرارات بهذا المعنى.


 


قد لا تكون دولة فلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة كافية بذاتها لحل مشكلة ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل أوضاع لا انسانية في مخيمات متفرقة في العالم العربي، وبالتالي ستظل القضية الفلسطينية تهدد السلام في الشرق الأوسط إلى أن يتم حل مشكلة فلسطينيي الشتات، ولذا فإننا نصر على إدراج " حق العودة " على جدول المفاوضات الخاصة بتسوية النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.


 


وإذا خلصت النوايا لدى أطراف النزاع يمكن حل تلك المشكلة بالشكل الذي يخدم المصالح الحيوية لإسرائيل وفلسطين والمنطقة.


 


وأخيرا في معرض الاجابة على الذين يتساءلون عما إذا كان هناك بديل عن الانتفاضة نقول نعم يوجد، فالانتفاضة ثورة فلسطينية غير مسلحة قامت في وجه فقدان الفلسطينيين لحقوقهم ولأراضيهم وهي ستتوقف في اللحظة التي يتم فيها تقديم وعد أو التزام أكيد للفلسطينيين حول حقوقهم السياسية بما فيها حقهم في تقرير المصير في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، ولن تتوقف الانتفاضة بناء على أي وعد مبهم ببدء مفاوضات تستبعد حق تقرير المصير، وللأسف نجد ان وعوداً مهمة كهذه تشكل جوهر مقترح السلام الإسرائيلي.


 


ومن أبرز مكونات المقترح الإسرائيلي للسلام القول " ان إسرائيل تعارض إنشاء دولة فلسطينية في قطاع غزة وفي المنطقة الواقعة بين إسرائيل والأردن "  والخطة الإسرائيلية كلها موجهة نحو انكار الحقوق السياسية للفلسطينيين.


 


وهكذا فإن إسرائيل ترفض التعامل مع منظمة التحرير كما أكد شامير مرارا أن المنظمة تريد دولة فلسطينية كما ترفض إسرائيل التحدث إلى أي شخص تختاره منظمة التحرير للسبب نفسه.


 


وعلاوة على ذلك تقترح إسرائيل إجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة لاختيار فلسطينيين يتولون إدارة شؤون " الحياة اليومية " في المناطق المحتلة، باستثناء الشؤون الأمنية والخارجية وكل ما يتعلق بالمواطنين الإسرائيليين، وبكلام آخر فإن إسرائيل تريد من فلسطينيين منتخبين " إدارة " الأراضي الفلسطينية في ظل الاحتلال العسكري وعلى أساس أن نصف مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة التي تمت مصادرتها ستبقى في أيدي المستوطنين الإسرائيليين الذين يشكلون الآن 4% فقط من سكان المناطق المحتلة، والذين لن يكونوا خاضعين للسلطة الفلسطينية كما تطالب إسرائيل بإبقاء الضفة الغربية وقطاع غزة مفتوحين أمام المزيد من الاستيطان الإسرائيلي.


 


وتشترط إسرائيل إنهاء الانتفاضة للسماح بإجراء الانتخابات وتقول إسرائيل إنه لا بد من إنهاء الانتفاضة على الرغم من أن الوضع النهائي للأراضي المحتلة كما تراه لن يتضمن حق تقرير المصير، علاوة على أن إسرائيل لن تبحث ذلك الوضع النهائي - ما دون حق تقرير المصير - قبل مضي ثلاث سنوات على إنهاء الانتفاضة وإجراء الانتخابات، وهكذا ينص مقترح السلام الإسرائيلي على أن الهدف النهائي للمحادثات حول حل دائم للقضية الفلسطينية هو تحقيق السلام مع الأردن وليس مع الفلسطينيين.


 


وما تزال إسرائيل ترفض أن تبحث مع أي فلسطيني سواء رشحته منظمة التحرير أو لم ترشحه، أي أمر سوى شكليات ومتطلبات إجراء الانتخابات، وبكلام آخر فإن إسرائيل ترفض أي محاولة فلسطينية لاستكشاف الأهداف النهائية للانتخابات كما ترفض أي حوار عقلاني معها هدفه إقناعها بتعديل أفكارها غير المقبولة من الفلسطينيين.


 


وتسمي إسرائيل كل هذا مبادرة سلام، وبوجود هكذا مبادرة سلمية فمن يحتاج لإعلان الحرب ؟ ان منظمة التحرير الفلسطينية تحث الحكومة الإسرائيلية في مراجعة موقفها.


 


ان لإسرائيل الحق في الاستقلال والأمن والسلام، لكنها تقلل من ذلك كله بإنكارها الحق نفسه على الفلسطينيين، إن الفلسطينيين يمدون يدهم، ونحن نأمل بأن يتقدم أصحاب الرؤية السليمة والشجعان على الجانب الإسرائيلي بيد ممدودة لنا في المقابل وقبل أن يفوت الأوان.


 


ـــــــــــــــــــ


 


ــــــــ


 


ـــ


 


 


 


 


 


 


 


 


 


ملحق المـقال :


 


- أسئلة وأجوبة أبو إياد


 


س: ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين أوضاع منظمة التحرير والفلسطينيين اليوم مقارنة بأوضاع اليهود في فلسطين قبل عام 1948م ؟


 


ج: يمكننا أن نرى مجموعة من الاختلافات والأمور المتشابهة بذلك، في عام 1948م توصل اليهود إلى الاستنتاج أن الوقت كان مناسبا لإقامة دولتهم المستقلة في فلسطين واعتمدوا في استنتاجهم هذا على ما رأوه من قدرة الشعب اليهودي سواء في فلسطين أو في الخارج لدعم ومؤازرة تلك الدولة، وكذلك على استعداد الدول الكبرى للاعتراف بشرعيتها، إن القاعدة الحسابية البسيطة وراء ذلك القرار هو ان " البيشوف " – ستتمكن بواسطة الدعم الدولي من الاستمرار في مساعيها للتغلب على المقاومة الفلسطينية – العربية بالقوة إذا كان ذلك ضروريا والآن بعد 40 عاما نشعر بأننا نعيش في موقف مشابه إلى حد ما، وبالرغم من أننا لا نملك القدرة العسكرية على الأرض والتي كانت قد مكنت القيادة اليهودية من فرض دولتهم الجديدة بقوة السلاح، لكننا نشعر أن الانتفاضة من جانب والتأييد الدولي المتزايد من جانب آخر، قد خلقت الظروف المناسبة والملائمة لتحقيق هدفنا، وبنفس الوقت نختلف بشكل كبير عن القيادة اليهودية في أننا قمنا بتحديد هدفنا بوضوح في تأسيس دولة على جزء من وطننا التاريخي والتي سوف تعيش بسلام مع جارتها اليهودية ضمن إطار حل شامل للنزاع، وبالمقارنة لم تقم القيادة اليهودية عام 1948م بتحديد أهدافها النهائية بالنسبة للأرض ولم تقم أية حكومة إسرائيلية لاحقة بتحديد ذلك حتى اليوم، وما تزال الحكومة الإسرائيلية اليوم ترفض فكرة الحل الذي يرتكز على إنشاء دولتين والذي نعتقده انه الأساس نحو تحقيق سلام دائم وعادل في المنطقة.


 


س: غالبا ما يقال في إسرائيل وبلدان اخرى " منظمة التحرير في الخارج وخصوصا أغلبية قياداتها ينتمون إلى مناطق تقع الآن داخل إسرائيل ولذلك لا يمكن الاطمئنان إلى أنهم سيكونون مقتنعين بدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، في هذا السياق، يعتبر الإصرار على جميع " قرارات الأمم المتحدة " وعلى " حق العودة " لجميع الفلسطينيين تعبيرات مخففة لرغبات وطموحات الفلسطينيين في أرضهم جميعها ومطالبتهم المستمرة بأجزاء إسرائيل، فما هي وجهة نظر م.ت.ف الحقيقية والدقيقة حول الطريقة المناسبة للتعامل مع مسألة حق العودة ؟


 


ج: إن مسألة " حق العودة " مسألة حرجة لكنها ليست عقبة لا يمكن تجاوزها في سبيل تحقيق حل كما تحاول إسرائيل تصويرها، إن موقفنا هنا أن " الحق في العودة أو التعويض " ( وغالباً ما يتم تجاهل القسم الثاني من العرض ) قد أصبح شرعيا بقرارات متلاحقة من الأمم المتحدة بدأت بقرار الجمعية العامة رقم 194 عام 1948م ، ويرتكز القرار على الظلم الكبير الذي وقع على الفلسطينيين عام 47-1948م كنتيجة لإقامة وترحيل مليون فلسطيني من وطنهم، وبالرغم من ذلك فإننا لا نتصرف بغير واقعية حينما تثار مسألة تطبيق مثل هذا الحق، فمن ناحية، نقبل حقيقة أن العودة الكاملة غير ممكنة، على الأقل لأن إسرائيل أزالت حوالي 400 قرية وبلدة فلسطينية في الفترة 1947م – 1949م وذلك لجعل مثل هذه العودة أمراً مستحيل التحقيق، وبالاضافة إلى ذلك، فإنه ليس مؤكداً إطلاقاً وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين ترضى بالعودة للعيش تحت الحكم الإسرائيلي، خصوصاً في حال وجود دولة فلسطينية كخيار بديل وبنفس القدر فإننا ندرك ان إسرائيل لن تقبل أعداداً كبيرة من الفلسطينيين العائدين وذلك حتى لا يختل التوازن الديمغرافي في غير صالح اليهود.


 


وعلى الرغم من ذلك فإننا نعتقد أنه من الضروري أن تقبل إسرائيل بمبدأ حق العودة أو التعويض مع تفصيلات مثل هذا الأمر مفتوحة للتفاوض.


 


وهذا الأمر سوف يضمن أن يكون للفلسطينيين في الشتات والمخيمات مصلحة مباشرة في حل يرتكز على إنشاء دولة في الضفة الغربية وغزة فقط.


 


وإذا أهملت شكاوى هذا الجزء الحيوي من الشعب الفلسطيني ولم يتم تعويضه عن الأذى المعنوي الذي لحق به، فإن أي تسوية تتم ستكون مهددة وغير مستقرة، ولذا ومن أجل تقليل التذمر وعدم الرضى لدى الفلسطينيين فإننا نعتقد أن إسرائيل يجب أن تكون على استعداد لمناقشة حق العودة، بينما سنكون نحن من جانبنا مرنين بشأن تطبيقه ونتوقع أيضا أن يلعب المجتمع الدولي دوره الكامل فيما يتعلق بمسألة التعويض ولا نتوقع أن يتحمل طرف واحد هذه المسؤولية لوحده.


 


س: لقد قامت منظمة التحرير بشجب الارهاب بالرغم من تشديدها على حق الفلسطينيين المشروع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ويتم التعبير عن هذه المقاومة تقريبا يوميا من خلال الانتفاضة التي يقوم بها الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة والذين يواجهون جهودا إسرائيلية تهدف إلى معاقبتهم وافهامهم أنه لا يمكن الضغط على إسرائيل لاجبارها على تقديم تنازلات سياسية . إلى أين ستقود هذه الدائرة ؟ وهل هناك من بديل ؟


 


ج: إننا نعتقد أنه من حقنا – مثلنا مثل الشعوب الأخرى – أن نقاوم الاحتلال بما نراه من طرق وأدوات مناسبة . ولقد قامت الانتفاضة بتطوير أساليب خاصة بها في مقاومة الاحتلال . ولقد كنا وما نزال واضحين بشأن الحاجة للالتزام بسياسة عدم استخدام السلاح من خلال الانتفاضة، ففي الوقت الذي نتوقع فيه أن تتصاعد الإجراءات الإسرائيلية التعسفية فإننا نعتقد ان الحركة الشعبية في الأراضي المحتلة لا يمكن سحقها سواء بالأسلوب العسكري او الأساليب الأخرى، إن شعبنا مصمم على الاستمرار في كفاحه حتى يتحقق له حق تقرير المصير ويصبح الحل في قيام الدولتين حقيقة واقعة.


 


ومن هذا المنطلق فإننا نرى أن الانتفاضة لا يمكن القضاء عليها وأنه لا يمكن العودة إلى الأوضاع التي كانت سائدة قبل ديسمبر كانون أول عام 1987م، فعلى مدى العشرين سنة الماضية كان أي عمل من أعمال المقاومة يصنف على أنه عمل " ارهابي " وكان يقال لنا أن الاحتلال الإسرائيلي كان " كريماً وحميداً " وأن مستوى المعيشة في الضفة الغربية وقطاع غزة يجعل الفلسطينيين راضين بالأوضاع التي كانت سائدة، ولقد تم الآن إثبات أن هذا الأمر ليس صحيحاً بالمرة وأن البديل لدورة العنف هو الدخول في مفاوضات توصل إلى حل يضمن الانسحاب الإسرائيلي ويحقق تسوية سلمية للنزاع.


 


س: لقد بدأت الانتفاضة كحملة احتجاج محلية من قبل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ولن تبدأ بتحريض من منظمة التحرير في الخارج، فهل يسيطر أي طرف اليوم على الانتفاضة ؟ وإذا كانت تتحكم بها منظمة التحرير، فهل هذا هو الأسلوب الأمثل لتحقيق الأهداف الفلسطينية ؟ وإذا لم تكن منظمة التحرير مسيطرة على الانتفاضة فكيف تكون الممثل الشرعي الوحيد ؟


 


ج: إن الافتراض أننا لم نقم بإشعال الانتفاضة أمر غير صحيح، فقد يكون صحيحاً أنه لم يقم أي أحد أو طرف بتحديد موعد أو بالتخطيط للشرارة التي أشعلت الانتفاضة في ديسمبر / كانون أول 1987م ، إلا أن منظمة التحرير كانت قد قامت بتحضير الأرضية المناسبة لمثل هذه اللحظة على مدى سنوات عديدة من خلال بناء الهيكل التنظيمي وخلق الإطار المناسب للانتفاضة في الأرض المحتلة، إن كوادرنا قادت – وما زالت تقود - الحركة في مختلف أوجهها : كالمظاهرات والإضرابات واللجان الشعبية ولجان الدعم الشعبي وغيرها، وبالرغم من أن آلافا من رجالنا ونسائنا قد قتلوا أو جرحوا أو سجنوا، إلا أن الانتفاضة ما زالت مستمرة وإن قاعدتها الأساسية ما زالت لم تصب بأي أذى وتعمل قيادة منظمة التحرير في الخارج بتعاون كامل مع القيادات والكوادر في الداخل ويتم إتخاذ القرارات بالتعاون وبالاتفاق ولهذا فإن مسألة " من يسيطر أو يتحكم " مسألة لا تبدو ملائمة في هذا السياق لأنه لا يوجد اختلاف حقيقي بين قيادة منظمة التحرير في الخارج وامتداداتها داخل الاراضي المحتلة، ويتم تأكيد هذه الحقيقة بالولاء الذي لا يدخله الشك الذي يوليه الشعب الفلسطيني لمنظمة التحرير وإصراره على عدم تقسيمها ووحدتها، ولهذا فإن منظمة التحرير لا تقوم بمجرد " الإدعاء " بأنها الممثل الشرعي الوحيد، ولكن في حقيقة الأمر تنظر إليها الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني في كل مكان على أنها ممثلهم الشرعي الوحيد، وبالنسبة لنا فإنه لا يوجد هناك شك بأن الانتفاضة هي أسلوب مشروع لتحقيق الطموحات والآمال الفلسطينية ويتفق مع هذا الرأي جميع الفلسطينيين.


 


س: إذا كانت منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وإذا كانت الأغلبية العظمى من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة تقر ذلك، فما الذي تكسبه منظمة التحرير في عدم إعطاء " الضوء الأخضر " للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة للتعامل مع الإسرائيليين على أساس مبادرة 14 مايو أيار لإجراء الانتخابات ؟ وإذا كانت منظمة التحرير حقا الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، هل من الممكن لإسرائيل أن تقسم الفلسطينيين – حتى وإن رفضت التعامل مباشرة مع منظمة التحرير ؟


 


ج: لا توجد لدينا أية مشكلة بالنسبة لفكرة الانتخابات وأننا مستعدون لتقبل أي اقتراح جدي في هذا الشأن طالما أن هذه الانتخابات ستكون حرة وديمقراطية، وأننا على يقين تام بأن أية انتخابات سوف تؤكد من جديد ولاء الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته لمنظمة التحرير الفلسطينية داخل وخارج الأراضي المحتلة، ولكن لا يوجد هناك دليل على أن الحكومة الإسرائيلية سوف تتقبل مثل هذه النتيجة ونعتقد أنها تعمل بإصرار على عرقلة أي خطوة بهذا الاتجاه وذلك بإصرارها على شروط مسبقة وضعت إما لتمنع حدوث انتخابات حرة او لتجريدها من أي معنى حقيقي إذا ما حدثت.


 


والمشكلة أن مطالبة الحكومة الإسرائيلية إبعاد منظمة التحرير كشرط مسبق لأي انتخابات أو لأية خطوات مستقلة نحو تحقيق السلام تعني أن الحكومة الاسرائيلية تطالبنا بإلغاء دورنا بالكامل، وبنفس الوقت فإن إسرائيل تقدم الآن مطالب غير واقعية وغير منطقية بأن يكون لها الحق بتعيين أعضاء الوفد الذي سيفاوضها، وهذا الأمر لم يحدث مطلقاً في تاريخ الدبلوماسية ولا يمكن أن يكون مقبولاً لأي شخص يفكر بعقلانية، وإننا على استعداد بالتفاوض على جميع المسائل بما فيها موضوع الانتخابات مع الحكومة الإسرائيلية ولكننا لن نقدم لها استسلاماً غير مشروط.


 


س: تقول منظمة التحرير الآن أنها تقبل بالحل الذي يقوم على دولتين ولكن الكثير من الإسرائيليين يعتقدون ان هذا مجرد خدعة إعلامية وأن منظمة التحرير لم تتخل ولا يمكنها أن تتخلى عن سياساتها الداعية إلى تحقيق شعارها "كل فلسطين" على مراحل وبالنظر لاختلاف الآراء داخل منظمة التحرير، لماذا يجب على الإسرائيليين أن يؤمنوا بأن منظمة التحرير قد قبلت فعلاً بالمصالحة التاريخية على أساس الدولتين ؟


 


ج: لم تحلم منظمة التحرير بحل الدولتين خلال ليلة وضحاها، إن اعترافنا بهذا الأمر على أنه الأساس لأي حل نهائي قد جاء بعد عملية مستمرة وصعبة من الحوارات الداخلية والنقاشات امتدت على مدى خمسة عشر عاماً، إن أي شخص يكترث أن يتابع بجدية تطور الفكر الفلسطيني خلال السنوات الماضية سوف يتوصل بالتأكيد إلى الاستنتاج بأننا مخلصون في مقترحاتنا التي توجت بالقرارات التاريخية التي اتخذتها الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني في نوفمبر / تشرين الثاني 1988م، والتي تمت الموافقة عليها من قبل المنظمات الرئيسية داخل منظمة التحرير، فما هو البديل إذن ؟ لقد قمنا بطرح أفكارنا حول إنشاء دولة ثنائية القومية قبل سنوات عديدة، ولكن الجانب الآخر رفض الفكرة بشكل قطعي، ولذلك فالخيارات الأخرى المتبقية هي التقسيم أو الحرب بلا نهاية، ونحن نعتقد أن الوقت قد حان الآن لإيجاد حل نهائي لهذا النزاع ولتحرير شعبنا من الاحتلال والاضطهاد الذي عانى منه أكثر من عشرين سنة وكذلك لتحقيق السلام والأمن للجميع.


 


وفي هذا التحليل النهائي لهذا الموضوع، فإنه لا يوجد طريق آخر للحكم على إخلاصنا إلا بوضعنا تحت الاختبار، ونحن ندعو الشعب الإسرائيلي وحكومته للدخول معنا في مفاوضات من أجل هذه الغاية وإننا مستعدون لمناقشة أي عدد من الترتيبات والضمانات الأمنية لتأكيد إخلاصنا وصدقنا ويجب على أي حال تذكر أن النزاع لم تكن من طرف واحد لقد كنا الطرف الذي عانى من السياسات الصهيونية والإسرائيلية وقوتهم العسكرية على مدى ما يقرب من قرن من الزمن وأدى ذلك إلى تدمير مجتمعنا وسلب حقوقه بالاضافة إلى تشتيته ونفيه، ويمكننا أن نكون شكاكين بنفس القدر بالنوايا الإسرائيلية حول رغبتهم في العيش بسلام، ومع ذلك فإننا ما زلنا نرغب في إجراء المحادثات، ويتوجب علينا ان نجد حلاً لهذا النزاع من اجل شعبنا ومن اجل أطفالنا العرب واليهود ومن اجل تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة بأكملها وأن البديل لهذا سيكون فقط توقع الأسوأ للجميع.


 


س: تصر منظمة التحرير منذ مدة طويلة على الحاجة لعقد مؤتمر دولي، أليس واضحاً لمنظمة التحرير أن إسرائيل سوف ترفض حضور مثل هذا المؤتمر إذا لم يتم تحديد دوره بدقة ؟


 


ج: تعتمد دعوتنا لعقد مؤتمر دولي على عدد من الاعتبارات، أولاً إننا ندرك ان ميزان القوى بيننا نحن ( الفلسطينيون ) وإسرائيل ليس متوازنا إلى حد أن أي حل ثنائي سيكون مساويا لفرض أمر واقع من إسرائيل، ثانياً، إننا ندرك أيضا الحاجة إلى حل شامل تشترك فيه كل من الأردن وسوريا التي لها أرض محتلة – أو على الأصح مضمومة لإسرائيل - وبدون هذا الإطار الشامل للحل فإننا نعتقد أنه لن يكون هناك حل مستقر ونهائي في منطقة الشرق الأوسط، ثالثاً – أننا نعتبر المشاركة الدولية في الحل جزءا أساسيا لإشتراك القوى الدولية الرئيسية التي لها مصلحة في ضمان ودعم المحصلة النهائية، ويجب أن يعمل هذا لخدمة مصالح إسرائيل مثلما يخدم مصالحنا أيضاً، إن هيكل وسلطة مثل هذا المؤتمر تبقى خاضعة للنقاش ولقد قمنا بإعلان استعدادنا للدخول في مفاوضات مع إسرائيل لبحث هذه المسألة، وللأسف لم ترد إسرائيل على هذا الاقتراح.


 


س: إذا كان واضحا أن إسرائيل لن تحضر مؤتمراً دولياً وأن منظمة التحرير تدرك ذلك، هل يمكن اعتبار منظمة التحرير جادة وعملية في استمرارها لعقد مثل هذا المؤتمر ؟


 


ج: أننا نأمل أن تستمر العملية الدبلوماسية بطريقة تؤدي في النهاية إلى جعل إسرائيل تعيد النظر في موقفها تجاه المؤتمر الدولي، إننا نعتقد أيضاً ان على إسرائيل أن تقدم افتراضا بديلا جادا وعمليا خاصة في ضوء اصرارها على الحاجة لتحقيق الحل الشامل والذي دعت إليه حتى خطة شامير ولكن يبدو أن الإسرائيليين يريدونها من الناحيتين اتفاق منفصل مع الفلسطينيين يبحث بشكل محدد عن الضفة الغربية وقطاع غزة ويستبعد منظمة التحرير والفلسطينيين في الشتات وبنفس الوقت تحصل على اتفاق يحوز على دعم شامل عربي دولي، إن هذا الأمر غير منطقي بالمرة.


 


س: على افتراض أنه تم إقرار الحل على أساس وجود دولتين، كيف ترى منظمة التحرير العلاقات بين فلسطين وإسرائيل ؟ كيف ستكون طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية ؟ كيف سيتم التعامل مع المسائل الأمنية ذات الاهتمام المشترك ؟


 


ج: اننا نطمح إلى وضع يتكون من دولتنين تعيشان جنبا إلى جنب بينهما علاقات سياسية وبلوماسية كاملة وبتعاون مشترك في مجال واسع من الأمور السياسية والأمنية، من المحتمل أن يتطلب مثل هذا الأمر بعضا من الوقت لينضج بسبب الجراح العميقة التي خلفتها عقود من الحرب والدمار، وبسبب القرب بيننا ورغبتنا للمشاركة في استغلال المصادر الطبيعية والعوامل الاقتصادية الأخرى التي تؤثر على كلينا، لا نستطيع أن نتصور كيف سيكون ممكناً أن نعيش مع وجود حاجز حديدي يفصلنا خاصة وإن مثل هذه الحواجز قد تحطمت في معظم انحاء العالم، إن الحصافة والمصلحة تقتضي ان نتعاون في المسائل التي تتعلق بالماء، حركة العمال والبضائع ورأس المال وكذلك الإشراف على التنقل بين الضفة الغربية وغزة وغيرها.


 


بالاضافة إلى ذلك إننا ندرك أنه يمكننا أن نكون حلقة وصل بين إسرائيل والعالم العربي وأنه يجب الاتفاق مع الأردن لينضموا إلى إطار جماعي من التعاون، إننا نعتقد انه يجب أن يكون هناك انتقال حر متبادل بين الطرفين لزيارة الأماكن المقدسة على جانبي الحدود وأن حق السكن لمواطني أي من الدولتين يجب أن يكون متوفرا اعتمادا على أسس متفق عليها، واعتماداً  على هذا فإنه من الممكن للمواطن اليهودي الإسرائيلي ان يعيش ويعمل في فلسطين تماما مثلما يسمح للمواطنين الفلسطينيين العيش والعمل، وفي مجال الأمن فإنه يتوجب علينا أن نقيم إطارا متفقاً عليه من الطرفين لمنع الحوادث عبر الحدود ولمنع العناصر الساخطه من الطرفين والتي قد تحاول الاخلال بالحل ، وبالنسبة لمثل هذه المسائل كما هو الحال كذلك بالنسبة لكل عنصر من عناصر عملية السلام إننا على استعداد للجلوس والتفاوض بشأنها.


 


س: بعض المنظمات الفلسطينية المهمة لم تقبل النهج السياسي الجديد لمنظمة التحرير، إذا لم تستطع قيادة المنظمة السيطرة وضبط هذه المنظمات ألا يثير هذا مخاوف مشروعة أن منظمة التحرير لن تستطيع التحكم بالدولة الفلسطينية المستقلة ومنع أعمال هدامة للسلام ؟


 


ج: إن الجماعات التي لم تقبل سياستنا الجديدة هي جماعات هامشية وتمثل آراء أقلية صغيرة بالاضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أن كل هذه الجماعات يتم تمويلها ودعمها من بعض الدول العربية التي تستخدمها لتحقيق غاياتها السياسية، إن مسألة فيما إذا كان بإمكاننا " ضبط " هذه الجماعات، لا تبدو مسألة مشروعة حيث أنه لا يمكن اعتبار أية دولة أو حركة سياسية مسؤولة عن أعمال جميع مواطنيها أو أعضائها، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أن الجماعات المعينة تعمل خارج إطار سلطتنا وتحت رعاية أجنبية وعلى أرض لا نسيطر عليها وبالرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تواجه مشكلة في السيطرة على جميع قواتها في الضفة الغربية وغزة، إلا أنه يبدو أنه يوجد شخص في الغرب مستعد أن يستخدم هذه  الحجة لرفع الشرعية عن الدولة الإسرائيلية أو أن يشكك في صدق التزام إسرائيل بالسلام، عندما نملك دولتنا المستقلة فإننا سنجد الأساليب المناسبة لمنع " الأعمال الهدامة للسلام ".


 


س: استمرت بعض المنظمات الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية في القيام بهجمات ضد إسرائيل عبر الحدود من لبنان بالرغم من نبذ عرفات للإرهاب في ديسمبر / كانون أول 1988م فهل حاولت م.ت.ف وقف تلك الهجمات ؟ أم لديها النية للاستمرار فيها ؟


 


ج: بالنسبة للعمل العسكري من جانبنا، لا بد وان يكون واضحا أننا لم نتنازل عن حقنا في اللجوء إلى السلاح، وأننا نعتبر ذلك واحدا من أساليب عديدة يمكننا بواسطتها مواجهة إسرائيل.


 


وإسرائيل لم تتخلّ عن استعدادها لاستخدام القوة العسكرية ضدنا داخل الأرض المحتلة وخارجها ( وغالبا ضد مدنيين عزل من السلاح )، وبالتالي لا نفهم معنى مطالبتنا بنزع السلاح من جانب واحد فقط.


 


وعلاوة على ذلك، فإن إسرائيل لم تظهر أي اهتمام في التفاوض من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار أو في تقبل أي اقتراح أو ترتيب من شأنه ضبط وتخفيض مستوى المواجهة المسلحة، ويمكنني القول أن م.ت.ف تمارس ضبط النفس كما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي اسحق رابين بنفسه منذ بضعة شهور، كما أن م.ت.ف ملتزمة بتعهدها بوقف كافة العمليات العسكرية " الخارجية " بالرغم من عدم تقديم إسرائيل لتعهد مماثل، وكما يثبت اغتيال (أبو جهاد) في تونس في الربيع الماضي، وبالاضافة، فقد تبنينا سياسة في غاية الحذر والانتقائية في اختيارنا لأهداف عملياتنا المسلحة وسنبذل كل ما في وسعنا للتأكد من أن عملياتنا مشروعة وذات طابع عسكري، وهذا أيضا تصرف لا يوجد ما يقابله في الجانب الإسرائيلي الذي يستمر في قصف مخيمات المدنيين الفلسطينيين في لبنان بدون أي قدر من ضبط النفس.


 


ولسوء الحظ، أنا أعتقد أن النضال العسكري سيستمر طالما لم يتم التوصل إلى إلى تسوية سلمية للنزاع، وسنحاول ممارسة ضبط النفس في هذا المجال، ولكننا لن نخصي أنفسنا أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية، ونحن نتطلع إلى وضع يتحقق فيه السلام لشعبنا وبالتالي تدفن أسلحة الموت والدمار إلى الأبد.


 


س: ماذا كانت تأمل م.ت.ف في تحقيقه من حوارها مع الولايات المتحدة، وكيف تقيم نتائج الحوار للآن ؟


 


ج: لا يمكننا إخفاء خيبة أملنا إزاء بطء الحوار وضيق أفقه، ونحن نشعر أن الولايات المتحدة تنظر إلينا نظرة عدائية وأنها غير راغبة في بذل جهد حقيقي لتفهم مخاوفنا وهمومنا، وفي المقابل، لدينا انطباع بأن الولايات المتحدة تتبنى بشكل أعمى الخط أو الموقف الإسرائيلي، ولا تقوم بأي محاولة لإتخاذ موقف محايد وعادل بين الطرفين، وهناك خلل بنيوي في الموقف الأمريكي لصالح إسرائيل نبدو عاجزين عن التغلب عليه، ونحن ندرك في الوقت نفسه أن أمامنا الكثير لنتعلمه حول عملية إتخاذ القرار السياسي في الولايات المتحدة، ونأمل بأن يوفر لنا التحسن التدريجي في العلاقات الأمريكية – الفلسطينية الفرصة لذلك، ومن جانبنا فإننا سنقوم بكل جهد لحماية ذلك الحوار نظراً للدور الحيوي الذي تلعبه الولايات المتحدة في عملية السلام في الشرق الأوسط بحكم علاقتها الخاصة بإسرائيل، ونحن نأمل من خلال عملية الحوار والتفاعل أن تصبح الولايات المتحدة أكثر تجاوباً مع مطالبنا السياسية، وأن تقر بأن تطلعاتنا الوطنية عادلة وضرورية لتحقيق التسوية، ويعتبر الاعتراف بحقنا في تقرير المصير خطوة لا غنى عنها نحو السلام، ونحن غير مقتنعين بأن استمرار معارضة الولايات المتحدة لذلك الحق له ما يبرره خصوصاً وان الولايات المتحدة هي القوة العالمية الرئيسية الوحيدة ( بالإضافة لإسرائيل ) المستمرة في معارضتها لمفهوم أو لفكرة الاستقلال الفلسطيني والدولة.


 


س: يقال أن م.ت.ف مستعدة للحوار مع إسرائيل ولكن إسرائيل ترفض التعامل معها، فهل م.ت.ف جادة في القول بأنها مستعدة لمحادثات مع إسرائيل ؟ وإذا كان كذلك فما هي الخطوات العملية التي تتخذها م.ت.ف لإقناع إسرائيل بجديتها ؟


 


ج: إن جديتنا ليست موضع شك أو سؤال، فقد قمنا بعدد من الخطوات والمبادرات للتدليل على استعدادنا للتحدث إلى الإسرائيليين، بدءا من قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، مرورا بنداء الرئيس عرفات ومروراً بالنداء الذي وجهته شخصياً إلى الشعب الإسرائيلي في فبراير / شباط 1989م، وانتهاء بعشرات الاجتماعات بين ممثلينا والإسرائيليين وممثلي اليهودية العالمية، ( وبالمناسبة فإن إسرائيل هي التي أصدرت قانونا يجعل الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية جريمة )، ولم نر من الجانب الآخر سوى " لا لمنظمة التحرير الفلسطينية " " ولا للدولة الفلسطينية " ، وفوق هذا كله نطالب بتنازلات لا نهاية لها ونطالب بالمزيد من المبادرات والمزيد من الجهود لإثبات إخلاصنا وصدقنا، وبدون أي دليل ملموس على أن ذلك كله سيقابل بالمثل، وبالرغم من ذلك فإننا عازمون على الاستمرار في محاولاتنا إقناع الجمهور الإسرائيلي بأننا نعني ما نقول حول التوصل إلى تسوية نهائية، ونحن ندرك أننا لم ننجح حتى الآن في اختراق الحاجز النفسي القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين ونحن نشعر في نفس الوقت أنه لا يمكن لهذه العملية النجاح إذا استمرت من طرف واحد وأن الذين يطالبوننا بالمزيد من التنازلات لا يطالبون الطرف الآخر بتنازلات مشابهة أو مماثلة، وعلى الطرفين الاقتراب أكثر من بعضهما لجعل السلام ممكناً، ونحن نشعر بأنه على الذين يؤيدون فكرة الحل القائم على دولتين سواء داخل إسرائيل أو خارجها أن يتحملوا مسؤولية أكبر في العمل على تغيير تصورات وقناعات الجمهور الإسرائيلي وعلى تغيير السياسات الحكومية الإسرائيلية، ولا يمكن لهذا الأمر أن يكون مهمتنا وحدنا.     


 


                


 


ــــــــــــــــــــــ


 


ـــــــ


 


ـــ


 


 


 


·       مجلة السياسة الخارجية الأمريكية العدد ( 78 ) ربيع 1990م.


 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت