ان انعقاد اللقاء اليساري العربي الثالث التي تم باستضافة الحزب الشيوعي اللبناني والذي آتى في ظل الثورات العربية وما تتعرض له القضية الفلسطينية يشكل حالة استثنائية خاصة .
ومن موقع مشاركتي في هذا اللقاء وما تضمنه لا بد أن انوه إلى ايجابية خاصة لدور الرفاق في الحزب الشيوعي اللبناني من خلال الاعداد الجيد حتى يخرج اليسار العربي في موقف يحدد مواقف اليسار اتجاه الاوضاع الراهنة التي تعصف في المنطقة .
إن الحديث عن أزمة اليسار العربي، وأسباب حالة الانكفاء والتهميش التي وصل إليها اليوم بعد الثورات العربية دون مراجعة اصبح يشكل مهمة امام الجميع ، والسؤال الأبرز وخاصة ونحن نلتقي في اللقاء اليساري رأيت من خلال المداخلات التي ألقيت اننا ما زلنا بحاجة الى جهد اكبر حتى نحدد رؤانا ونقف امام أخطائنا ان كان على مستوى التكتيك والاستراتيجيا.
ولا بدّ أيضاً النظر إلى الموضوع من منظور تاريخي جدلي يدقق ويتفحّص الصيرورة التاريخية لحركة اليسار العربي، وأهم المفاصل والمحطات التي مر بها ارتباطاً بالظروف الموضوعية والذاتية، الداخلية والخارجية.
إن نظرة تقويمية لحركة اليسار العربي، تفتح باب الأسئلة حول تجارب الأحزاب اليسارية العربية، خاصة بعد ثلاثة ايام من النقاشات المكثفة بين ممثلي 22 حزبا يساريا قد لقيت اهتماما ، حيث اثبت الملتقى اليساري العربي بانه لم يفقد البوصلة من خلال رصده لطبيعة ما تتعرض له الشعوب والمنطقة من هجمة امبريالية تستهدف الانقضاض على ما حققته الشعوب العربية من انتصارات من خلال دعم الولايات المتحدة لما يسمى بقوى الثورة المضادة كما يجري اليوم في مصر وتونس ورعايتها للتوجهات التي تنتهجها دكتاتوريات النفط وخاصة ما يحدث في البحرين ، بهدف تحويل الربيع العربي الى خريف وشتاء دامي.
لذا فان القوى والأحزاب اليسارية اكدت على اهمية العمل من اجل انجاز مهام التنمية والتحرر من التبعية للسوق الإمبريالية وتكريس مبدأ الاشتراكية وجعله خيارا بديلا، وخاصة بعد ان تفاقمت المشكلات الاجتماعية التي عمقت الفوارق الطبقية في المجتمعات العربية ، وانتشرت البطالة وتراجع مستوى التعليم والثقافة.
ان ما صدر من بيان ختامي بعد اجتماع دام ثلاثة ايام نأمل ان يشكل هذا الموقف خطوة مهمة في تعزيز دور اليسار العربي من اجل اخذ دوره بين الجماهير العربية ومواجهة قوى الرأسمالية والتدخلات الخارجية الهادفة الى اعادة استعمار المنطقة من خلال شرق اوسط اقتصادي جديد، وبذلك سستمكن القوى اليسارية والحدود الفاصلة بين البلدان والشعوب العربية.
ان المرحلة التي تعيشها المنطقة العربية الآن ، بعد الثورات العربية التي اسقطت بعض انظمة الاستبداد والظلم يتطلب الوقوف ايضا من اليسار العربي مواجهة المشكلات الرئيسية في العالم العربي، من خلال ارتباط مفهوم "العدالة الاجتماعية" وبمفهوم التقدم في آن واحد، وهذا يشكل ضرورة قيام تحالف بين اليسار الملتزم الديمقراطية ومبادئ العدالة الاجتماعية، وبين الليبراليين الوطنيين، ولا بد من حل المشكلات الإثنية والمذهبية والدينية بروح ديمقراطية .
ان القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية والمحورية لقوى اليسار وفي خضم النضال العاصف الذي يقوده الشعب الفلسطيني، رأيت ان اللغة التي سمعتها تغيرت نسبياً، لكن الجوهر لم يتبدل، فهي ما زالت بروح ثابتة من القوى اليسارية، ولكن من يريد ان يتحدث في شأن القضية الفلسطينية، يجب ان يدرك ان المرحلة الراهنة اوجدت البرنامج المرحلي الذي يتضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والبرنامج الاستراتيجي الطويل الأمد الذي يتطلع إلى قيام دولة ديمقراطية موحدة في فلسطين التاريخية لجميع مواطنيها، ، الذين سيعيشون فيها على قدم المساواة. ونحن نثمن قيام جبهة مقاومة شعبية فلسطينية وعربية من اجل تحرير ارض فلسطين .
ان التهديدات الأمريكية المباشرة للبلدان العربية التي تريد أعادت المنطقة إلى مرحلة الاستعمار ، إن شمولية الموضوع ، وتعقيداته تحتاج بالتأكيد إلى دراسات تحليلية معمقة في الفكر السياسي اليساري العربي وتجاربه ، للإجابة على هذه الأسئلة المتشعّبة ، إذ من الصعوبة بمكان الإحاطة بهذا الموضوع الشائك حول دور اليسار العربي من خلال الموقف ، ان المهمات والبرامج التي انبثقت عن اللقاء اليساري العربي ، حيث ادرك الجميع خطورة بعض ما يسمى الاسلام السياسي الذي دخل في تحالف طبيعي مع الولايات المتحدة لفرض مشروعه على الشعوب العربية ، وكي تفضي قرارات اللقاء اليساري إلى فعل على الارض بحاجة الى متابعة من اجل تفعيل دور اليسار ، وان المهمات الأخرى التي يحددها الواقع العربي بتعييناته ، على اعتبار أننا لا زلنا في مرحلة التحرر الوطني وخاصة في فلسطين ، حيث يفرض علينا واقع الاحتلال مهمات إضافية أساسية تتعلق بمواجهة الاحتلال ودحره .. مثل هذه المهام تتطلب أوسع مشاركة شعبية عربية، من قِبل جميع القوى ، التي عليها أن تنتظم في أطر جبهوية عريضة ، هي الصيغة الأكثر فعالية لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديموقراطية ، التي يندرج ضمنها مواجهة الاحتلال ، والتحرر من التبعية ومحاربة التجزئة ، والوحدة, وإنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وكل هذا يجب أن يرتبط بفهم عميق لمسألة الديموقراطية التي تتجاوز مسألة الحريات السياسية فحسب ، إلى مسألة تحصين البلدان العربية ضد التهديدات الخارجية المحتملة من خلال الإصلاح الداخلي الذي يستدعي أوسع صيغ التحالف الوطني العريض ، والمشاركة الشعبية في القرار السياسي, والاقتصادي, والاجتماعي الفاعل ، الذي يعني ضمناً إعادة المجتمع إلى دائرة الفعل ، بعد أن غيب طويلاً . ومن هنا ارى ان اليسار العربي حتى يتمكن من مواجهة محاولة السطو من قبل بعض الاسلام السياسي على الثورات العربية يجب ان يشكل قوة تغيير حقيقية .
أن قناة اليسارية ستشكل فعلا دورا مهما اذا ساهمت فيها كل القوى اليسارية العربية ومنبرا عظيما في التحولات الجارية في بلدانها ، وهناك ضرورة لمساهمة اليسار في توحيد جهوده ودعم خطوة هذه القناة .
ختاما: انني اتطلع الى اهمية دور اليسار العربي والفلسطيني من خلال مراجعة كاملة لكل البرامج والمهمات المطروحة علينا, للخروج بفهم جديد يعيدنا إلى دائرة الفعل المؤثر في حركة الواقع .. على مستوى الاستراتيجيا والتكتيك الصحيح الملائم لظروف المرحلة الراهنة، وعلى هذه الارضية المطلوب فتح حوار بين كافة قوى اليسار العربي ، من أجل نهوض في الواقع العربي عموماً ،وفتح باب الحوار أيضاً بين مختلف التيارات والحركات الفاعلة مع القوى الإسلامية المتنورة ، رغم الاختلاف على المستوى الإيديولوجي مع التيار الإسلامي فنحن نميز بين التيار الإسلامي المقاوم للمشروع الإمبريالي الصهيوني وبين التيار الظلامي الاستئصالي التكفيري الذي يرفض الحوار ويعتبر نفسه البديل المطلق لكافة التيارات الأخرى الفاعلة في الواقع العربي.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت