من غير صعوبة كبيرة، نستطيع أن نطلق حكماً موثوقاً وسريعاً نؤكد فيه أن موجات التطرف والانزياح نحو سياسات اليمين واليمين المتطرف داخل الدولة العبرية الصهيونية، آخذة في الاتساع كل يوم، في ظل جمود عملية التسوية، أو بالأحرى انهيارها على المسار الفلسطيني/ الإسرائيلي، ووصولها إلى نقطة استعصاء غير قابلة للحل أو الاجتهاد، على ضوء سياسات حكومة نتنياهو التي أحرقت كل الدروب الممكنة إلى تسوية حقيقية على أساس الشرعية الدولية.
وبالطبع فإن حالة التطرف والنمو المتزايدة لتيارات اليمين في إسرائيل، لا تتعلق فقط بمسار عملية التسوية ورفض وقف الاستيطان، والإصرار على الحل الإسرائيلي المنطلق من رؤية أحادية تتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، بل في السلوك الإسرائيلي الصهيوني تجاه المواطنين العرب من أبناء الوطن الأصليين، الذين بقوا داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
وعندما نتكلم عن نمو واتساع نفوذ تيارات التطرف داخل إسرائيل، فإن الأمر لا يتعلق بالمرحلة الحالية، أو بالاجتماع الأخير لصائب عريقات مع مستشار نتنياهو اسحق مولخو، وصدور التشدد الإسرائيلي وفجاجته التي وصلت إلى حد الوقاحة في لقاء عمان الأخير، والذي تم بضغط من واشنطن وبحضور أطراف الرباعية الدولية، بل يتعلق بانفتاح شهية اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، مع غياب السياسات العربية الجدية، ومع إفرازات السنوات الماضية التي شهدت تصدعاً في العمل العربي المساند للطرف الفلسطيني ولفلسطينيي الداخل.
كما شهدت تراجعاً عربياً وعلى مستويات مختلفة، في بذل الجهود المطلوبة للتأثير على قرارات وتوجهات الرباعية الدولية، التي باتت بدورها تحت تأثير الموقف الأميركي، في ظل الغياب العملي والحضور الشكلي فقط للأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وحتى روسيا.
وفي هذا السياق، فإن مؤشرات إضافية من داخل إسرائيل ومن داخل حتى مؤسسات الكيان الصهيوني التعليمية وغيرها، تعطينا صورة واضحة عن مدى تغلغل نفوذ اليمين واليمين المتطرف داخل المجتمع الصهيوني، واتساع نفوذ ثقافته المناهضة للعرب والفلسطينيين.
فالفلسطينيون الذين يوصفون كـ"أنذال، منحرفين ومجرمين، أناس لا يدفعون الضرائب، ولا يريدون أن يتطوروا"، تمثيلهم الوحيد هو كـ"لاجئين، مزارعين متخلفين وإرهابيين"، وهم كذلك "أشرار يجب قتلهم"، في العديد من كتب التعليم الإسرائيلية التي تنشر وتثير مناخات إيديولوجيا ودعاية محكمة، حتى في دعاية التمييز بين اليهود والمواطنين الفلسطينيين الإسرائيلين داخل فلسطين 1948، حيث يعرض جهاز التعليم كجهاز يميز بشكل واضح بين اليهود والعرب وبين داخل إسرائيل.
إن الثقافة إياها الموجودة في بعض كراسات التعليم الإسرائيلية، ترمي إلى إعداد الشباب اليهودي لتبرير الأعمال الإجرامية في جيش الاحتلال، والموجهة ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل وفي عموم الأرض المحتلة عام 1967.
إن تلك الممارسات لم تقف عند حدود نشر ثقافة الكراهية وحتى الإرهاب في بعض كراسات التعليم، بل تعاظمت مع وجود تيارات مجتمعية في إطار الأحزاب الإسرائيلية، التي باتت منذ زمن طويل تدعو لسن قوانين عنصرية جائرة تجاه قضايا المواطنين العرب أصحاب الوطن الأصليين داخل مناطق 1948، وكان منها على سبيل المثال قيام عضو الكنيست "أناستاسيا ميخائيلي" من حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرِّف الذي يتزعمة اليهودي الروسي أفيغدور ليبرمان، بتقديم مشروع قانون مثير للجدل أُطلق عليه "قانون المؤذِّن"، باعتباره "قانونا بيئيا يهتمّ بتقليص الضجيج بجميع أشكاله، ويحظى بدعم وزير البيئة الإسرائيلي غلعاد أردان وجمعية حماية البيئة".
وقد قوبل القانون الذي يُخوِّل وزير الداخلية الإسرائيلي صلاحية منع المؤذِّنين من رفع الأذان في المساجد، باعتراض النواب العرب في الكنيست، الذين أكّدوا أنّ هذا المشروع يشكِّل انتهاكاً صارخاً لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وأنه جزء من حزمة القوانين المناهضة للديمقراطية، التي شرّعها الكنيست الحالي مستهدفاً انتهاك حقوق فلسطينيي الداخل.
فالمشروع الإسرائيلي المشار إليه، يشكّل دلالة قاطعة على استشراء سياسات ومنطق اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، فهو يأتي ضمن حزمة القوانين الأخيرة التي قام بتشريعها الكنيست الحالي، والتي تستهدف بشكل مباشر انتهاك حقوق المواطنين العرب داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
إلى ذلك، يتوقع أن يواصل الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في دورته الشتوية الحالية، إقرار سلسلة من القوانين العنصرية التمييزية، التي تثبت مدى تمادي اليمين العنصري الصهيوني في فرض سيطرة الاحتلال وتشريع قوانين خاصة، بهدف التضييق على الفلسطينيين داخل أراضي 1948، ومن بينها مشروع قانون فرض الخدمة المدنية بديلاً عن الخدمة العسكرية، وهو في جوهره يستهدف خلق شباب عربي مشوه قوميا ووطنيا، لأن الربط بين الخدمة العسكرية والمدنية متأصل في الفكر الصهيوني.
ومحاولة لفرض قيم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية. فـ"قوانين الخدمة القومية" (أو المدنية)، هي الوجه الآخر لقوانين الولاء للصهيونية، أو بالتعريف الرسمي الصهيوني "الولاء لإسرائيل كدولة يهودية"، وهي تعبير عن حاجة إسرائيلية، تأكد فشلها (بعد ثلاثة وستين عاماً من النكبة) في تكوين ولاء فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 للمشروع الصهيوني.
إن كفاح أبناء الشعب الفلسطيني الصامدين والثابتين داخل وطنهم الأم في فلسطين المحتلة عام 1948، أمام مرحلة مفصلية، في ظل تكالب قوى اليمين واليمين المتطرف داخل إسرائيل، وسعيها لفرض المزيد من القوانين العنصرية ضدهم، فيما تسعى أحزاب الوسط واليسار الصهيوني لتطويعهم عبر السعي لاستصدار بعض القوانين وتأييدها، ومنها قانون الخدمة المدنية بديلاً عن الخدمة العسكرية في صفوف جيش الاحتلال، وهي الخدمة التي لا يخضع لها المواطنون العرب أصلاً، باستثناء من فرضت عليهم من أبناء الطائفة الدرزية وبدو الشمال والنقب.
المصدر: صحيفة البيان الاماراتية
بقلم علي بدوان
العدد الصادر يوم الثلاثاء الواقع في 17 يناير 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت