حواديت ...
أوركسترا فلسطينية.
المشهد الداخلي الفلسطيني أشبه ما يكون بفرقة أوركسترا، تشكل القوى السياسية فريقها، يعزف كل منهم ما يحلو له في غياب النوتة الموسيقية، الآلة صاحبة الصوت الأعلى تفرض مخرجات الموسيقى، فيما الشعب الفلسطيني يرقب عزفا لا يفهم منه شيئاً، رغم محاولته الجادة لتتبع الحركات الوترية من اليمين إلى اليسار، وهذا ما سبب له دواراً ودفع البعض للاعتقاد بأن الحالة الفلسطينية الداخلية ميئوس منها، وحيث إن الانقسام وتداعياته بات يستحوذ على جل اهتمام المواطن الفلسطيني، وتراجعت أمام ذلك الحقوق الوطنية، ونكتفي بالتذكير بجملة الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف، نعم من غير المقبول علينا جميعا التصرف والتفريط أو التنازل عن أي منها، وطبعا التذكير يتعلق بما هو فلسطيني، فيما الاحتلال يتصرف بوقائع على الأرض على عينك يا تاجر، المهم أن ملف المصالحة اليوم هو الأكثر حضورا على مائدة الإعلام، رغم أن الحركة التي تسير بها المصالحة لم ترق بعد لسرعة السلحفاة، رغم أن الجميع يدرك أن الكثير من معاناة الشعب الفلسطيني ترتبط بالانقسام وتداعياته، وأن المواطن الفلسطيني بات يشكك في كل ما يقال عن المصالحة، فالكلام المعسول عن المصالحة لم يلمس المواطن منه شيئا على أرض الواقع.
المهم بعد اللقاء الأخير في القاهرة، تم الاتفاق على تشكيل لجنة الحريات التي أنيط إليها معالجة ستة ملفات، وكذلك لجنة المصالحة المجتمعية لمعالجة ملف ضحايا الانقسام، وشرعت اللجنتان في عملهما بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية، دون توفير إطار قيادي من حركتي فتح وحماس يشرف على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه داخل اللجنتين، ولنقف عند لجنة الحريات، حيث شرعت في التعاطي مع ملف المعتقلين السياسيين، وجوازات السفر، وحرية الحركة، وفي الوقت الذي حددت فيه اللجنة الخامس عشر من الشهر الحالي موعدا لتقييم ما تم إنجازه، من الواضح أنها اضطرت لتأجيل اجتماعها والاكتفاء بحديث العموميات، واضح أن حجم ما تم إنجازه لم يلب الحد الأدنى من المطلوب، وأعتقد أن اللجنة لا تتحمل مسؤولية البطء في عملها بقدر ما تتحمل حركتا فتح وحماس المسؤولية، فبدلا من الإسراع في الإفراج عن المعتقلين السياسيين وجدنا الاعتقال والاستدعاء في كل من الضفة وقطاع غزة وإن كان بوتيرة أقل عن السابق، وعادت لغة الاتهامات المتبادلة بين حركتي فتح وحماس فيما يتعلق بتعطيل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه داخل اللجان، والسؤال الذي يطرح ذاته ما هي الآلية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه؟ ومن يتابع تنفيذ ذلك؟ الواضح أن اللجان تجتهد في غياب ناظم لعملها ولتنفيذ ما يخرج عنها من توصيات.
قد يرى البعض في تأخير تشكيل الحكومة ما يعرقل الإسراع في تنفيذ بنود المصالحة، وهذا الطرح له ما يبرره، حيث كان يمكن لنا أن نتخلص من فلسفة الخطوات التبادلية بين الضفة وقطاع غزة، ولكن على أي حال حتى تشكيل الحكومة من المفيد أن تقدم فتح وحماس على تسمية مفوض من قبل كل منهما لمتابعة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، حيث بات جليا أن الخلل الأكبر يكمن في الإدارة بعد أن توفرت الإرادة لدى الطرفين، ولعل ذلك يتضح في المساحة الفاصلة بين اللجان وجهات التنفيذ، وكي نكون أكثر صراحة فالحديث عن ملفي جوازات السفر وحرية الحركة لا يتطلب أكثر من كتاب من القيادة لجهة الاختصاص بالتنفيذ، ومن ثم متابعة للتأكد من تنفيذ الجهات المختصة للتعليمات الموجهة لها، من الطبيعي في ظل غياب الناظم لإدارة إنهاء الانقسام بملفاته المختلفة، ستمضي المصالحة ببطء شديد إن لم يوقفها ويعرقل مسيرتها عمل فردي هنا أو هنالك.
يخطئ من يعتقد من حركتي فتح وحماس أن استمرار الانقسام يخدم مصالحه الحزبية، فالواضح أن المواطن الفلسطيني لم يعد يطيق المماطلة في إنهاء الانقسام، ولا يتوقف عند نسبية كل من الحركتين في تأخير تنفيذ بنودها، فكل ما يعنيه هو إنهاء هذا الكابوس الذي ألحق بالوطن والمواطن بالغ الضرر، وأن تتوقف الاوركسترا عن العزف لحين إيجاد نوتة موسيقية يلتزم الجميع بها، ولعل ذلك يكون قبل نهاية الشهر الحالي كما تم الاتفاق عليه في القاهرة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت